هل صُلب المسيح حقاً

إن عقيدة الفداء، أي موت المسيح على الصليب من أجل خلاص الجنس البشري، هي عقيدة جوهرية في صُلب الديانة المسيحيّة. فمبدأ الخلاص قائم في أصله على هذا العمل الفدائي، وهو عمل لم يخطط له البشر، أو يرسم معالمه الناس، إنما هو من صنع الله، وليس للإنسان أي فضل في ذلك.
ولكن موت المسيح على الصليب وبالتالي قيامته في اليوم الثالث من بين الأموات، قضيّة اختلف عليها المسلمون والمسيحيّون منذ نشأة الإسلام، في مطلع القرن السابع الميلادي حتى عصرنا الحاضر. فالمسلمون ينكرون إنكاراً قاطعاً أن المسيح قد صُلب أو حتى مات موتاً طبيعياً (مع العلم أن لفيفاً من العلماء المسلمين يميلون إلى القول إن المسيح قد مات موتاً طبيعيّاً ثم رفعه الله إلى السماء). بينما يصرّ المسيحيّون عن قناعة لا شك فيها أن المسيح قد مات مصلوباً من أجل فداء الإنسان الخاطئ.
إن المسلمين يستهدفون من إنكارهم صلب المسيح إنكار مبدأ الفداء بل حاجة الإنسان إلى مخلّص. بينما يرى المسيحيّون أنه لا خلاص من غير سفك دم، أي من غير عمل الكفّارة الذي اتخذ شكله النهائي والأبدي على الصليب في شخص المسيح. فالكتاب المقدس في إشارته إلى صلب المسيح يقول:
«بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ» (الرسالة إلى العبرانيين ٩: ٢٢).
وهو أمر يستنكره المسلمون أشدّ الاستنكار اعتقاداً منهم أنّ التوبة والأعمال الصالحة كافية لخلاص الإنسان من خطاياه، وأنّ الغفران يرتبط ارتباطاً وثيقاً برحمة الله وإرادته ولا علاقة له بعمل المسيح الفدائي على الصليب.  كذلك لا يؤمن المسلمون بضرورة وجود وسيط بين الله والناس لأن الإنسان، كما يدّعون يولد بريئاً وأنّ ما يرتكبه من آثام هي أخطاء متولدة عن ضعف الطبيعة البشرية ونقصانها وليس بفعل الطبيعة الساقطة التي ورثها عن آدم. وأودُّ هنا أن أُحيل القارئ إلى كتيّب قيّم بعنوان: «طبيعة الإنسان الساقطة في الإسلام والمسيحية»  عمد فيه المؤلف إلى تفنيد هذه الادعاءات تفنيداً جازماً مستعيناً بالمصادر الإسلامية والمسيحيّة على السّواء.
ولن أحاول هنا أن أعرض بالتفصيل المطول إلى الأسباب القاطعة التي ولّدت قناعة لا يشوبها الشك في إيمان المسيحيين بموت المسيح على الصليب وقيامته في اليوم الثالث، إنما سأُلمح إليها بشيء من الإجمال لأن دراسة مسهبة لمثل هذه الأسباب تقتضي كتاباً وليس كتيّباً.

(أ) أسباب منطقية

يعتمد المسلمون في نفيهم الجازم لموت المسيح على آية واحدة واردة في سورة النساء ٤: ١٥٧
«وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً».
وفي آية ١٥٨ يتابع:
«بَل رَفَعَهُ ٱللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللهُ عَزِيزاً حَكِيماً».
وبناءً على هذه الآية اليتيمة التي تنكر موت المسيح - علماً أن هذه الآية بالذات قابلة لتأويلات مختلفة، يجزم المسلمون أن عملية الصلب لم تحدث، وأن قصة موت المسيح وقيامته هي من اختراع المسيحيين الأوائل.
وهنا لا بد لي أن أتوقف أمام الملاحظات المنطقية التالية:
أولاً: لو كنت أيها القارئ قاضياً وعرضت عليك قضية مماثلة لقضية موت المسيح على الصليب مدعومة بالوثائق التاريخية التي تكتظُّ بنصوص المحاكمة والحوار الذي جرى ما بين المسيح وبيلاطس الحاكم الروماني، وكذلك نصوص الحوار الذي دار بين المسيح ورؤساء اليهود في مجلس السَّنهدريم؛ ثم عرضت عليك أقوال شهود العيان، وأسماؤهم، مع أسماء الذين حضروا المحاكمة، وتفاصيل الأحداث التي وقعت قبل عملية الصلب، وفي أثنائها والوقائع التي أعقبتها، وكلها مؤيدة بالشواهد التي لا تدع مجالاً للشك، ثم جاء شخص ما، بعد ما يزيد عن ستة قرون ممن لم يشهدوا حادثة الصلب، وبعبارة واحدة لا تسندها أية وثيقة تاريخية أو أثرية وادّعى أن موت المسيح على الصليب لم يحدث، وأن ما نقرأه في الأناجيل عن هذه القصّة من أوهام مسيحيي القرن الأول، فهل تقبل كقاض عادل هذا اللغو؟
يشير Werner Keller في كتابه «The Bible As History» إلى «أن تفاصيل المحاكمة وصدور الحكم والصلب (الواردة) في الأناجيل الأربعة قد تفحَّصها عدد من الباحثين بدقة علمية فتم التأكد من مصداقية وقائعها تاريخياً بكل حذافيرها. كما أن شهود الاتهام الرئيسيين ضد يسوع قد تعرضوا للتحقيق بصورة غير مباشرة. كذلك فإن المكان الذي صدر منه الحكم قد كشفت عنه الحفريات الأثرية. إن الأحداث المختلفة في سياق المحاكمة يمكن التحقُّق منها من المصادر والبحوث الحديثة»
قد يقول البعض إن الآية أعلاه هي وحي إلهي ولم تصدر عن محمد بالذات، ومن حيث أن مصدرها هو الله فلا يمكن أن يعتريها خلل أو باطل. إن صحّ هذا الكلام فعلى صاحب القول أن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها وحي من الله، لأننا نجد أنفسنا هنا أمام حقيقتين صارختين، إحداهما أن بين أيدينا كتابين: القرآن والإنجيل. وكلاهما كما يقول أصحابهما من وحي الله. ولكن أحدهما يناقض الآخر في أهم العقائد الأساسية: فلا بد والحالة هذه أن يكون مصدر أحدهما مخالفاً لمصدر الآخر، أي ليس الله. ولاجدوى من القول بنظرية التحريف والتبديل التي يدعي المسلمون أنها قد أصابت الكتاب المقدس، لأن الدراسات الموضوعية - لا التي تقوم على التكهن والتخيل - التي أجراها العلماء المحدثون قد شهدت على صحة النص الإنجيلي.
