الله اختارني للحياة الأبدية - 1
كنت في بدء حياتي مسلماً أمارس أمور ديني، وداعية إسلامياً وقد أسَّستُ
«الحركة المحمَّدية». وفي عام ١٩٤٧ اختاروني رئيساً للمجلس الإسلامي في
«أمونتاي» ومعي السيد أدهم خالد. وفي عامي ١٩٥٠، ١٩٥١ صرت إماماً للجيش في
«بنجرماسين» برتبة ملازم ثان. وقد نُشرت لي مقالات في مجلات إسلامية، منها
«منجوان أديل» في سولو، و
«منجوان رسالة جهاد» في جاكارتا، و
«منجوان أنتي كومونيس» في باندونج. وقد تعاونتُ مع الحركات المناهضة للمسيحية منذ ١٩٣٦ إلى ١٩٦٢ في
«موارا تيويه» في باريتو - وتعاطفت مع الجماعات الراغبة في تأسيس الحكم الإسلامي في إندونيسيا، والتي كانت بالطبع ستقف ضد المسيحيين.
وكان عندي كتاب مقدس منذ عام ١٩٣٦، ولكني لم أقرأه لأجد الحق، ولكن لأجد الشواهد التي تساعدني كمسلم (ذي ميول معادية للمسيحية) على مهاجمة الإيمان المسيحي بطريقة أكثر فعالية. وكنت مُقاوماً للمسيح حتى الأربعين من عمري، أرفض ألوهيته والإيمان به، وأسخر منه. ولكن محبة الله العظيمة طلبتني حتى وجدتني وجدَّدتني.
وفي عام ١٩٦٢ كنت أجهّز خطبة ألقيها في الجامع، عندما أخذت أتأمل بما ورد في سورة المائدة ٥: ٦٨ «قُلْ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ». وكنت قد سمعت هذه الآية مئات المرات من قبل، ولكن هذه المرة همس الله لروحي أن التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن لم يعد لهما اليوم وجود، ولكن القرآن يحتوي على ملخَّص لهما، أما الموجود منهما اليوم فهو محرَّف ومن كتابة البشر. غير أنني هذه المرة أدركت بروحي أن التوراة والإنجيل كما هما اليوم في الكتاب المقدس صحيحان ولقد قاوم عقلي هذا الصوت الداخلي، وقال: «لقد تحرَّفت التوراة والإنجيل الموجودان في الكتاب المقدس اليوم». وناقض عقلي ضميري وروحي، حتى صرتُ في شك: أيّهما على صواب!
ولأُريح ضميري أخذت مشكلتي إلى فرصة «صلاة التهجُّد» في منتصف الليل، وفيها طلبت من الله علامات واضحة على الحق، وأن يوضح لي الحق. دعوته: «اللهم، يا بارىء السماء والأرض، يا إله المسلمين والمسيحيين والبوذيين، يا خالق القمر والنجوم والوديان والجبال، يا رب العالمين، اكشف لقلبي الحق بخصوص ما ذكره القرآن عن التوراة والإنجيل. هل لخَّص القرآن التوراة والإنجيل اللذين لم يعد لهما اليوم وجود؟ ..إن كان هذا هو الصواب فأسترحمك أن تقوّي قلبي حتى لا أدرس الكتاب المقدس أبداً. أما إن كان الحق هو في التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن، فأعطني أن أجد الحق في هذا الكتاب المقدس، وأنر بصيرتي حتى أدرسه بأمانة».
ولم أطلب مساعدة أحد لأتَّخذ قراري. لم أستشر فقيهاً ولا ولياً ولا صديقاً. فقط طلبت من العلي القدير أن يختار لي، فيكون اختياري حسب مشيئته السماوية. ودعوت الله بحماس طالباً هُداه ليختار لي الحق الذي أتبعه وأعلنه كالدِّين الحق.
ويرجو كل متديّن أن تكون هناك حياة حقيقية بعد الموت. ولما كنت متديّناً فقد وضعت رجائي ويقيني بالله. كنت أعلم أن هناك مكانين اثنين، نمضي إلى أحدهما بعد الموت: الجحيم حيث العذاب الأبدي، أو النعيم لنكون مع الله في مجد دائم. ولم يكن من السهل أن أفكر في مستقبلي الأبدي باستخفاف. فلو اشتريت مثلاً عشرة جرامات من الذهب النقي، فلا بد أن أفحصها لئلا يكون الصائغ قد غشَّني، فيصيبني الحزن في المستقبل. فكم يجب أن أفكر وأفحص وأنا أبحث مستقبل روحي. نعم كان يجب أن أدرس وأفحص الحق في عبادتي لتكون بحسب مشيئة الله، مالك الحياة الأبدية ويوم الدين. ولو لم أفعل سأظل أندم حيث لا ينفع ندم. لقد كنت موقناً أن الله هو خالق الجحيم والنعيم، لذلك لم أستشر بشراً - لا واعظاً مسلماً ولا مسيحياً، فهم بشر لا يعرفون الحق بحسب إرادة الله. قصدت باب الله صاحب الحق، ورجوته واثقاً أن يلهمني الإرشاد الحق.
والمجد كله لله، فقد سمع دعائي، وهو الذي يعطي الحق لكل من يريد أن يعرفه، إن طلبه بكل قلبه.
وجدير بالذكر أن هناك آيات أخرى من القرآن (بالإضافة إلى المائدة ٥: ٦٨) تركت أثرها العميق على نفسي: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ» (السجدة ٣٢: ٢٣) - «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (المائدة ٥: ٤٦، ٤٧) - «إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَٱلَّذِينَ هَادُوا وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (المائدة ٥: ٦٩).
وهناك آيات قرآنية، أخرى تبرهن أن التوراة والإنجيل هما طريق الحق الصحيح بحسب إرادة الله. وقد شجعتني هذه الآيات أن أغوص أكثر في درس الكتاب المقدس، لأن الله همس في روحي أنه الحق.
وبعد طلبي هداية الله في صلاة نصف الليل أصبحت وقد شعرت بتغيير كامل في نفسي. ومنذ ذلك الوقت اعتبرت الكتاب المقدس رفيقي، لا عدواً لي. وتناولته وكلّي انتظار، وانتبهتُ لكل كلمة فيه لأني أردت أن أعرف الحق. وقلت «بسم الله الرحمان الرحيم» ثم فتحت الكتاب المقدس. ونويت أن أقرأ التثنية ١٨: ١٥ لأنه قد سبق لي أن استخدمت هذه الآية لمهاجمة ما يؤمن به المسيحيون، ولدعوة قادتهم للإيمان بمحمد كرسول تنبأت التوراة بمجيئه. ولكن ما أن أعدت قراءة هذه الآية حتى وجدت لها معنى جديداً يختلف تماماً عما عرفته منها من قبل، فأدركت أن الكتاب المقدس سيكون كتاباً مغلقاً صعب الفهم لكل من يرفض الإيمان بما جاء فيه - ولكنه يكون واضح المعنى لكل صاحب قلب مفتوح للحق، لأن الروح القدس يلهم أصحاب القلوب المفتوحة. تقول التثنية ١٨: ١٥ «يُقِيمُ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ». وقد فهمت هذه الآية كنبوة توراتية عن مجيء محمد، فمحمد نبي مثل موسى، لأن:
لقد كان واضحاً لي أن تثنية ١٨: ١٥ نبوة من موسى بمجيء محمد، وأنها لا تعني المسيح مطلقاً، كما أنها لا يمكن أن تعني أن المسيح
«ابن الله» كما يدَّعي المسيحيون. ولكني في هذا اليوم قرأت تثنية ١٨: ١٥ ببطء ورغبة في فهم معناها الصحيح. ولما قرأت
«نبياً مثلي» همس الروح القدس لنفسي:
«لو أنك جعلت الشَّبه بين موسى
ومحمد في أنهما وُلدا من أبوين، وأنهما تزوّجا وأنجبا نسلاً، ثم ماتا
ودُفنا، فإنهما في هذا يشبهان كل البشر. هذه إذاً حقيقة لا تبرهن النبوّة
لأيٍ من موسى أو محمد!».