والحقيقة الثانية أن النص الإنجيلي تثبته الوثائق التاريخية والحفريات، بينما لا نجد دليلاً تاريخياً أو أثرياً يؤيد النص القرآني ولا سيما بما يختص بصلب المسيح. وهكذا عندما يكون النص الكتابي مثبتاً بالشواهد التاريخية والأثرية تكون الحقيقة في صالحه وليس في صالح ما يفتقر إلى هذه الشواهد. وكذلك فإن المسيحي يؤمن بأن كتابه موحى به من الله. لهذا فكل نص فيه هو إلهي، ولا سيما إن اقترن بحصيلة كبيرة من النبوءات السابقة التي تحققت بحرفيتها في شخص المسيح. وأمام مثل هذا الحشد من الأدلة يضحى على المعترض مسؤولية تفنيد هذه الوثائق بما هو أصح منها وأثبت، إن وجد لذلك سبيلاً.
ثانياً: لو كان موت المسيح أسطورة من أساطير الأولين، فلماذا ضحَّى جميع حواريّي المسيح تقريباً، الذين شهد لهم القرآن بالصلاح والأمانة والتقوى، بحياتهم من أجل أسطورة؟ قد يضحّي الإنسان بحياته من أجل غرض نبيل أو اقتناعاً منه بصدق ما يؤمن به، أما أن يضحي بحياته من أجل أكذوبة أو أسطورة فهذا يتعذر حدوثه، ولا سيما إن صدر عن قوم صالحين كمثل حواريي المسيح.
ثالثاً: كرز الحواريون، منذ موت المسيح وقيامته وحتى آخر لحظة من حياتهم، بإنجيل الخلاص. وكانت كرازتهم، ولا سيما في السنوات الأولى من خدمتهم، بين الأوساط اليهودية التي شهدت مأساة صلب المسيح، وعرفت بقيامته، ولم يجرؤ واحد من اليهود أو حتى من رؤساء الكهنة والفريسيين الذين تآمروا على المسيح أن ينكر على الحواريين حديثهم أو يتّهمهم بالكذب. فالحواريُّ بطرس يقف في أورشليم ولم يكن قد مضى على صعود المسيح إلى السماء إلا عشرة أيام، وعلى بُعد أمتار قليلة من مكان صَلْب المسيح، ويجابه اليهود بقوة وإصرار قائلاً لهم:
«وَلٰكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ ٱلْقُدُّوسَ ٱلْبَارَّ... وَرَئِيسُ ٱلْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذٰلِكَ» (أعمال الرسل ٣: ١٤ و١٥).
وفي مكان آخر يقول الحواري بطرس في يوم الخمسين مخاطباً اليهود:
«هٰذَا (أي المسيح) أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال الرسل ٢: ٢٣).
والحقيقة أن العهد الجديد مفعم بكثير من الشهادات المشابهة التي تؤكد على موت المسيح مصلوباً، وأن اليهود المعاصرين للحواريين هم الذين قتلوه. فلو كانت هذه الاتهامات باطلة لأنكرها اليهود إنكاراً كلياً، ولما ضحّى الحواريون بأنفسهم في سبيل أسطورة أو أكذوبة. 
رابعاً: ثم هناك أدلة منطقية أخرى لا يسع المرء أن يتجاهلها. ولعل أبرزها تلك الدراما الإنسانية التي كان مسرحها بلاط السنهدريم وبيلاطس وهيرودس، ثم تلك التلة الرهيبة المعروفة في التاريخ بتلة الجلجثة. وقد تناول الباحث البريطاني فرانك موريسون في كتابه: «من دحرج الحجر؟» قصة صلب المسيح وقيامته بعقلية القانوني المتضلع الذي استهدف أن يدحض مزاعم المسيحية، ولكن دراسته أسفرت عن نتائج لم يكن موريسون نفسه يتوقعها. فبدلاً من أن يكون الكتاب تفنيداً لأسطورة الصلب كما كان يعتقد، جاء البحث ليكون وثيقة إثبات صارخة في وجه الرافضين الساخرين.
وعلينا أن نشير هنا إلى أن الوثائق المتوافرة لدينا تنبر أن محاكمة المسيح استغرقت ليلة بكاملها وشطراً من النهار التالي. وكانت تلك في محضر رؤساء اليهود، ومجلس السنهدريم وهو أعلى سلطة دينية في زمن المسيح. لهذا فإن الاعتقاد الشائع بين المسلمين أن المصلوب لم يكن المسيح بالذات بل شخصاً آخر لعلِٰه يهوذا الإسخريوطي، اعتقاد خاطئ من أساسه لم تثبته الوقائع ولا يتفق مع طبيعة الأحداث. ألم يكن في وسع المصلوب البديل في أثناء محاكمته أن يحتج ولو احتجاج الضعيف نافياً أنه المسيح؟ إن الوثائق التي بين أيدينا لم تسجل لنا احتجاجاً واحداً أو شبه احتجاج صدر عن هذا الشبيه! ولا أعتقد أن يهوذا الإسخريوطي - إن كان حقاً هو المصلوب كما يدَّعي المسلمون - يهمل مثل هذه الفرصة الذهبية لإنقاذ نفسه من هذه الميتة الشنيعة.
وكذلك يسجل لنا الإنجيل موقفاً إنسانياً لا يمكن أن يصدر عن شخص غير المسيح بالذات. ففي الساعات الأخيرة من حياته، وهو ما برح معلقاً على الصليب، نراه بكل محبة يصفح عن قاتليه وأعدائه. وهذا فعل لا يمكن أن يأتيه شخص مثل يهوذا الإسخريوطي الخائن الذي سلم سيده إلى أيدي خصومه الألدّاء.
وبالإضافة إلى ذلك، علينا أن لا ننسى دور مريم أم المسيح التي ظلت إلى جوار الصليب مع نساء أخريات ورد ذكرهن في الإنجيل، وكذلك شاهد العيان الحواريّ يوحنا الحبيب. هؤلاء شهدوا أحداث الصلب وخاطبهم المسيح في غمرة آلامه الهائلة قائلاً لأمه: «يا امرأة، هوذا ابنك، ثم قال ليوحنا: هوذا أمك». ألم يكن في وسع مريم أم المسيح أن تميز صوت ابنها من صوت الشبيه؟
ثم هناك قضية هامة مرَّ بها المفسرون المسلمون مرور الكرام، وهي قضية جسد المسيح. لقد زعم المسلمون أن الشبه قد وقع على وجه المسيح ولم يقع على جسده إذ «الوجه وجه عيسى أما جسده فليس بجسده».وقد جاء هذا القول في معرض تأويل الآية ١٥٧ من سورة النساء ولا سيما عبارة:
«وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً».
فإن صح هذا القول، على رغم ما في هذا التأويل من ضعف يستنكره العقل، كيف أخفقت مريم أم المسيح في اكتشاف الفارق بين جسد ابنها وجسد الشبيه؟
ومن ناحية أخرى يتوافر لدينا دليل ماديّ يتعذر على أي باحث موضوعي تجاهله. فقد ورد في قصة صلب المسيح أن يوسف الرامي ونيقوديموس عضوي السنهدريم اللذين كانا قد آمنا سراً بالمسيح، قد استحصلا على إذن رسمي من الحاكم الروماني بيلاطس البنطي بدفن المسيح في قبر كان قد أعده يوسف الرامي لنفسه. واستطاعا معاً - وربما بمساعدة خدمهما - أن يقوما بجميع مراسيم الدفن كما نصت عليها الشريعة اليهودية، فلو كان المصلوب هو الشبيه، وليس المسيح، كيف لم يستطيعا أن يميّزا بين جسد المسيح وبين جسد الشبيه وهما اللذان قاما بغسله وتطييبه وتكفينه؟ أكان هذا الشبيه مماثلاً للمسيح في طوله، وحجمه ولون بشرته، وما قد يتميز به من خصائص جسدية شخصية؟ والحقيقة إن ما أقدم عليه يوسف الرامي كان إتماماً لنبوءة إشعياء النبي عن المسيح: «وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ» (إشعياء ٥٣: ٩).
وأخيراً إن إيراد ذكر المواقف المخجلة التي ارتكبها حواريو المسيح وما اعتراهم من خوف وجُبن وهربهم أمام أعدائه وتخليهم عنه، وقضية إنكار بطرس لسيده ثلاث مرات لأكبر دليل على صحة قصة الصلب، إذ كيف يمكن للحواريين متى ويوحنا أن يدوّنا هذه التفاصيل المزرية لو لم يكن ذلك بوحي إلهي أمين؟ وهو وحي لا يحابي ولا يتحيّز لأحد. وكيف يمكن لبطرس وسواه من الحواريين أن يقبلوا ما قيل عنهم بالأناجيل لو لم يكن ذلك حقاً وصدقاً؟ إن من طبيعة كُتَّاب السِّير الذاتية أن يستروا معائبهم ويغالوا في إظهار مناقبهم. وهذا لا نراه إطلاقاً في قضية الصلب.
وفي تعليقه على سورة آل عمران ٣: ٥٥ والتي تقول: «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ» أجمل الفخر الرازي الإشكالات الناجمة عن نظرية الشبيه في ست نقاط. وهي في الواقع إشكالات بالغة الأهمية تقوم على أساس سليم من المنطق. وعندما حاول أن يرد عليها لم يجد جواباً مفحماً يمكن اللجوء إليه في دحضها سوى عرض بعض الآراء التي لا تسعف على شيء.
ولكي ندرك أهمية هذه الإشكالات التي تولّد في نفس القارئ إحساساً عميقاً بأن الرازي نفسه كان مقتنعاً بها أو يكاد، فإننا سنقتبسها بدقة وأمانة كما أشار إليها المؤلف نفسه، وهي:
الإشكال الأول: إنا لو جوَّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة، فإني إذا رأيت ولدي ثم رأيته ثانية فحينئذ أجوّز أن يكون هذا الذي رأيته ثانياً ليس بولدي بل هو إنسان أُلقي شبَهه عليه، وحينئذ يرتفع الأمان على المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمداً يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوا أنه محمد، لاحتمال أنه أُلقي شبهه على غيره، وذلك يُفضي إلى سقوط الشرائع. وأيضاً فمدار الأمر في الأخبار المتواترة على أن يكون المخبر الأول إنما أخبر عن المحسوس، فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولى. وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.