وقد جعلني هذا الهمس السماوي أوقن أن نبوَّة موسى هذه تعني المسيح فقط كالنبي الموعود الآتي. وكان يجب أن أجد أوجه شبه فريدة وغير عادية بين موسى والمسيح. وقد وجدت عدة أوجه شبه بينهما، يختلفان فيها عن سائر البشر!
وقد دفعتني هذه البراهين للإيمان أن تثنية ١٨: ١٥ نبوَّة فريدة، ولا تعني محمداً، بل المسيح كلمة الله المتجسد.
ومع أن محبة الله العظيمة أنارتني لأعرف أن الكتاب المقدس هو كلمة الله بالحقيقة، إلا أنني لم أكن مستعداً لأصبح مسيحياً. لماذا؟ لأن الإيمان المسيحي يشتمل على أمور لا أقدر أن أقبلها، خصوصاً بنوَّة المسيح لله، فمنذ طفولتي تعلمت أن الله لم يلد ولم يولد (الإخلاص ١١٢: ٣). وكنت أرفض أن المسيح هو الله، فلا إله إلا الله. وكانت نفسي تكره التثليث «لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ» (المائدة ٥: ٧٣). وكان الصليب مرفوضاً عندي تماماً، فلو كان عيسى المسيح نبياً عظيماً، أو لو كان «ابن الله» كما يقول المسيحيون، فكيف يتعذب على صليب حتى يموت؟ لماذا لم يدافع الله عنه؟ لو أنني رأيت ولدي يتعذَّب على صليب، فإني كنت أسرع بتنجيته وأعاقب معذّبيه، مهما كانت النتائج! ثم، كيف يفقد الله سلطانه على اليهود؟ لقد كان هذا الموضوع مرفوضاً عندي تماماً!
ولكي أفهم هذه المواضيع توجهت للوعاظ المسيحيين، وسألتهم: لماذا يلقّبون المسيح بابن الله، وكيف يكون إلهاً، وما معنى التثليث؟ وبحثت كيف مات المسيح مصلوباً بيد اليهود، كما درستُ توريث الآباء الخطية لأبنائهم، الأمر الذي كنت أعتبره ظلماً واقعاً على الأولاد. ولقد جاوب الوعاظ المسيحيون أسئلتي بعناية، ولكني لم أقبل شروحاتهم رغم أنها كانت وافية بالغرض، وسبب ذلك كان اختلاف خلفياتنا. نعم، هناك اختلافات بين الأديان لم ندرسها دراسة كافية لنجد نقاط الاتفاق المشتركة. وكان يجب أن ندرس دياناتنا بعناية لنبني جسوراً فوق خلافاتنا. وكنت في تلك المرحلة أشبه جهاز الاستقبال، وكان الواعظ المسيحي يشبه جهاز إرسال، والجهازان في حالة جيدة، ولكن طول الموجات كان مختلفاً جداً، فلم يسمع المستقِبل صوت المرسِل. لقد دخل ما سمعتُه من الوعاظ إليَّ من أذن وخرج من الأذن الأخرى! لم يمسّ قلبي لأني لم أفهم طريقة تعبيرهم. ولم يقدر الواعظ أن يفهم خلفيَّتي الإسلامية، فلم تكن توضيحاته كما كنتُ أبغي. لم يكن في شرح الواعظ خطأ، لكن كانت هناك طرق تفكير وشرح أخرى حتى نفهم بعضنا. وبالرغم من ذلك ظللت أرجو أن أفهم، متأكداً أنه ما دام الله سيساعدني لأختار الحق فسيفتح لي الباب ويهديني لأفهم المشاكل التي صارت لي عقبات.
كانت صلاتي المستمرة: «يا رب اكشف لي حقك بخصوص أن المسيح «ابن الله» وأنه «الله». وضّح لي التثليث وسر الصليب. لقد وهبتني البصيرة فعرفتُ أن الكتاب المقدس هو كتابك، فلا بدّ من أنك ستوضح العقبات بواسطة الكتاب المقدس الذي هو كلمتك الصادقة التي لا تتغيّر أبداً من البدء وحتى اليوم وإلى يوم يُبعثون» .
وكم ساعدني الله بروحه القدوس الذي عمل في قلبي. وسأشرح كيف أعانني الله لأتغلَّب على العقبات.
وكان عندي كتاب مقدس منذ عام ١٩٣٦، ولكني لم أقرأه لأجد الحق، ولكن لأجد الشواهد التي تساعدني كمسلم (ذي ميول معادية للمسيحية) على مهاجمة الإيمان المسيحي بطريقة أكثر فعالية. وكنت مُقاوماً للمسيح حتى الأربعين من عمري، أرفض ألوهيته والإيمان به، وأسخر منه. ولكن محبة الله العظيمة طلبتني حتى وجدتني وجدَّدتني.
وفي عام ١٩٦٢ كنت أجهّز خطبة ألقيها في الجامع، عندما أخذت أتأمل بما ورد في سورة المائدة ٥: ٦٨ «قُلْ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ». وكنت قد سمعت هذه الآية مئات المرات من قبل، ولكن هذه المرة همس الله لروحي أن التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن لم يعد لهما اليوم وجود، ولكن القرآن يحتوي على ملخَّص لهما، أما الموجود منهما اليوم فهو محرَّف ومن كتابة البشر. غير أنني هذه المرة أدركت بروحي أن التوراة والإنجيل كما هما اليوم في الكتاب المقدس صحيحان ولقد قاوم عقلي هذا الصوت الداخلي، وقال: «لقد تحرَّفت التوراة والإنجيل الموجودان في الكتاب المقدس اليوم». وناقض عقلي ضميري وروحي، حتى صرتُ في شك: أيّهما على صواب!
ولأُريح ضميري أخذت مشكلتي إلى فرصة «صلاة التهجُّد» في منتصف الليل، وفيها طلبت من الله علامات واضحة على الحق، وأن يوضح لي الحق. دعوته: «اللهم، يا بارىء السماء والأرض، يا إله المسلمين والمسيحيين والبوذيين، يا خالق القمر والنجوم والوديان والجبال، يا رب العالمين، اكشف لقلبي الحق بخصوص ما ذكره القرآن عن التوراة والإنجيل. هل لخَّص القرآن التوراة والإنجيل اللذين لم يعد لهما اليوم وجود؟ ..إن كان هذا هو الصواب فأسترحمك أن تقوّي قلبي حتى لا أدرس الكتاب المقدس أبداً. أما إن كان الحق هو في التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن، فأعطني أن أجد الحق في هذا الكتاب المقدس، وأنر بصيرتي حتى أدرسه بأمانة».
ولم أطلب مساعدة أحد لأتَّخذ قراري. لم أستشر فقيهاً ولا ولياً ولا صديقاً. فقط طلبت من العلي القدير أن يختار لي، فيكون اختياري حسب مشيئته السماوية. ودعوت الله بحماس طالباً هُداه ليختار لي الحق الذي أتبعه وأعلنه كالدِّين الحق.