الإشكال الثاني: وهو أن الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام بأن يكون معه (مع المسيح) في أكثر الأحوال، هكذا قاله المفسرون في تفسير قوله (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ). ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم من البشر، فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً أنه عليه السلام لما كان قادراً على إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه بالسوء وعلى إسقامهم وإلقاء الزمانة (العاهة) والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين عن التعرض له؟
الإشكال الثالث: إنه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء، فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره، وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟
الإشكال الرابع: أنه إذا ألقى شبهه على غيره ثم إنه رُفع بعد ذلك إلى السماء، فالقوم اعتقدوا فيه أنه عيسى مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاءً لهم في الجهل والتلبيس. وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى.
الإشكال الخامس: أن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح عليه السلام، وغلوّهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً ومصلوباً، فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد، ونبوة عيسى، بل في وجودهما، ووجود سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكل ذلك باطل.
الإشكال السادس: أنه بالتواتر أن المصلوب بقي حياً زماناً طويلاً، فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره لأظهر الجزع، ولقال: إني لست بعيسى بل إنما أنا غيره، ولبالغ في تعريف هذا المعنى، ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى، فلما لم يوجد شيء من هذا علمنا أن ليس الأمر على ما ذكرتم. فهذا جملة ما في الموضع من السؤالات.
أما ردود الرازي على هذه الإشكالات أو الاعتراضات فقد وردت مبتورة تفتقر إلى الحجة والبرهان. ولكي نحافظ على موضوعية البحث رأينا أن نقتبس هذه الردود بحرفيتها لتكون في متناول القارئ وحكمه. قال الرازي:
الجواب عن الأول: أن كل من أثبت القادر المختار، سلَّم أنه تعالى قادر على أن يخلق إنساناً آخر على صورة زيد مثلاً، ثم إن هذا التصوير لا يوجب الشك المذكور، فكذا القول فيما ذكرتم.
والجواب عن الثاني: أن جبريل عليه السلام لو دفع الأعداء عنه أو أقدر الله تعالى عيسى عليه السلام على دفع الأعداء عن نفسه لبلغت معجزته إلى حد الإلجاء (أي اضطرار الله إلى إجراء تلك المعجزة)، وذلك غير جائز.
والجواب عن الثالث: فإنه تعالى لو رفعه إلى السماء وما ألقى شبهه على الغير لبلغت تلك المعجزة إلى حد الإلجاء (أي اضطرار الله إلى إجراء تلك المعجزة).
والجواب عن الرابع: أن تلامذة عيسى كانوا حاضرين، وكانوا عالمين بكيفية الواقعة، وهم كانوا يزيلون ذلك التلبيس.
والجواب عن الخامس: أن الحاضرين في ذلك الوقت كانوا قليلين ودخول الشبهة على الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلى الجمع القليل لم يكن مفيداً للعلم.
والجواب عن السادس: إن بتقدير أن يكون الذي ألقي شبه عيسى عليه السلام عليه كان مسلماً وقبل ذلك عن عيسى، جائز أن يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة. وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه. ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد في كل ما أخبر عنه، امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنص القاطع، والله وليّ الهداية.
كانت هذه هي ردود الشيخ العلامة فخر الدين الرَّازي على قضية هي من أخطر القضايا العقائدية في الحوار بين المسيحية والإسلام. وهي ردود، كما ترى تتسم بالسذاجة، وكأنما أدرك صاحبها مسبقاً تعذر معارضتها أو دحضها فلجأ إلى هذا الأسلوب الملتوي تخلصاً من مجابهة الحقيقة، ولا سيما في عبارته الأخيرة التي كانت سبيله الوحيد للتهرب من الواقع الصارخ، وهي قوله: «ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد في كل ما أخبر عنه...»
وهنا لا يسعنا إلا أن نبحث في ردود الرازي الواهية إيضاحاً للحقيقة، فنقول:
جواباً عن الرد الأول: أجل، إن الله قادر أن يخلق من الشبه أربعين، كما يقول المثل العامي، ولكن في حالة المسيح هذه لم تكن هناك حاجة لذلك. فالمسيح لم يكن متهرباً من الصلب بل قد جاء في الدرجة الأولى، لفداء الإنسان، وهي مهمة اختارها لنفسه بفعل إرادته الشخصية. فلو تهرّب المسيح من الصّلب حقاً يكون قد تهرّب من المسؤولية التي أخذها على عاتقه، إما جبناً أو لامبالاة. وهذا ليس من شأن أنبياء الله، بل ليس من شأن يسوع المسيح الذي هو كلمة الله. فإذاً لم تكن هناك حاجة لمعجزة الشبه على الإطلاق.
وجواباً عن الرد الثاني: لم يكن المسيح في حاجة إلى الملاك جبرائيل لينقذه من أيدي أعدائه، لأن المسيح كان قادراً على إنقاذ نفسه من غير معونة أحد. إن معجزاته التي أجراها قبل موته وقيامته كانت تفوق بقوتها عملية الإنقاذ، فيما لو حدثت حقاً. والواقع، كما دونه الإنجيل، لأكبر دليل على سلطانه اللامحدود. فعندما أقدم أعداؤه على الإحاطة به طرحهم أرضاً بكلمة منه، وكان بوسعه آنئذ أن يمضي في طريقه آمناً. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتواطأ فيها اليهود عليه فينسل من بينهم من غير أن يجرؤ أحد منهم على إيذائه. ولكن عندما دنت ساعته أسلم نفسه مختاراً لينجز ما جاء من أجله. إن دفع الأعداء عن نفسه لا يمكن كمعجزة أن يبلغ حد الإلجاء كما يدَّعي الرازي، وكان أجدر به أن يدرس مواقف المسيح في علاقته مع الناس وغرضه من التجسد ليدرك أن غفران الخطايا بموت المسيح على الصليب كان هو السبب الرئيسي لمجيئه وولادته من عذراء.
وجواباً على الرد الثالث: نقول للرازي: أكان الله حقاً في حاجة إلى إلقاء الشبه على أحد؟ يدَّعي البعض أن عملية الشبه هدفت إلى عقاب يهوذا الاسخريوطي الذي غدر بالمسيح. بيد أن الإنجيل يقدم لنا تقريراً ضافياً عن مصير يهوذا هذا إذ أقدم على الانتحار ندماً على ما جنت يداه. ثم لماذا يبلغ عدم إلقاء الشبه عند رفع المسيح حدّ الإلجاء؟ وما هي الحكمة من وراء ذلك؟ أليس في رفع المسيح أمام اليهود أكبر إثبات لنبوته؟ بل إن رفعه إلى السماء على مرأى من اليهود يزيل مشكلة الشكّ في حقيقة المسيح التي راودت عقول القيادات الدينية اليهودية، وبالتالي يدركون أي خطأ جسيم اقترفوه بحق كلمة الله.
وجواباً على الرد الرابع: صحيح أن حواريي المسيح وبعض أتباعه كانوا حاضرين في تلك الليلة الرهيبة، وشهدوا ما حدث لسيدهم، وقد رووه لنا بوحي من الروح القدس، مفصَّلاً في صفحات الإنجيل الكريم، فجاءت رواية الإنجيل المؤيدة بالشواهد والوثائق مخالفة تماماً لنص القرآن، وحكايات الحديث، وأوهام المفسرين المسلمين. لقد سجل لنا الحواريون بإرشاد الروح القدس وإلهامه، أحداث الصلب بكل أمانة فلم يغفلوا منها أدق التفاصيل.
وجواباً عن الرد الخامس نقول: إن الرازي يناقض نفسه بنفسه. ففي رده على الإشكال الرابع يقول: «إن تلاميذ عيسى كانوا حاضرين وكانوا عالمين بكيفية الواقعة وهم يزيلون التلبيس». وها هو الآن يقول إن الحاضرين كانوا قلة «ودخول الشبهة على الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلى الجمع القليل لم يكن مفيداً للعلم». عندما وجد الرازي أن الاستشهاد بالحواريين يخدم غرضه لجأ إليهم كشهود عيان في إمكانهم أن يزيلوا التلبيس. ولكن فجأة يصبح هؤلاء الشهود أنفسهم عرضة للوقوع في الشبهة. والواقع أننا لو راجعنا سلسلة الأسانيد في أي حديث صحيح من الأحاديث النبوية لقلَّ أن نجد هناك إثني عشر إسناداً في آن واحد، مع العلم أن الذين شهدوا أحداث الصلب، والذين ظهر لهم المسيح بعد القيامة، وعاينوه يصعد إلى السماء يزيد عددهم عن الخمس مئة شخص. إذاً ما تواتر عن الحواريين هو حقيقة لا يشوبها الشك على الإطلاق.
وجواباً عن الرد السادس نقول: إن الشبيه (طبقاً للروايات الإسلامية المتباينة) لم يكن مسلماً إلا في خبر واحد. ويميل معظم المفسرين المسلمين للاعتقاد أن الشبيه كان أحد أعداء المسيح، أي لم يكن مسلماً. لهذا من المستبعد جداً أن يعتصم بالصمت فلا يحتج أمام الملأ ويعلن بضراوة أنه ليس المسيح، أو «يسكت عن تعريف الحال في تلك الواقعة». أما اللجوء إلى صدق محمد في كل ما أخبر عنه، فنحن أيضاً نلجأ إلى صدق المسيح وحوارييه في كل ما أخبروا عنه مما لا يدع مجالاً للشك في صحة ما ورد في الإنجيل المعصوم، فضلاً عن الوثائق التاريخية الوثنية والمسيحية المتوافرة لدينا. إن قصة الصلب لا يمكن أن تلغيها عبارة واحدة قابلة للتأويل صدرت بعد ما يزيد عن ستة قرون من وقوع الحادثة.
كذلك اختلف المفسرون المسلمون في شخصية هذا الشبيه. وتعددت الروايات الخيالية التي حاكها القُصَّاص المسلمون وتلقَّفها من ثم أئمَّة المفسرين من غير تحقيق أو اعتماد أي شاهد تاريخي أو أثري أو أي نص موثوق به، حتى زادت عن سبع روايات. والدليل على ذلك أنه لم يوجد مسلم واحد استطاع أن يقدم برهاناً قاطعاً عن صحة ما رُوي عن حقيقة هذا الشبيه.
وقد استطاع إسكندر جديد في كتابه «الصّليب في الإنجيل والقرآن» أن يجمع طائفة من هذه الروايات من مظانّها الأصليّة، وهي في مجملها تتناقض في التفاصيل والأسماء وترتيب الأحداث والمناسبة (انظر الصفحات ١١-١٦). ولا عجب في ذلك، فإن مصادرها مختلفة متباينة نسجتها مخيّلات الرُّواة لتعليل عبارة قرآنية أو إثبات قضيّة تتعارض مع تعليم الإنجيل ولو على حساب الحقيقة.
وتنبئنا المصادر التاريخية أن أسطورة الشبه هذه كما أشار إليها القرآن لم تكن أمراً مستحدثاً، بل سبق لهراطقة المسيحية في القرون الستة الأولى الميلادية أن نادوا بمثل هذه البدعة. فهذه فرقة البازيليديسيين الغنوسية تدّعي أن سمعان القيرواني الذي حمل الصليب عن المسيح عندما أعيا، رضي أن يُصلب عوضاً عن المسيح، فألقى الله عليه شبهه، فصارت هيئته مثل هيئة المسيح وتمَّ صلبه.
وكذلك قال الدوكيتيون إن المسيح لم يُصلب مطلقاً إنما بدا أو تراءى لليهود أنهم صلبوه. والواقع أن اسم الدوكيتيين مشتق من فعل يوناني معناه «يظهر» أو «يتراءى»، وهو رمز لمجمل عقيدتهم في الصلب.