ويرجو كل متديّن أن تكون هناك حياة حقيقية بعد الموت. ولما كنت متديّناً فقد وضعت رجائي ويقيني بالله. كنت أعلم أن هناك مكانين اثنين، نمضي إلى أحدهما بعد الموت: الجحيم حيث العذاب الأبدي، أو النعيم لنكون مع الله في مجد دائم. ولم يكن من السهل أن أفكر في مستقبلي الأبدي باستخفاف. فلو اشتريت مثلاً عشرة جرامات من الذهب النقي، فلا بد أن أفحصها لئلا يكون الصائغ قد غشَّني، فيصيبني الحزن في المستقبل. فكم يجب أن أفكر وأفحص وأنا أبحث مستقبل روحي. نعم كان يجب أن أدرس وأفحص الحق في عبادتي لتكون بحسب مشيئة الله، مالك الحياة الأبدية ويوم الدين. ولو لم أفعل سأظل أندم حيث لا ينفع ندم. لقد كنت موقناً أن الله هو خالق الجحيم والنعيم، لذلك لم أستشر بشراً - لا واعظاً مسلماً ولا مسيحياً، فهم بشر لا يعرفون الحق بحسب إرادة الله. قصدت باب الله صاحب الحق، ورجوته واثقاً أن يلهمني الإرشاد الحق.
والمجد كله لله، فقد سمع دعائي، وهو الذي يعطي الحق لكل من يريد أن يعرفه، إن طلبه بكل قلبه.
وجدير بالذكر أن هناك آيات أخرى من القرآن (بالإضافة إلى المائدة ٥: ٦٨) تركت أثرها العميق على نفسي: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ» (السجدة ٣٢: ٢٣) - «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (المائدة ٥: ٤٦، ٤٧) - «إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَٱلَّذِينَ هَادُوا وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (المائدة ٥: ٦٩).
وهناك آيات قرآنية، أخرى تبرهن أن التوراة والإنجيل هما طريق الحق الصحيح بحسب إرادة الله. وقد شجعتني هذه الآيات أن أغوص أكثر في درس الكتاب المقدس، لأن الله همس في روحي أنه الحق.
وبعد طلبي هداية الله في صلاة نصف الليل أصبحت وقد شعرت بتغيير كامل في نفسي. ومنذ ذلك الوقت اعتبرت الكتاب المقدس رفيقي، لا عدواً لي. وتناولته وكلّي انتظار، وانتبهتُ لكل كلمة فيه لأني أردت أن أعرف الحق. وقلت «بسم الله الرحمان الرحيم» ثم فتحت الكتاب المقدس. ونويت أن أقرأ التثنية ١٨: ١٥ لأنه قد سبق لي أن استخدمت هذه الآية لمهاجمة ما يؤمن به المسيحيون، ولدعوة قادتهم للإيمان بمحمد كرسول تنبأت التوراة بمجيئه. ولكن ما أن أعدت قراءة هذه الآية حتى وجدت لها معنى جديداً يختلف تماماً عما عرفته منها من قبل، فأدركت أن الكتاب المقدس سيكون كتاباً مغلقاً صعب الفهم لكل من يرفض الإيمان بما جاء فيه - ولكنه يكون واضح المعنى لكل صاحب قلب مفتوح للحق، لأن الروح القدس يلهم أصحاب القلوب المفتوحة. تقول التثنية ١٨: ١٥ «يُقِيمُ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ». وقد فهمت هذه الآية كنبوة توراتية عن مجيء محمد، فمحمد نبي مثل موسى، لأن:
- موسى وُلد من أب وأم، وكذلك محمد - بخلاف المسيح الذي وُلد من أم بغير أب.
- لما كبر موسى تزوج، وكذلك محمد - بخلاف المسيح الذي لم يتزوج.
- كان لموسى نسل، وكذلك محمد - وهذا بخلاف المسيح.
- مات موسى في عمر كبير ودُفن، وكذلك محمد - أما المسيح فقد رُفع إلى السماء.
وقد جعلني هذا الهمس السماوي أوقن أن نبوَّة موسى هذه تعني المسيح فقط كالنبي الموعود الآتي. وكان يجب أن أجد أوجه شبه فريدة وغير عادية بين موسى والمسيح. وقد وجدت عدة أوجه شبه بينهما، يختلفان فيها عن سائر البشر!
- عند ولادة موسى هدد فرعون بقتله - وعند ولادة المسيح هدّد هيرودس بقتله. وليس كل الناس يتهددون بالموت عند ميلادهم.