ولم تندثر بدعة عدم صلب المسيح في سياق تاريخ الكنيسة بل ظلت تطل برأسها بين الفينة والفينة بين الأوساط المسيحية على أيدي أفراد أو جماعات متفرقة من دعاة المعرفة. ففي سنة ١٨٥ م ادّعت طائفة هرطوقية من نسل كهنة طيبة الذين اعتنقوا المسيحية أنه «حاشا للمسيح أن يُصلب، بل رُفع إلى السماء سالماً». وفي سنة ٣٧٠ م ظهرت إحدى الفرق الغنوسية الهرموسية التي أنكرت صلب المسيح وقالت: «إنه لم يُصلب بل شُبه للناظرين أنهم صلبوه». وفي سنة ٥٢٠ م فرّ ساويرس أسقف سوريا إلى الإسكندرية فوجد فيها فئة من الفلاسفة يعلّمون أن المسيح لم يُصلب بل شُبه للناس أنهم صلبوه. وفي سنة ٥٦٠ م أنكر الراهب تيودورس طبيعة المسيح البشرية وبالتالي أنكر صلبه. وفي سنة ٦١٠ م شرع الأسقف يوحنا ابن حاكم قبرص ينادي مدعياً بأن المسيح لم يصلب بل شُبه للناظرين أنهم صلبوه.
ومن جملة الذين نادوا بنظرية الشبيه أيضاً ماني المتنبّئ الفارسي (٢٧ م) فقد ادّعى أن يسوع هو ابن أرملة، وأن الذي صُلب هو ابن أرملة نايين الذي كان المسيح قد أقامه من بين الأموات. ونقرأ في تقليد مَانَوِي آخر أن الشيطان الذي سعى في صلب المسيح وقع في حفرة مؤامرته وصُلب مكانه.
يتضح من هذا العرض التاريخي الموجز أن بدعتي الشبه وإنكار صلب المسيح، قد أخذهما الإسلام عن الهرطقات المسيحية، ولا سيما أن هذه الهرطقات كانت شائعة في عصر ظهور الإسلام، وفي شبه الجزيرة العربية بالذات، بين الفرق الغنوسية التي لم تقم حجتها على الوقائع التاريخية أو المستندات الرسمية، بل كانت وليدة تصورات شخصية تدور في جوهرها حول طبيعة جسد المسيح.  بل إننا نجد أن مجمع القسطنطينية الذي انعقد في سنة ٣٨١ م قد أرسل المطران غريغوري النيقي لزيارة الكنائس في العربية والقدس التي انفجرت فيها النزاعات وهددتها الانقسامات. 
خامساً: ولو فرضنا جدلاً أن قصّة الشَّبيه قد حدثت فعلاً فإن ذلك يضفي على الله صفتي الخداع والاحتيال. فالحواريون الذين بشروا بموت المسيح وقيامته يكونون في الواقع قد كرزوا بموت الشبيه وقيامته، وتبعتهم الكنيسة في ذلك على مدى ستة قرون. هذا الموقف يثير طائفة من الأسئلة التي لا بد من الإجابة عنها، أهمها: من هو مصدر هذا الخداع؟ لماذا لم يكشف الله الحقيقة لحواريي نبيّه ورسوله وتركهم مضَلّين ومضِلّين؟ لماذا سمح الله للبشر أن يستمروا في ضلالهم طوال العصور السابقة للإسلام، ولم يعلن لهم حقيقة المصلوب؟ من هو المسؤول عن ضلال ملايين من النفوس التي آمنت بأكذوبة؟ وما هو ذنب هؤلاء الذين آمنوا بنيّة صادقة بناء على تعاليم الإنجيل الذي بشر به الرسل؟ إن إصبع الاتهام في هذه الحالة يتجه نحو الله عزّ وجلّ. الواقع أن الذين ينادون بقصة الشبيه يجعلون من الله إلهاً مشابهاً في صفاته لآلهة الأساطير اليونانية كزوس وهيرا وأبولو الذين كانوا يتآمرون ويحتالون على بعضهم البعض وعلى الناس أيضاً. ولكننا نعلم يقيناً أن الله القدوس لا يمكن أن يكون مخادعاً محتالاً، لأن ذلك يتناقض مع طبيعته الإلهية. حاشا لله أن يكون محتالاً.
وهنا أود أن أقتطف مقطعاً من كتيّب جليل هو كتاب «القول الصريح باتّباع دين المسيح» حيث جاء فيه:
«فالقول إن الذي صُلب هو غيره، هو شبيه به، مخالف للعقل والنقل. أما كونه مخالفاً للعقل فإن إلقاء شبه المسيح على يهوذا أو تهريب المسيح من اليهود يدل على عجز فاعل هذا، والله ليس بعاجز. بل لو أراد الله أن يمنع قصد اليهود لأعجزهم وضربهم بالفشل والهلاك كما ضرب المصريين ومنعهم من أذى موسى وقومه فعبر هؤلاء البحر الأحمر سالمين وأغرق أولئك هم وملكهم كما في (خروج ١٥: ١)... وأما مسألة التهريب فهي من حيل المجرمين واللصوص لا من فعل الإله العظيم الذي هو على كل شيء قدير. وكذلك في مسألة التهريب تضليل للحكومة التي قامت بالتنفيذ ولليهود الذين اشتكوا عليه، وللحواريين الذين آمنوا به واتبعوه وعززوه ونصروه بإيمانهم وشهاداتهم، ولأمه مريم وبقية أقربائها الذين حزنوا عليه حزناً شديداً. وحاشا لله أن يكون مخادعاً مضللاً للملايين من أتباع المسيح في كل أجيال الكنيسة. أما كونه مخالفاً للنقل فالتاريخ الروماني سجل الحكم على المسيح وتنفيذه في سجلات الحكومة الرومانية القائمة يومئذ، والتاريخ اليهودي أثبت هذه الحادثة بشهادة رؤساء الكهنة الذين كانوا من ضمن المشتكين عليه. والإنجيل نفسه قرر هذه الحقيقة بالتفصيل الكافي الوافي».
سادساً: ومن الأمور التي تسترعي الانتباه في قصة الصلب، حادثة القيامة. إن قيامة المسيح من بين الأموات لم تكن حدثاً عادياً لا أثر له في تاريخ الكنيسة وتطورها، بل على النقيض فإن القيامة هي سرّ استمرارية قوة الكنيسة ونموها المطرد. فإن كان الصلب هو موضوع الخلاص وجوهره فإن القيامة هي سر انتصار الكنيسة وغلبتها الروحية. فالصلب من غير قيامة لا قيمة له، والقيامة من غير صلب لا معنى لها. لهذا رأى الحواريون ومن بعدهم الكنيسة على مرّ العصور، في القيامة، الرمز الأبدي لاستمرارية الكنيسة وصمودها أمام الاضطهادات، والهرطقات وهجوم أصحاب الديانات الأخرى عليها.
لكن للقيامة بُعداً آخر في الشهادة لموت المسيح. فالمسيح كما شهد الحواريون، بل كما شهد مئات من أتباع المسيح بعد قيامته مباشرة وفي خلال أربعين يوماً، قد ظهر لهم مؤكداً لهم أنه حقاً قد صُلب ثم قام من بين الأموات. ولعل أبرز حدث نستشهد به هو موقف الحواري توما الذي اشتهر بواقعيته وعقلانيته التي تميَّزت بالشَّك. هذا أبى أن يصدّق ما رواه له بقية الحواريين عن ظهور المسيح لهم، وظن كما يبدو أن ما اعتراهم من ألم وحزن على صلب سيدهم وموته قد أثر على عقولهم، لهذا تحداهم قائلاً:
«إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ» (يوحنا ٢٠: ٢٥).
وبعد ثمانية أيام فيما كان الحواريون جميعاً مجتمعين في العلِّيّة ومن جملتهم توما، وقد أحكموا إغلاق الأبواب خوفاً من اليهود، ظهر المسيح لهم فجأة ووقف في وسطهم وحيّاهم، ثم التفت نحو الحواري توما وقال له:
«هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً» (يوحنا ٢٠: ٢٧).
هذه الحادثة إن دلّت على شيء إنما تدلُّ على أن قصة صلب المسيح قد تعرضت حقاً للتحقيق والتمحيص حتى بين أوساط الحواريين، وهم أقرب الناس إلى المسيح وأكثرهم ولاء له. فلا يجوز إذاً أن نستخف بما ورد عنها من نصوص كتابية وندّعي، من غير إثبات أو بيّنة، أن قصة صلب المسيح من نسيج تخيلات الأولين، أو نقتبس ما ردده الهراطقة وكأن أقوالهم آيات منزلات.

(ب) أسباب كتابية

بعد أن تحدّثنا عن الأسباب المنطقيّة التي تدعونا للإيمان بحقيقة الصلب والتّشبُّث بها، يتحتَّم علينا أن نعتمد نصوص كتابنا المقدس كمرجع أوّلي لهذا البحث، ولا سيما أن القرائن التاريخية والحفريات تدعم وثائق الأسفار.
أولاً: إن عقيدة الكفّارة عن الخطايا لم تكن عقيدة مستحدثة، بل نراها جزءاً لا يتجزأ في جوهر كل الممارسات الدينية حتى في ممارسات الأديان الوثنية. والحقيقة الثابتة أن هذه الممارسات كانت في أساسها ممارسات سليمة سنَّ الله قانونها الأول بعد سقوط آدم وحواء في خطيئة العصيان. فبالرغم من عصيان آدم وعدم اعترافه بخطيئته، أخذ الله حيواناً وسلخ جلده وصنع لهما ثوبين ليستر عورتيهما (سفر التكوين ٣: ٢١). والدارس للفظة «كفّارة» أو تكفير يكتشف أن معناها القاموسي هو الستر أو التغطية. وهكذا يلاحظ أن عملية التكفير هي عملية شرّعها الله منذ عهد آدم. وظلت هذه الشعائر قائمة في ممارسة التعبد، فهذا قايين وهابيل يقدمان قرابين لله، فيتقبل الله قربان هابيل لأنه مؤسسٌ على الدم، ويرفض قربان قايين لأنه اعتمد فيه على أعمال يديه. وكذلك كانت قرابين نوح، وإبراهيم، وإسحق ويعقوب قرابين دموية. ثم أصبحت هذه القرابين في عهد موسى، شريعة مكتوبة. وكلها كما أثبت الدارسون كانت رموزاً للذبيحة الكبرى، أي صلب المسيح. [١٢] وقد أخذت الأمم الوثنية هذه الشعائر عن رجال الله المؤمنين وانتحلتها لآلهتها الوثنية، فشوَّهت معالمها، وإن ظلت القرابين في جوهرها رمزاً للتكفير.
أما الكفّارة في الإسلام فتقوم على الأعمال الصالحة، فالحسنات والصدقات تمحو السيئات. كذلك فإن ممارسات الأركان الخمسة والجهاد في سبيل الله، وتلاوة القرآن، مدعاة إلى غفران الخطايا. [١٣]
ولكن هناك قضية أخرى في الإسلام لا بد من التنويه بها استيفاءً منا للبحث، وهي قضية الفدية. ولعل أبرز إشارة في القرآن لموضوع الفدية نجده في سورة الصافات ٣٧: ١٠٧ في معرض الحديث عن قصة تقديم ابن إبراهيم ذبيحة:
«وَفَدَيْنَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ» .
ويفسر البيضاوي هذه الآية بقوله: أي بما يُذبح بدله فيتم به الفعل.
ويورد الرازي في شرحه لهذه الآية حديثاً: ... وقال السدّي: نودي إبراهيم فالتفت فإذا هو بكبش أملح انحطَّ من الجبل فقام عنه (أي: عن ابنه) فأخذه فذبحه وخلّى عن ابنه، وقال: يا بنيَّ اليوم وهبت لي... وقيل سمِّي (الكبش) عظيماً لعظم قدره حيث قبله الله تعالى فداء عن ولد إبراهيم.
أما كيف وهب له في ذلك اليوم؟ ذلك لأن الكبش الأملح ذبح فداء عن ابن إبراهيم. وبهذا وهبت له حياة جديدة. كذلك كان الكبش عظيماً، أولاً لأن الله هو الذي أعده، وثانياً لأنه كان رمزاً للذبيحة الكبرى، أي المسيح فادي البشرية جمعاء الذي قال عنه يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا): «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١: ٢٩).
ونقرأ أيضاً في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، ج ١، ص ٢٤٣ ما يلي:
«وأما ذبح الهدي فاعلم أنه تقرُّب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارجُ أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك من النار، فهكذا ورد الوعد، فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم (الهدي هي الذبيحة التي تقدم إلى الحرم في مكة».
وفي مكان آخر يقول الغزالي:
«وروت عائشة ... أن رسول الله... قال: ما عمل آدمي يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراقه دماً، وإنها (أي الضحية) لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأن الدم يقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفساً. وفي الخبر: لكم بكل صوفة من جلدها حسنة، وكل قطرة من دمها حسنة، وإنها لتوضع بالميزان فأبشروا. وقال صلى الله عليه وسلم: استنجدوا هداياكم فإنها مطاياكم يوم القيامة»
ثانياً: إن العهد القديم يكتظ بالنبوءات عن موت المسيح وقيامته. ويكفي أن نلقي نظرة على سفر إشعياء، الأصحاح ٥٣: ١ - ١٢
«مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ».
حتى ندرك أن أنبياء العهد القديم لم يكونوا يعيشون بمعزل عن توقع هذا الحدث العظيم. ومن حيث أن المجال لا يتسع هنا إلى الإشارة إلى المواضع الوفيرة التي تنبئ عن موت المسيح وآلامه وقيامته فإني أحيل القارئ إلى كتاب «قضيّة الصليب» للدكتور لبيب ميخائيل. [١٥]
ثالثاً: إن المسيح نفسه قد تحدث عن موته وقيامته. والأناجيل مفعمة بالآيات البينات الجازمة التي نطق هو نفسه بها والتي تشير إلى صلبه وآلامه. وفي هذه الحال إما أن يكون المسيح كاذباً عندما تحدث عن موته أو أن يكون مجنوناً اختلط عليه الأمر، أو صادقاً لا ينطق بغير الحق. ولم يوجد أحد قط، حتى من بين أعدائه، من اتهم المسيح بالكذب. وبالطبع، لا يجرؤ أي مسلم أن يتهم المسيح بالكذب أو الجنون. بقي أن نقول إن المسيح كان صادقاً في كل ما بشّر به وأخبر عن نفسه. ولا يجدي هنا أن ندعي أن ما ورد من أخبار الإنجيل عن موت المسيح هو من انتحال الحواريين أو سواهم من آباء الكنيسة الأولى للأسباب المذكورة أعلاه في مستهل هذا البحث، ولا سيما أن أتباع المسيح هؤلاء مشهود لهم بالصدق والأمانة. وأكثر من ذلك نجد الحواري يوحنا الذي لازم المسيح منذ صباه يقول في حديثه عن المسيح:
«اَلَّذِي كَانَ مِنَ ٱلْبَدْءِ، ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ، ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، ٱلَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ ٱلْحَيَاةِ. فَإِنَّ ٱلْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَ ٱلآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا» (يوحنا الاولى ١: ١-٢).
وقد ردد بقية الحواريين مثل هذه الشهادة ولا سيما الحواري بطرس، وهم جميعاً شهود عيان صادقون. 
ولكن أعظم شهادة يمكن أن نقتبسها في سياق هذه الدراسة هي شهادة المسيح لنفسه. فقد تناول المسيح نبوّات العهد القديم وطبقها على نفسه، وعمد إلى تفسيرها تفسيراً لا يترك شائبة ريب في عقول مستمعيه، فنجد عبارات: «لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ...» وهي مقتبسات مأخوذة كلها من العهد القديم فجاء ذكرها في العهد الجديد، تطبيقاً عملياً للنبوءة الواردة في العهد القديم. وعلى سبيل المثال (راجع يوحنا ١٩: ٢٤). وها هو المسيح يخاطب حواريّيه قائلاً لهم:
«هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا ٱلْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: هٰكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهٰكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ» (لوقا ٢٤: ٤٤-٤٦).
إن هاتين الآيتين تشتملان على حقيقتين خطيرتين لا بد من الإشارة إليهما قبل الانتقال إلى بحث الوثائق التاريخية. أولهما، أن المسيح في اقتباسه نبوّات العهد القديم، وقوله «إنه ينبغي أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير» قد أكد أن العهد القديم بكامله (باستثناء الأسفار التاريخية) قد أنبأ بمجيئه. ومن الغريب حقاً أن نجد المسلمين يتناولون بعض النبوّات التي اعتمدها المسيح نفسه، وأوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأنها تشير مباشرة إليه، وينسبونها إلى محمد. وثانيهما، أن المسيح نفسه، وبعبارة صريحة، بيّن لحوارييّه أنه كان ينبغي عليه أن يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. هذا اعتراف صارخ يتعذّر على المتشككين إنكاره.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.