- أثناء الطفولة قدمت ابنة فرعون الحماية لموسى. أما المسيح فقد حماه خطيب أمه «يوسف». ولا ينال كل الناس حماية عند طفولتهم من أشخاص يعيّنهم الله للقيام بذلك عندما يقع عليهم التهديد.
- عاش موسى طفولته في مصر، بعيداً عن وطنه. وقد حدث الشىء نفسه مع المسيح، فقد ترك وطنه إلى مصر. ولا يهرب كل الأطفال إلى مصر في طفولتهم.
- لما خدم موسى الله منحه قوة إتيان المعجزات، وهكذا المسيح كلمة الله الحي الذي نال قوة الله ليجري المعجزات، فشفى المرضى وأقام الموتى من قبورهم.
- حرَّر موسى بني إسرائيل من عبودية المصريين، وحرَّر المسيح من يتبعونه من أغلال الشر والموت.
ومع أن محبة الله العظيمة أنارتني لأعرف أن الكتاب المقدس هو كلمة الله بالحقيقة، إلا أنني لم أكن مستعداً لأصبح مسيحياً. لماذا؟ لأن الإيمان المسيحي يشتمل على أمور لا أقدر أن أقبلها، خصوصاً بنوَّة المسيح لله، فمنذ طفولتي تعلمت أن الله لم يلد ولم يولد (الإخلاص ١١٢: ٣). وكنت أرفض أن المسيح هو الله، فلا إله إلا الله. وكانت نفسي تكره التثليث «لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ» (المائدة ٥: ٧٣). وكان الصليب مرفوضاً عندي تماماً، فلو كان عيسى المسيح نبياً عظيماً، أو لو كان «ابن الله» كما يقول المسيحيون، فكيف يتعذب على صليب حتى يموت؟ لماذا لم يدافع الله عنه؟ لو أنني رأيت ولدي يتعذَّب على صليب، فإني كنت أسرع بتنجيته وأعاقب معذّبيه، مهما كانت النتائج! ثم، كيف يفقد الله سلطانه على اليهود؟ لقد كان هذا الموضوع مرفوضاً عندي تماماً!
ولكي أفهم هذه المواضيع توجهت للوعاظ المسيحيين، وسألتهم: لماذا يلقّبون المسيح بابن الله، وكيف يكون إلهاً، وما معنى التثليث؟ وبحثت كيف مات المسيح مصلوباً بيد اليهود، كما درستُ توريث الآباء الخطية لأبنائهم، الأمر الذي كنت أعتبره ظلماً واقعاً على الأولاد. ولقد جاوب الوعاظ المسيحيون أسئلتي بعناية، ولكني لم أقبل شروحاتهم رغم أنها كانت وافية بالغرض، وسبب ذلك كان اختلاف خلفياتنا. نعم، هناك اختلافات بين الأديان لم ندرسها دراسة كافية لنجد نقاط الاتفاق المشتركة. وكان يجب أن ندرس دياناتنا بعناية لنبني جسوراً فوق خلافاتنا. وكنت في تلك المرحلة أشبه جهاز الاستقبال، وكان الواعظ المسيحي يشبه جهاز إرسال، والجهازان في حالة جيدة، ولكن طول الموجات كان مختلفاً جداً، فلم يسمع المستقِبل صوت المرسِل. لقد دخل ما سمعتُه من الوعاظ إليَّ من أذن وخرج من الأذن الأخرى! لم يمسّ قلبي لأني لم أفهم طريقة تعبيرهم. ولم يقدر الواعظ أن يفهم خلفيَّتي الإسلامية، فلم تكن توضيحاته كما كنتُ أبغي. لم يكن في شرح الواعظ خطأ، لكن كانت هناك طرق تفكير وشرح أخرى حتى نفهم بعضنا. وبالرغم من ذلك ظللت أرجو أن أفهم، متأكداً أنه ما دام الله سيساعدني لأختار الحق فسيفتح لي الباب ويهديني لأفهم المشاكل التي صارت لي عقبات.
كانت صلاتي المستمرة: «يا رب اكشف لي حقك بخصوص أن المسيح «ابن الله» وأنه «الله». وضّح لي التثليث وسر الصليب. لقد وهبتني البصيرة فعرفتُ أن الكتاب المقدس هو كتابك، فلا بدّ من أنك ستوضح العقبات بواسطة الكتاب المقدس الذي هو كلمتك الصادقة التي لا تتغيّر أبداً من البدء وحتى اليوم وإلى يوم يُبعثون» .
وكم ساعدني الله بروحه القدوس الذي عمل في قلبي. وسأشرح كيف أعانني الله لأتغلَّب على العقبات.
يقول الإنجيل:
«فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ
ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ
ٱللّٰهَ. وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا
مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً
وَحَقّاً» (يوحنا ١: ١، ١٤). وهاتان الآيتان أوضحتا لي معنى
«ابن الله». لقد صار
«كلمة الله» إنساناً في ميلاد يسوع المسيح، وعلى هذا فالمسيح يُدعى
«... كَلِمَةِ ٱلْحَيَاةِ» (١يوحنا ١: ١). وواضح أن المسيح لم يُدع
«ولد الله» لأن الله لم يلد المسيح بطريقة جسمانية بيولوجية (كما يظن البعض خطأً) ولكنه
«ابن الله» لأنه كلمة الله الذي ظهر من الروح القدس في ابن مريم. يقول القرآن إن المسيح
«روح الله وكلمته» -
«إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ» (النساء ٤: ١٧١). ويقول الدكتور حسب الله بكري في كتابه
«عيسى النبي في القرآن» (ص ١٠٩):
«يُدعى النبي عيسى
«كلمة الله» لأنه تجسُّد كلمة الله الملقاة إلى مريم لتحبل بالنبي عيسى»
.
وقد دفعني هذا إلى ترك التردُّد في إطلاق لقب «ابن الله» على المسيح لأنه الكلمة الحي من الله القدير، متجسِّداً. ولقد رفضتُ من قبل لقب «ابن» للمسيح لأني فهمتها كميلاد جسدي، و «الله أحد.. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد» (سورة الإخلاص). ويقتبس كثيرون من علماء المسلمين (وكنت مثلهم) هذه الآيات ليقولوا إن المسيح ليس ابن الله. غير أن المسيحي يقبل سورة الإخلاص، لأن المسيحية لم تقل أبداً إن المسيح «وَلَدُ» الله بالتناسل البشري - لكنه «ابن الله» بنوية روحية.
ولذلك أقول إنه لا توجد آية قرآنية واحدة ترفض تعليم الكتاب المقدس أن المسيح يُدعى «ابن الله» بالمعنى الروحي للَّقب. و القرآن ينفي ما لم تعلّم به المسيحية، من أن المسيح «ولدُ الله» بمعنى تناسلي جسدي.
وقد دفعني هذا إلى ترك التردُّد في إطلاق لقب «ابن الله» على المسيح لأنه الكلمة الحي من الله القدير، متجسِّداً. ولقد رفضتُ من قبل لقب «ابن» للمسيح لأني فهمتها كميلاد جسدي، و «الله أحد.. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد» (سورة الإخلاص). ويقتبس كثيرون من علماء المسلمين (وكنت مثلهم) هذه الآيات ليقولوا إن المسيح ليس ابن الله. غير أن المسيحي يقبل سورة الإخلاص، لأن المسيحية لم تقل أبداً إن المسيح «وَلَدُ» الله بالتناسل البشري - لكنه «ابن الله» بنوية روحية.
ولذلك أقول إنه لا توجد آية قرآنية واحدة ترفض تعليم الكتاب المقدس أن المسيح يُدعى «ابن الله» بالمعنى الروحي للَّقب. و القرآن ينفي ما لم تعلّم به المسيحية، من أن المسيح «ولدُ الله» بمعنى تناسلي جسدي.
ليست هناك تعليقات: