قصة البحث عن الحق - 2
الفصل الثاني: البحث عن الحق
منذ
ثلاثين سنة، كما هو الحال اليوم، يصعب على الإنسان أن يجد مكاناً لتعلُّم
الطب في الهند. وكان الالتحاق بدراسة الطب يتوقف على التفوق في الأداء
الدراسي في المرحلة الثانوية، وكان ذلك بلا استثناءات، فقد كانت الدراسة
مفتوحة للجميع بغض النظر عن العِرْق أو الدين. وكان الشرط الوحيد أن ينال
التلميذ درجات عالية في دراسته السابقة للجامعة. وبفضل من الله نجحت. وفي
يونيو ١٩٥٠ دخلت كلية طب
«جرانت» في
بومباي. وكانت معهداً عالمياً، جاءه التلاميذ من كل أمة ولغة ودين. وحتى
التحاقي بالجامعة كان كل أصدقائي من المسلمين، وقليل منهم من الهندوس. ومع
أني لم أكن أعرف إلا القليل عن ديانتي، إلا أن ما عرفته كان كافياً لأن
يبعدني عن الهندوس الذين يعتبرهم المسلمون كفرة وعبَّاد وثن. وعليه فلا
يمكن أن نصادقهم أو نتَّخذ منهم أولياء (آل عمران ٣: ٢٨ والنساء ٤: ١٣٩ ،
١٤٤). ولقد افترضت أن أحجارهم أوثان يعبدونها، ولو أني لم أهتم مرة واحدة
بأن أسألهم عن عقيدتهم. وكان موقفي من المسيحيين مشابهاً. صحيح أن القرآن،
بحسب معلوماتي، ذكر أهل الكتاب: التوراة والزبور والإنجيل. لكني لم أر
احتياجاً لأعرف أكثر عنهم، فهم مشركون يعبدون ثلاثة آلهة، واحد منهم عيسى
ابن الله. ثم أنهم كانوا أذكياء في تحويل الناس إلى المسيحية. وكان رجال
ديننا ينصحوننا بالتعامل مع المسلمين وحدهم، وأن نتحاشى غيرهم من الكفرة
والمنافقين والمشركين والهالكين (البقرة ٢: ١٢٠ وآل عمران ٣: ١٠٠ ، ١١٨
والمائدة ٥: ٥١ ، ٥٧ والتحريم ٦٦: ٩ والبيّنة ٩٨: ٦).
ولكن كيف يستطيع المسلم أن يتحاشى أتباع هذه الديانات وهو يدرس في جامعة عالمية مثل جامعتنا؟ لقد كان التعامل مع الممرضات شيئاً أساسياً بالنسبة للطبيب، ومعظم هؤلاء مسيحيات! فوجدت نفسي مضطراً أن أهمل نصيحة رجال ديننا. وسرعان ما اكتشفت أن صداقة الأساتذة والطلبة المسيحيين صداقة ممتعة، وكنا نتبادل أفكارنا عن إيماننا. وكنت فخوراً بانتمائي للإسلام، وبدأت أقلق بشأن مصير أصدقائي المسيحيين الطيبين الذين لن يدخلوا الجنة، لأنهم يتبعون عقائد خاطئة. ولقد تأثرت كثيراً لأن أفعال المسيحيين كانت تتفق مع تعاليمهم، فلم يكونوا يتكلمون فقط عن محبة الآخرين، بل كانوا يمارسون ذلك، فيساعدون الفقراء والمحتاجين، ويطبّقون تعاليم دينهم في حياتهم اليومية - فهل هذا هو السبب الذي جعل القرآن يتكلم عنهم أحياناً كلمات لطيفة للغاية تمدحهم، كما نقرأ في المائدة ٥: ٦٩: «إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَٱلَّذِينَ هَادُوا وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ». وفي الآية ٨٢ : «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ».
وأثناء وجودي في الجامعة عُرض فيلمان مسيحيان في بومباي، «كوفاديس» و «الوصايا العشر». وذهب مسلمون كثيرون لمشاهدة الفيلمين بينهم نسوة محجَّبات. واندهشتُ لأن المعلومات التي يوردها الكتاب المقدس عن موسى أكثر جداً من المعلومات الموجودة عنه في القرآن. وسألت نفسي: ألا يحتوي القرآن كل ما جاء في الكتب التي سبقته؟ ومع أني كنت مستمراً في اعتبار ديانتي الأسمى، لكني جعلت أعالج هذا السؤال دون أن أجد له جواباً.
ولقد حالت ظروفي دون أن أكمل دراستي بعد الجامعية في الطب، فتعيَّنت طبيباً في مستشفى للبرص أسسته الحكومة. وقبل أن أغادر بومباي أهداني صديق مسيحي كتاباً مقدساً، وأخذ منّي وعداً أن أقرأه، فقررت أن أقرأ القرآن أولاً، حتى لا أضل عن الصراط المستقيم. والقرآن ينذر الذين يرفضون الإسلام بالهلاك (البقرة ٢: ١٦١ ، ١٦٢ والنساء ٤: ٤٧ ، ٥٦).
ولكن كيف يستطيع المسلم أن يتحاشى أتباع هذه الديانات وهو يدرس في جامعة عالمية مثل جامعتنا؟ لقد كان التعامل مع الممرضات شيئاً أساسياً بالنسبة للطبيب، ومعظم هؤلاء مسيحيات! فوجدت نفسي مضطراً أن أهمل نصيحة رجال ديننا. وسرعان ما اكتشفت أن صداقة الأساتذة والطلبة المسيحيين صداقة ممتعة، وكنا نتبادل أفكارنا عن إيماننا. وكنت فخوراً بانتمائي للإسلام، وبدأت أقلق بشأن مصير أصدقائي المسيحيين الطيبين الذين لن يدخلوا الجنة، لأنهم يتبعون عقائد خاطئة. ولقد تأثرت كثيراً لأن أفعال المسيحيين كانت تتفق مع تعاليمهم، فلم يكونوا يتكلمون فقط عن محبة الآخرين، بل كانوا يمارسون ذلك، فيساعدون الفقراء والمحتاجين، ويطبّقون تعاليم دينهم في حياتهم اليومية - فهل هذا هو السبب الذي جعل القرآن يتكلم عنهم أحياناً كلمات لطيفة للغاية تمدحهم، كما نقرأ في المائدة ٥: ٦٩: «إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَٱلَّذِينَ هَادُوا وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ». وفي الآية ٨٢ : «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ».
وأثناء وجودي في الجامعة عُرض فيلمان مسيحيان في بومباي، «كوفاديس» و «الوصايا العشر». وذهب مسلمون كثيرون لمشاهدة الفيلمين بينهم نسوة محجَّبات. واندهشتُ لأن المعلومات التي يوردها الكتاب المقدس عن موسى أكثر جداً من المعلومات الموجودة عنه في القرآن. وسألت نفسي: ألا يحتوي القرآن كل ما جاء في الكتب التي سبقته؟ ومع أني كنت مستمراً في اعتبار ديانتي الأسمى، لكني جعلت أعالج هذا السؤال دون أن أجد له جواباً.
ولقد حالت ظروفي دون أن أكمل دراستي بعد الجامعية في الطب، فتعيَّنت طبيباً في مستشفى للبرص أسسته الحكومة. وقبل أن أغادر بومباي أهداني صديق مسيحي كتاباً مقدساً، وأخذ منّي وعداً أن أقرأه، فقررت أن أقرأ القرآن أولاً، حتى لا أضل عن الصراط المستقيم. والقرآن ينذر الذين يرفضون الإسلام بالهلاك (البقرة ٢: ١٦١ ، ١٦٢ والنساء ٤: ٤٧ ، ٥٦).
اشتريت
نسخة من القرآن باللغة العربية مع ترجمة وتفسير في اللغة الأردية، وجعلت
أقرأ فيها في أوقات فراغي. واندهشت أن أجد قصة مذكورة في سورة تُذكر مرة
أخرى في سورة أخرى ناقصة، فخفت من الاستمرار في القراءة. وبدلاً من أن أجد
سلاماً داخلياً داهمني القلق. ثم ابتدأت نفسي تشتاق أن تقرأ الكتب الإلهية
التي تحدَّث القرآن عنها، ولكني خفتُ من لعنة الله عليَّ لو أني قرأت
التوراة والإنجيل. ولم يكن الخوف هو الدافع الوحيد لي، فإني لم أر مسلماً
واحداً يقرأ التوراة والإنجيل، ولا حتى يحتفظ بنسخة منهما في بيته. وكان
الاتهام الموجَّه إلى المسيحيين واليهود أنهم غيّروا كتبهم المنزلة. ثم أن
القرآن نسخها وحلَّ محلها. بل إن بعض المسلمين قالوا: إن المسيح عندما رُفع
أخذ معه الإنجيل ورفعه إلى السماء.
وأخذت أدرس القرآن فلم أجد فيه آية واحدة ضد الكتاب المقدس. كما لم أجد آية واحدة تنهاني عن قرائته، فتملكتني الحيرة والخوف، ولكني عدت أطمئن نفسي بأني لست عابد وثن، ولكني مسلم، شأني شأن كثير من المسلمين غيري، لا يمكن أن يُطلق علينا أننا «مسلمون بالإسم» لأني نطقت الشهادتين.
عند ذلك قررت أن أحصل على ترجمة للقرآن باللغة الإنجليزية لأقوّي إيماني وأزيل مخاوفي جهة قراءة الكتاب المقدس، فاشتريت نسخة ترجمها محمد مرمدوك بكتول. وهو بريطاني اعتنق الإسلام أثناء خدمته لنظام حيدر أباد منذ خمسين سنة، وكان كثيرون من مسلمي الهند يعتبرون هذه الترجمة صحيحة وسليمة. ولقد وجدت في تلك الترجمة إشارات إلى الكتب التي سبقت القرآن.
وأخذت أدرس القرآن فلم أجد فيه آية واحدة ضد الكتاب المقدس. كما لم أجد آية واحدة تنهاني عن قرائته، فتملكتني الحيرة والخوف، ولكني عدت أطمئن نفسي بأني لست عابد وثن، ولكني مسلم، شأني شأن كثير من المسلمين غيري، لا يمكن أن يُطلق علينا أننا «مسلمون بالإسم» لأني نطقت الشهادتين.
عند ذلك قررت أن أحصل على ترجمة للقرآن باللغة الإنجليزية لأقوّي إيماني وأزيل مخاوفي جهة قراءة الكتاب المقدس، فاشتريت نسخة ترجمها محمد مرمدوك بكتول. وهو بريطاني اعتنق الإسلام أثناء خدمته لنظام حيدر أباد منذ خمسين سنة، وكان كثيرون من مسلمي الهند يعتبرون هذه الترجمة صحيحة وسليمة. ولقد وجدت في تلك الترجمة إشارات إلى الكتب التي سبقت القرآن.
يقول
القرآن إن الله أوحى للأنبياء رسالته من قبل نزول القرآن. وفي تلك الكتب
هدًى ونور، وإن على الجميع أن يضعوا ثقتهم فيها ككتب منزلة (البقرة ٢: ٤ ، ٥
، ٩١ ، ٩٧ ، ١٣٦ ، ٢٨٥ و آل عمران ٣: ٣ ، ٤ ، ٨٤ والنساء ٤: ٤٧ ، ١٣٦ ،
١٦٣ والمائدة ٥: ٤٤ - ٤٦ ، ٤٨ ، ٦٦ والأنعام ٦: ٩٣ ، ١٥٥ والأعراف ٧: ١٤٥
ويونس ١٠: ٣٨ الخ).
لقد كانت تلك الكتب المقدسة السابقة للقرآن موجودة أيام نزول القرآن، يقرأها اليهود والمسيحيون ويدرسونها ويعلّمونها لأولادهم، وأوصاهم القرآن أن يقيموا ما نزل بها من أحكام. ويطلق القرآن على أتباع المسيحية واليهودية لقب «أهل الكتاب» (البقرة ٢: ٤٤ ، ١١٣ ، ١٢١ وآل عمران ٣: ٧٨ ، ٧٩ والمائدة ٥: ٤٣ والأنعام ٦: ٩٢ والأعراف ٧: ١٥٧ ويونس ١٠: ٩٥ الخ). ولم يقل القرآن أبداً إنهم أتباع كتب تحرّفت أو تغيّرت أو نُسخت.
وكلَّف القرآن اليهود والمسيحيين أن يقيموا التوراة والإنجيل ليأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم (المائدة ٥: ٦٥ ، ٦٩). والتوراة تحكم بين بني إسرائيل (المائدة ٥: ٤٣). كما أن الإنجيل يحكم بين المسيحيين. فتقول المائدة ٥: ٤٧: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُون». ويقول القرآن إن الرسالة التي جاءت في التوارة والإنجيل جاءت مرة أخرى في القرآن، إنما بلسان عربي (الشعراء ١٩٢ - ١٩٧). فإذا جهل المسلمون شيئاً وجب عليهم أن يسألوا أهل الكتاب (النحل ١٦: ٤٣). وإن كان محمد نفسه في شك مما أُنزل إليه فليسأل الذين يقرأون الكتاب من قبله لينجلي عنه الشك (يونس ١٠: ٩٤ قارن الأنعام ٦: ١١٥).
ولكن هناك آيات تنتقد بعض أهل الكتاب، وتحمّلهم مسئولية تحريف كتبهم (البقرة ٢: ٤٠ - ٤٢ ، ٧٥ - ٧٩ ، ١٠١ ، ١٤٠ ، ١٤٦ ، ١٥٩ ، ١٧٤ وآل عمران ٣: ٧٠ - ٧٢ ، ٧٨ ، ١٨٧ والنساء ٤: ٤٦ والأعراف ٦: ١٦٢). ومن هذه الآيات القرآنية يبدو أن أهل الكتاب حرَّفوا كتبهم المقدسة، وحذفوا بعض آياتها، أو أنهم أخفوها أو نسوها، وخلطوا الحق بالباطل. ووجدت أن معظم هذه الاتهامات موجَّهة ضد اليهود.
حاولت أن أصالح الآيات القرآنية التي تنتقد الكتب التي سبقتها مع الآيات القرآنية التي تشهد لنفس هذه الكتب بالصحَّة. وسألت نفسي: إن كان أهل الكتب السابقة للقرآن حرَّفوها، فلماذا يوصيهم القرآن أن يحكموا بما جاء فيها؟! ولإجابة هذا السؤال هناك احتمالان لا بد أن يكون أحدهما صحيحاً. (١) إن القرآن يناقض نفسه. (٢) تحريف بعض آيات التوراة والإنجيل وإخفاؤها ينصبّ على تأويل تلك الكتب وتفسيرها، وليس على نصوصها. فلقد بقيت الكلمات والنصوص كما هي، ولو أن اليهود والنصارى أساءوا تفسيرها. إن تحريف نصوص التوراة والإنجيل يقتضي ليس فقط اتفاق اليهود جميعاً والمسيحيين جميعاً بكل طوائفهم على التغيير، لكنه يقتضي أيضاً اتفاق هؤلاء جميعاً معاً على ما يجب حذفه وتغييره، وما يجب أن يبقى كما هو!! وهذا شيء مستحيل. فوصلتُ إلى نتيجة أن التغيير، والإخفاء، وليَّ الألسنة، هي اتهامات موجهة ضد اليهود والمسيحيين الموجودين وقت نزول القرآن. أما كتبهم فقد بقيت سليمة ليقرأوها ويحكموا بما جاء بها. ولم أجد أي نص قرآني أو حديث نبوي يقول إن القرآن نسخ الكتاب المقدس وحلَّ محله. كما لم أجد أيضاً نصاً واحداً يقول إن الإنجيل ارتفع إلى السماء عندما ارتفع المسيح.
فهل شكك بعض المسلمين المخلصين الذين يحترمون القرآن، بقصد أو بغير قصد، في سلامة الكتب المقدسة التي جاءت قبل القرآن؟ وهل هم الذين يفسرون القرآن بأن يُخْفوا أجزاء منه، أو يلووا به ألسنتهم؟ لقد اندهشت وأنا أدرس الاكتشافات الحفرية الحديثة التي شهدت لصحة الكتاب المقدس وبرهنتها. كما أني أعلم أن المسيحيين واليهود متعلّمون، وأمناء للحق، وهم طوائف يختلفون في بعض العقائد، ولكنهم لم يختلفوا قط في أن كتابهم المعطى لهم من عند الله بقي سليماً كما هو.
لقد كانت تلك الكتب المقدسة السابقة للقرآن موجودة أيام نزول القرآن، يقرأها اليهود والمسيحيون ويدرسونها ويعلّمونها لأولادهم، وأوصاهم القرآن أن يقيموا ما نزل بها من أحكام. ويطلق القرآن على أتباع المسيحية واليهودية لقب «أهل الكتاب» (البقرة ٢: ٤٤ ، ١١٣ ، ١٢١ وآل عمران ٣: ٧٨ ، ٧٩ والمائدة ٥: ٤٣ والأنعام ٦: ٩٢ والأعراف ٧: ١٥٧ ويونس ١٠: ٩٥ الخ). ولم يقل القرآن أبداً إنهم أتباع كتب تحرّفت أو تغيّرت أو نُسخت.
وكلَّف القرآن اليهود والمسيحيين أن يقيموا التوراة والإنجيل ليأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم (المائدة ٥: ٦٥ ، ٦٩). والتوراة تحكم بين بني إسرائيل (المائدة ٥: ٤٣). كما أن الإنجيل يحكم بين المسيحيين. فتقول المائدة ٥: ٤٧: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُون». ويقول القرآن إن الرسالة التي جاءت في التوارة والإنجيل جاءت مرة أخرى في القرآن، إنما بلسان عربي (الشعراء ١٩٢ - ١٩٧). فإذا جهل المسلمون شيئاً وجب عليهم أن يسألوا أهل الكتاب (النحل ١٦: ٤٣). وإن كان محمد نفسه في شك مما أُنزل إليه فليسأل الذين يقرأون الكتاب من قبله لينجلي عنه الشك (يونس ١٠: ٩٤ قارن الأنعام ٦: ١١٥).
ولكن هناك آيات تنتقد بعض أهل الكتاب، وتحمّلهم مسئولية تحريف كتبهم (البقرة ٢: ٤٠ - ٤٢ ، ٧٥ - ٧٩ ، ١٠١ ، ١٤٠ ، ١٤٦ ، ١٥٩ ، ١٧٤ وآل عمران ٣: ٧٠ - ٧٢ ، ٧٨ ، ١٨٧ والنساء ٤: ٤٦ والأعراف ٦: ١٦٢). ومن هذه الآيات القرآنية يبدو أن أهل الكتاب حرَّفوا كتبهم المقدسة، وحذفوا بعض آياتها، أو أنهم أخفوها أو نسوها، وخلطوا الحق بالباطل. ووجدت أن معظم هذه الاتهامات موجَّهة ضد اليهود.
حاولت أن أصالح الآيات القرآنية التي تنتقد الكتب التي سبقتها مع الآيات القرآنية التي تشهد لنفس هذه الكتب بالصحَّة. وسألت نفسي: إن كان أهل الكتب السابقة للقرآن حرَّفوها، فلماذا يوصيهم القرآن أن يحكموا بما جاء فيها؟! ولإجابة هذا السؤال هناك احتمالان لا بد أن يكون أحدهما صحيحاً. (١) إن القرآن يناقض نفسه. (٢) تحريف بعض آيات التوراة والإنجيل وإخفاؤها ينصبّ على تأويل تلك الكتب وتفسيرها، وليس على نصوصها. فلقد بقيت الكلمات والنصوص كما هي، ولو أن اليهود والنصارى أساءوا تفسيرها. إن تحريف نصوص التوراة والإنجيل يقتضي ليس فقط اتفاق اليهود جميعاً والمسيحيين جميعاً بكل طوائفهم على التغيير، لكنه يقتضي أيضاً اتفاق هؤلاء جميعاً معاً على ما يجب حذفه وتغييره، وما يجب أن يبقى كما هو!! وهذا شيء مستحيل. فوصلتُ إلى نتيجة أن التغيير، والإخفاء، وليَّ الألسنة، هي اتهامات موجهة ضد اليهود والمسيحيين الموجودين وقت نزول القرآن. أما كتبهم فقد بقيت سليمة ليقرأوها ويحكموا بما جاء بها. ولم أجد أي نص قرآني أو حديث نبوي يقول إن القرآن نسخ الكتاب المقدس وحلَّ محله. كما لم أجد أيضاً نصاً واحداً يقول إن الإنجيل ارتفع إلى السماء عندما ارتفع المسيح.
فهل شكك بعض المسلمين المخلصين الذين يحترمون القرآن، بقصد أو بغير قصد، في سلامة الكتب المقدسة التي جاءت قبل القرآن؟ وهل هم الذين يفسرون القرآن بأن يُخْفوا أجزاء منه، أو يلووا به ألسنتهم؟ لقد اندهشت وأنا أدرس الاكتشافات الحفرية الحديثة التي شهدت لصحة الكتاب المقدس وبرهنتها. كما أني أعلم أن المسيحيين واليهود متعلّمون، وأمناء للحق، وهم طوائف يختلفون في بعض العقائد، ولكنهم لم يختلفوا قط في أن كتابهم المعطى لهم من عند الله بقي سليماً كما هو.
بعد
أن اكتشفت براهين قرآنية كثيرة تشهد بوجود وصحة وسلامة ما سبقها من كتب
مقدسة، قررت أن أدرس الكتاب المقدس. ولكي يكون ضميري مستريحاً، ومخافة
إغضاب الله سبحانه ، قرأت مرة أخرى الآيات الأولى من سورة البقرة.
وقال لي أصدقائي المسيحيون إن الكتاب المقدس يتكون من جزءين: العهد القديم، وهو يحتوي على تسعة وثلاثين سفراً أُوحي بها قبل مجيء المسيح. ثم العهد الجديد، وهو يحتوي على سبعة وعشرين سفراً، بما فيها الأناجيل التي تروي قصة حياة المسيح، وكتابات الرسل التي تروي اختبارات الكنيسة الأولى.
وتحتاج الدراسة الجادة في الكتاب المقدس إلى شهور، خصوصاً من شخص مثلي عليه مسئوليات كثيرة. ولقد تأثرت كثيراً من القراءة الأولى، ولكني وجدت اختلافات بين القصص القرآنية والقصص الكتابية، الأمر الذي حيّرني كثيراً.
وقال لي أصدقائي المسيحيون إن الكتاب المقدس يتكون من جزءين: العهد القديم، وهو يحتوي على تسعة وثلاثين سفراً أُوحي بها قبل مجيء المسيح. ثم العهد الجديد، وهو يحتوي على سبعة وعشرين سفراً، بما فيها الأناجيل التي تروي قصة حياة المسيح، وكتابات الرسل التي تروي اختبارات الكنيسة الأولى.
وتحتاج الدراسة الجادة في الكتاب المقدس إلى شهور، خصوصاً من شخص مثلي عليه مسئوليات كثيرة. ولقد تأثرت كثيراً من القراءة الأولى، ولكني وجدت اختلافات بين القصص القرآنية والقصص الكتابية، الأمر الذي حيّرني كثيراً.
يلاحظ
حتى القارئ السطحي للقرآن والكتاب المقدس اتفاقات واختلافات بينهما. أما
الاتفاقات فلا تثير انتباه أحد، خصوصاً من المسلمين الذين يؤمنون بالكتب
المقدسة كلها ككلمة الله. ولكن ماذا عن الاختلافات؟ هل قصد الله أن يحذف من
الكتاب المقدس قصص معجزاتٍ يذكرها بعد ذلك في القرآن؟ خذ مثلاً أمر الله
للملائكة بالسجود لآدم، ورفض إبليس ذلك (الحجر ١٥: ٣٠ ، ٣١ وطه ٢٠: ١١٦).
فلماذا حذف الكتاب المقدس هذه القصة؟ ولماذا لم يذكر الكتاب المقدس قصة
زيارة إبراهيم لمكة وبناء الكعبة؟(البقرة ٢: ١٢٥) مع أن الكتاب المقدس
قدَّم سيرة إبراهيم باستفاضة؟ لماذا لم يذكر الكتاب المقدس قصة النساء
اللواتي قطعن أيديهن بالسكاكين عندما رأين طلعة يوسف الجميلة (يوسف ١٢:
٣١). ولماذا لم يذكر الكتاب المقدس أن سليمان كان يعرف لغة النمل والهدهد
(النمل ٢٧: ١٦)؟ ولماذا لم تذكر التوراة قصة لعنة الله وغضبه على الذين جعل
منهم قردة وخنازير، مع أن الكتاب المقدس لم يكن رحيماً أبداً بخطايا القوم
(المائدة ٥: ٦٠)؟ ولماذا يقول الكتاب المقدس إن كل عائلة نوح نجت من
الطوفان، بينما يقول القرآن إن أحد أبناء نوح هلك في الطوفان (هود ١١: ٤٢)؟
وتقول التوراة إن هارون هو الذي قام بعمل العجل، ولكن القرآن يقول إن
السامري هو الذي عمله (طه ٨٥). فهل يمكن أن يكون هناك شخص واحد يحمل اسمين
مختلفين؟ أو لماذا يتغيّر الاسم الذي يورده الكتاب المقدس بعد عدة قرون؟
ولماذا يقول القرآن إن مريم أم المسيح هي أخت هارون؟ هل يمكن أن نقول إن
السامري المُشار إليه في سورة طه هو واحد من السامريين أعداء اليهود في زمن
المسيح؟
ولماذا هناك اختلاف حول مكان ميلاد المسيح؟ (مريم ١٩: ٢٢). ولماذا يعزو القرآن إلى المسيح إجراء معجزات في طفولته (مريم ١٩: ٣٠ وآل عمران ٣: ٤٩)؟ بينما يقول الإنجيل إن المسيح أجرى معجزته الأولى في قانا الجليل عندما كان في الثلاثين من عمره؟ ولماذا يقول القرآن إن المسيح لم يُصلب (النساء ٤: ١٥٧) مع أنه يعلن أن النيَّة كانت منعقدة على صلبه - بينما يوضح الإنجيل في شواهد كثيرة للغاية معنى الصليب وأهميته وحدوثه، كما تم دفن المسيح، وقيامته من الموت؟
وما قيمة إنكار القرآن لبنوّة المسيح التناسلية، الأمر الذي ينكره الإنجيل أيضاً (الأنعام ٦: ١٠٢) بينما لم يحاول القرآن أبداً أن يعلن المفهوم الإنجيلي لشخصية المسيح كابن لله بمعنى روحي معنوي؟ ألا يدرك الإنسان عند قراءة القرآن أن المسيحيين يؤمنون بثلاثة آلهة (النساء ٤: ١٧١ والمائدة ٥: ٧٣ ، ١١٦) وهكذا تختلف فكرة المسلم عن فكرة المسيحي الذي يدرس عقيدة التثليث كما جاءت في الكتاب المقدس؟
ومن الأسئلة التي شغلتني كثيراً ولم أجد لها جواباً، السؤال: إذا كان اتفاق القرآن والكتاب المقدس في بعض القصص التاريخية يعني أنهما من أصل واحد، فماذا يعني احتواء القرآن على قصص وحكايات لا ذكر لها إلا في بعض كتب البوذيين واليهود، مما لا صلة له بالواقع والتاريخ والوحي؟! من ذلك قصة إلقاء إبراهيم في النار، وقصة عرش الملكة بلقيس ملكة سبأ، وحكاية السامري وموسى وهارون وصناعة العجل المذهَّب، وحديث المسيح في المهد، وقصة سكن مريم في هيكل الرب، وقصة معراج محمد وأصحاب الكهف... الخ.
ولماذا هناك اختلاف حول مكان ميلاد المسيح؟ (مريم ١٩: ٢٢). ولماذا يعزو القرآن إلى المسيح إجراء معجزات في طفولته (مريم ١٩: ٣٠ وآل عمران ٣: ٤٩)؟ بينما يقول الإنجيل إن المسيح أجرى معجزته الأولى في قانا الجليل عندما كان في الثلاثين من عمره؟ ولماذا يقول القرآن إن المسيح لم يُصلب (النساء ٤: ١٥٧) مع أنه يعلن أن النيَّة كانت منعقدة على صلبه - بينما يوضح الإنجيل في شواهد كثيرة للغاية معنى الصليب وأهميته وحدوثه، كما تم دفن المسيح، وقيامته من الموت؟
وما قيمة إنكار القرآن لبنوّة المسيح التناسلية، الأمر الذي ينكره الإنجيل أيضاً (الأنعام ٦: ١٠٢) بينما لم يحاول القرآن أبداً أن يعلن المفهوم الإنجيلي لشخصية المسيح كابن لله بمعنى روحي معنوي؟ ألا يدرك الإنسان عند قراءة القرآن أن المسيحيين يؤمنون بثلاثة آلهة (النساء ٤: ١٧١ والمائدة ٥: ٧٣ ، ١١٦) وهكذا تختلف فكرة المسلم عن فكرة المسيحي الذي يدرس عقيدة التثليث كما جاءت في الكتاب المقدس؟
ومن الأسئلة التي شغلتني كثيراً ولم أجد لها جواباً، السؤال: إذا كان اتفاق القرآن والكتاب المقدس في بعض القصص التاريخية يعني أنهما من أصل واحد، فماذا يعني احتواء القرآن على قصص وحكايات لا ذكر لها إلا في بعض كتب البوذيين واليهود، مما لا صلة له بالواقع والتاريخ والوحي؟! من ذلك قصة إلقاء إبراهيم في النار، وقصة عرش الملكة بلقيس ملكة سبأ، وحكاية السامري وموسى وهارون وصناعة العجل المذهَّب، وحديث المسيح في المهد، وقصة سكن مريم في هيكل الرب، وقصة معراج محمد وأصحاب الكهف... الخ.
ولماذا
يقول المسلمون: إن القرآن يحتوي على كل ما يحتاج الإنسان أن يعرفه من
الكتب الموجودة قبله، مع أن القرآن لا يذكر كثيرين من أنبياء التوراة؟ هل
يقصد القرآن أن الأنبياء مثل إشعياء وإرميا وحزقيال وهوشع وعاموس وميخا
وغيرهم (ممن لا يذكرهم القرآن) هم غير ذي فائدة لنا نحن اليوم، ولذلك أغفل
ذكرهم؟ وكيف نكرم الأنبياء ونحن نغفل ذكر أسمائهم ورسالتهم؟ أليس عندهم ما
يعلّمونه لنا اليوم عن الله والتاريخ والبشر؟ وإن كنا لا نحتاج من
المعلومات إلا القليل، فلماذا يذكر القرآن مواعظ بعض الأنبياء، ثم يكرر
ذكرها عدة مرات؟
ثم ماذا عن السيد المسيح الذي يقدم الكتاب المقدس لنا الكثير عن تعليمه عن الله، والجار، ويقدم لنا أمثاله عن ملكوت الله، ومعجزاته الكثيرة، وأحاديثه مع تلاميذه، بينما يغفل القرآن ذكر مَثَل السامري الصالح والابن الضال؟ هل يمكن أن نغفل مثل هذه الأمثال الجميلة ولا نسمعها؟ وهل يمكن أن نستغني عن تعاليم المسيح عن التواضع والمحبة؟
استمع لهذه الكلمات الرائعة عن المحبة:
«إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ ٱلنَّاسِ وَٱلْمَلاَئِكَةِ وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ ٱلأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ ٱلإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ ٱلْجِبَالَ، وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئاً. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً. ٱلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. ٱلْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ ٱلسُّوءَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِٱلإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِٱلْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً. وَأَمَّا ٱلنُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَٱلأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَٱلْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. أَمَّا ٱلآنَ فَيَثْبُتُ ٱلإِيمَانُ وَٱلرَّجَاءُ وَٱلْمَحَبَّةُ، هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةُ وَلٰكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ ٱلْمَحَبَّةُ» (١ كورنثوس ١٣: ١ - ٨ ، ١٣).
هل يمكن أن كلاماً كهذا يكون قد نُسخ؟ هل يمكن أن تكون مثل هذه الكلمات التي يحتاجها البشر عن المحبة رُفعت إلى السماء؟ ألا يحتاج الناس بعد إليها؟ أليس غريباً أن يكون المسيحيون منافقين، يغيّرون إنجيلهم، ثم يتركون مثل هذه الترنيمة الرائعة عن المحبة، وهي التي تذكّرهم بضرورة المحبة لله وللناس؟ وهل يوجد في القرآن مثل هذه الكلمات عن المحبة، أو مثل معانيها؟ لقد أثارت هذه الأسئلة الكثيرة تفكيري باستمرار.
ثم ماذا عن السيد المسيح الذي يقدم الكتاب المقدس لنا الكثير عن تعليمه عن الله، والجار، ويقدم لنا أمثاله عن ملكوت الله، ومعجزاته الكثيرة، وأحاديثه مع تلاميذه، بينما يغفل القرآن ذكر مَثَل السامري الصالح والابن الضال؟ هل يمكن أن نغفل مثل هذه الأمثال الجميلة ولا نسمعها؟ وهل يمكن أن نستغني عن تعاليم المسيح عن التواضع والمحبة؟
استمع لهذه الكلمات الرائعة عن المحبة:
«إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ ٱلنَّاسِ وَٱلْمَلاَئِكَةِ وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ ٱلأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ ٱلإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ ٱلْجِبَالَ، وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئاً. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً. ٱلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. ٱلْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ ٱلسُّوءَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِٱلإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِٱلْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً. وَأَمَّا ٱلنُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَٱلأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَٱلْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. أَمَّا ٱلآنَ فَيَثْبُتُ ٱلإِيمَانُ وَٱلرَّجَاءُ وَٱلْمَحَبَّةُ، هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةُ وَلٰكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ ٱلْمَحَبَّةُ» (١ كورنثوس ١٣: ١ - ٨ ، ١٣).
هل يمكن أن كلاماً كهذا يكون قد نُسخ؟ هل يمكن أن تكون مثل هذه الكلمات التي يحتاجها البشر عن المحبة رُفعت إلى السماء؟ ألا يحتاج الناس بعد إليها؟ أليس غريباً أن يكون المسيحيون منافقين، يغيّرون إنجيلهم، ثم يتركون مثل هذه الترنيمة الرائعة عن المحبة، وهي التي تذكّرهم بضرورة المحبة لله وللناس؟ وهل يوجد في القرآن مثل هذه الكلمات عن المحبة، أو مثل معانيها؟ لقد أثارت هذه الأسئلة الكثيرة تفكيري باستمرار.
كل
من يقرأ القرآن يرى ادّعاءاته الواضحة. فهو كلمة الله، ولا تبديل لكلمات
الله (يونس ١٠: ٦٥). وقد أنزله الله إلى محمد ليُخرج الناس من الظلمات إلى
النور (إبراهيم ١٤: ١) ولا يأتيه الباطل ولا العوج، وليس فيه أي اختلاف
(فصلت ٤١: ٤٢ والزمر ٣٩: ٢٨ والنساء ٤: ٨٢) ولئن اجتمعت الإنس والجن على أن
يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله (الإسراء ١٧: ٨٨). ويبشر المؤمنين
الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً (الكهف ١٨: ٢).
ولكن هل يؤيد تاريخ القرآن وطبيعته ومحتواه صدق هذه الادّعاءات؟
أذكر هنا بعض الصعوبات التي واجهتني. لم أجد في القرآن تسلسلاً تاريخياً، ولم أجد زمن أو مكان حدوث أية حادثة. إن به متناقضات تاريخية، وتجد أحياناً أن التسلسل التاريخي غير صحيح.
وجعلت أدرس الأحاديث عن كيف جُمع القرآن أيام عثمان، الخليفة الإسلامي الثالث. وسألت نفسي إن كان القرآن الموجود بين أيدينا اليوم هو نفس القرآن الذي أُنزل على محمد، خصوصاً وأن عثمان أعدم كل النسخ التي سبقت النسخة التي وافق عليها من القرآن. وبالرغم من أن نُسخ القرآن السابقة لعثمان قد دُمرت (كما ذكرنا) إلا أن بعض الصحابة أخذوا ينتقدون عثمان على ما أسقط من القرآن. ولقد وجدت أن للقرآن قراءات كثيرة مختلفة حتى قيل تبريراً لذلك إنه نزل على سبعة أحرف. وقد وافق محمد على عدة قراءات متناقضة للقرآن، وقال إنها كلها صحيحة رغم تعارضها بعضها مع بعض. ولقد وجدت أن تقديم هذه الأسئلة لأصدقائي يثير حماستهم العاطفية ضدي، ولا يلقي أضواءً عقلانية تنير لي طريق بحثي.
ولكن هل يؤيد تاريخ القرآن وطبيعته ومحتواه صدق هذه الادّعاءات؟
أذكر هنا بعض الصعوبات التي واجهتني. لم أجد في القرآن تسلسلاً تاريخياً، ولم أجد زمن أو مكان حدوث أية حادثة. إن به متناقضات تاريخية، وتجد أحياناً أن التسلسل التاريخي غير صحيح.
وجعلت أدرس الأحاديث عن كيف جُمع القرآن أيام عثمان، الخليفة الإسلامي الثالث. وسألت نفسي إن كان القرآن الموجود بين أيدينا اليوم هو نفس القرآن الذي أُنزل على محمد، خصوصاً وأن عثمان أعدم كل النسخ التي سبقت النسخة التي وافق عليها من القرآن. وبالرغم من أن نُسخ القرآن السابقة لعثمان قد دُمرت (كما ذكرنا) إلا أن بعض الصحابة أخذوا ينتقدون عثمان على ما أسقط من القرآن. ولقد وجدت أن للقرآن قراءات كثيرة مختلفة حتى قيل تبريراً لذلك إنه نزل على سبعة أحرف. وقد وافق محمد على عدة قراءات متناقضة للقرآن، وقال إنها كلها صحيحة رغم تعارضها بعضها مع بعض. ولقد وجدت أن تقديم هذه الأسئلة لأصدقائي يثير حماستهم العاطفية ضدي، ولا يلقي أضواءً عقلانية تنير لي طريق بحثي.
وحيَّرتني
مشكلة الناسخ والمنسوخ في القرآن، ووجدت كثيرين من المسلمين المعاصرين
يحاولون أن يفسروا النظرية القديمة للناسخ والمنسوخ ليحلّوا مشاكل تعترض
تفكيرهم بخصوص القرآن. قال البعض: إن القرآن ناسخ ينسخ الإعلانات الإلهية
التي سبقته، مع أن القرآن لا يقول هذا مطلقاً. ولكن ما ورد فيه من ناسخ
ومنسوخ إنما يختص بالآيات القرآنية وحدها. فيقول القرآن لمحمد:
«سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ» (سورة الأعلى ٨٧: ٦ ، ٧).
«مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ
أَنَّ ٱللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (سورة البقرة ٢: ١٠٦).
«وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً
مَكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ
مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» (سورة النحل ١٦: ١٠١).
ولقد اعترف مفسرو القرآن الأولون بالصعوبات التي واجهتهم في موضوع الناسخ والمنسوخ. ولكني جعلت أسأل نفسي: هل يمكن أن تتغير كلمات الله الذي لا تغيير عنده؟ علماً بأن القرآن ليس واضحاً في شرح موضوع الناسخ والمنسوخ، فهو لا يخبرنا أية آية هي الناسخة، ولا أية آية هي المنسوخة. لذلك قام الفقهاء المسلمون بعمل قوائم بالآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن.
ولقد اعترف مفسرو القرآن الأولون بالصعوبات التي واجهتهم في موضوع الناسخ والمنسوخ. ولكني جعلت أسأل نفسي: هل يمكن أن تتغير كلمات الله الذي لا تغيير عنده؟ علماً بأن القرآن ليس واضحاً في شرح موضوع الناسخ والمنسوخ، فهو لا يخبرنا أية آية هي الناسخة، ولا أية آية هي المنسوخة. لذلك قام الفقهاء المسلمون بعمل قوائم بالآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن.
وتبرز
صعوبة الناسخ والمنسوخ في الآيات القرآنية عندما نجيء إلى عدم الإكراه في
الدين، ثم استخدام السيف لنشر الدين. واندهشت من التفاسير المختلفة التي
قدمها فقهاء الإسلام في ذلك. فماذا يعني القرآن عندما يقول:
«لا إكراه في الدين»
(قارن البقرة ٢: ٢٥٦ ويونس ١٠: ١٠٠) هذه الآية تناقضها الآيات التي تقول
إن الدين عند الله الإسلام، وإن الله يرفض كل ما عدا ذلك (آل عمران ٣: ٨٥
والبقرة ٢: ١٦١ ، ١٦٢). ولماذا كانت هناك حملات حربية ضد القوافل المسافرة
من مكة وإليها؟ ولماذا طُرد اليهود من المدينة؟ ولماذا الإشارة المستمرة
إلى الجهاد؟ أليس دفع السيئة بالتي هي أحسن طريقة أفضل؟ (المؤمنون ٢٣: ٩٦).
فإن القرآن يقول:
«فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ» (سورة المائدة ٥: ١٣). ألا يكون الجهاد إذاً ناسخاً لهذه الآيات المتسامحة مع غير المسلمين.
ويحاول بعض المسلمين أن يخففوا هذا التناقض بقولهم: إن الإسلام يعلّم الجهاد للدفاع عن النفس. ولكن آيات القرآن تقول غير ذلك. فماذا عساهم يقولون في الآيات التالية: «فَٱقْتُلُوا ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُا ٱلزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَاتِلُوا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا ٱلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (سورة التوبة ٩: ٥، ٢٩، ٣٠). وبماذا يفسرون قول القرآن: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» (سورة الأنفال ٨: ٣٩).
فهل يحل الناسخ والمنسوخ مشكلة التناقض بين هذه الآيات القرآنية؟ وإن كان هناك ناسخ ومنسوخ، فأية آيات تنسخ الآخرى؟ هل آيات التسامح تنسخ آيات الحرب أم العكس؟ لقد ذكرنا أن رجال الدين المسلمين وضعوا قوائم بالناسخ والمنسوخ - لكن ماذا لو أن قوائمهم كانت خاطئة؟
لقد صدمتني هذه الآيات المتناقضة كثيراً، فكيف يمكن أن تتواجد معاً وهي متناقضة في اللوح المحفوظ من قبل خلق العالم؟ غير أني وجدت أن انتشار الإسلام السريع في العالم بُني على آيات الحرب والجهاد.
ويحاول بعض المسلمين أن يخففوا هذا التناقض بقولهم: إن الإسلام يعلّم الجهاد للدفاع عن النفس. ولكن آيات القرآن تقول غير ذلك. فماذا عساهم يقولون في الآيات التالية: «فَٱقْتُلُوا ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُا ٱلزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَاتِلُوا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا ٱلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (سورة التوبة ٩: ٥، ٢٩، ٣٠). وبماذا يفسرون قول القرآن: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» (سورة الأنفال ٨: ٣٩).
فهل يحل الناسخ والمنسوخ مشكلة التناقض بين هذه الآيات القرآنية؟ وإن كان هناك ناسخ ومنسوخ، فأية آيات تنسخ الآخرى؟ هل آيات التسامح تنسخ آيات الحرب أم العكس؟ لقد ذكرنا أن رجال الدين المسلمين وضعوا قوائم بالناسخ والمنسوخ - لكن ماذا لو أن قوائمهم كانت خاطئة؟
لقد صدمتني هذه الآيات المتناقضة كثيراً، فكيف يمكن أن تتواجد معاً وهي متناقضة في اللوح المحفوظ من قبل خلق العالم؟ غير أني وجدت أن انتشار الإسلام السريع في العالم بُني على آيات الحرب والجهاد.
لقد
تساءلت عن صحة الادعاءات القرآنية. هل الإيمان الإسلامي صادق، وهل يصلح أن
يكون القرآن هو المصدر الرئيسي للعقيدة لكل البشر في كل زمان؟ إن آيات
السيف تناقض آيات الإنجيل المقدس مناقضة تامة. لنقرأ مثلاً:
«وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً. بِهٰذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ» (يوحنا ١٣: ٣٤، ٣٥). «إِنْ أَحْبَبْتُمُ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ ٱلْخُطَاةَ أَيْضاً يُحِبُّونَ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى ٱلَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ ٱلْخُطَاةَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هٰكَذَا. وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ ٱلَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ ٱلْخُطَاةَ أَيْضاً يُقْرِضُونَ ٱلْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ ٱلْمِثْلَ. بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئاً، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيماً وَتَكُونُوا بَنِي ٱلْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ ٱلشَّاكِرِينَ وَٱلأَشْرَارِ. فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ» (لوقا ٦: ٣٢ - ٣٦).
«بَارِكُوا عَلَى ٱلَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا. فَرَحاً مَعَ ٱلْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ ٱلْبَاكِينَ. مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ ٱهْتِمَاماً وَاحِداً، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِٱلأُمُورِ ٱلْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ. لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِيَ ٱلنَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُّوُكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَٱسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هٰذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ. لاَ يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ» (رومية ١٢: ١٤ - ٢١).
أين هذه التعاليم من قول القرآن:
«لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ» (سورة المجادلة ٥٨: ٢٢).
«يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» (سورة المائدة ٥: ٥١).
فهل يظن المسلمون أن آيات الإنجيل هذه، التي تعلّم عن التسامح لا قيمة لها اليوم، وأنها نُسخت؟ وهل قرأ المسلمون هذه الآيات وفكروا في معانيها قبل أن يرفضوها باعتبار أنها منسوخة؟
«وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً. بِهٰذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ» (يوحنا ١٣: ٣٤، ٣٥). «إِنْ أَحْبَبْتُمُ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ ٱلْخُطَاةَ أَيْضاً يُحِبُّونَ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى ٱلَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ ٱلْخُطَاةَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هٰكَذَا. وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ ٱلَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ ٱلْخُطَاةَ أَيْضاً يُقْرِضُونَ ٱلْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ ٱلْمِثْلَ. بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئاً، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيماً وَتَكُونُوا بَنِي ٱلْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ ٱلشَّاكِرِينَ وَٱلأَشْرَارِ. فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ» (لوقا ٦: ٣٢ - ٣٦).
«بَارِكُوا عَلَى ٱلَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا. فَرَحاً مَعَ ٱلْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ ٱلْبَاكِينَ. مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ ٱهْتِمَاماً وَاحِداً، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِٱلأُمُورِ ٱلْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ. لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِيَ ٱلنَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُّوُكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَٱسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هٰذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ. لاَ يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ» (رومية ١٢: ١٤ - ٢١).
أين هذه التعاليم من قول القرآن:
«لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ» (سورة المجادلة ٥٨: ٢٢).
«يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» (سورة المائدة ٥: ٥١).
فهل يظن المسلمون أن آيات الإنجيل هذه، التي تعلّم عن التسامح لا قيمة لها اليوم، وأنها نُسخت؟ وهل قرأ المسلمون هذه الآيات وفكروا في معانيها قبل أن يرفضوها باعتبار أنها منسوخة؟
تموت
المعتقدات ببطء وبصعوبة، حتى لو لم يكن الإنسان يحيا بحسب معتقداته.
وعندما يحس الإنسان بالتهديد تموت عقائده بصعوبة أكبر. لكن هل كان كتبة
الآيات التي اقتبستها هنا من الإنجيل مصدر تهديد لإيماني، حتى أعتبر أنهم
أعدائي؟ لقد صارت عندي تحفُّظات حول ما يدَّعيه القرآن لنفسه. لم أكن قد
وصلت بعد إلى المرحلة التي فيها أتَّفق مع أهل مكة في مقاومتهم للقرآن
وللرسالة المحمدية. تلك الانتقادات التي ذكرها القرآن وأجاب عليها. لم أكن
مستريحاً للتناقض بين الكتاب المقدس والقرآن، ولا لادّعاء القرآن أنه يحوي
كل ما في الكتاب المقدس. كما لم أكن مستريحاً لطريقة جمع القرآن وتكوينه،
ولا لمسألة الناسخ والمنسوخ، ولا لمسألة الأمر بالجهاد والاعتراض عليه، رغم
أن الجهاد أصبح واقعاً حربياً للأمة الإسلامية. وقد أدت هذه التحفُّظات
إلى اهتزاز إيماني بالقرآن وما ادّعاه محمد.
ولم تساعدني الأحاديث في شيء. صحيح أن الإسلام يعتمد الحديث كمصدر أساسي لتفسير القرآن، وصحيح أن في الحديث منطقاً تاريخياً. ولكني ذُهلت أن كثيرين من المسلمين المتعلمين يرفضون بعض الأحاديث! وهذا زاد شكي في القرآن نفسه. وبدا غريباً لي أن الأحاديث التي تُعتبر لازمة ولا غنى عنها لفهم القرآن، تقدم نفس الادّعاء الذي يقوله القرآن عن تفرُّد القرآن وكفايته.
واعترضتني مشكلة كبيرة تعترض الناس جميعاً حينما يعتقدون أن الله قدوس، وأن وصاياه صالحة - عبَّر عنها نبي الله داود بالقول: «إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ ٱلآثَامَ يَا رَبُّ يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟» (مزمور ١٣٠: ٣). ولقد عبَّر الشاعر غالب الفارسي في قصيدة باللغة الأردية عن صرخة صاحب المزمور، التي هي صرخة كل إنسان، وصرختي أنا، فقال: «إني أتذكر ندوب وآثار جراحات الرغبات التي لم تتحقق. آه يا الله! لا تطالبني بسجلّ خطاياي!».
أليست نعمة الله هي العلاج الوحيد لخطية الإنسان؟
ولم تساعدني الأحاديث في شيء. صحيح أن الإسلام يعتمد الحديث كمصدر أساسي لتفسير القرآن، وصحيح أن في الحديث منطقاً تاريخياً. ولكني ذُهلت أن كثيرين من المسلمين المتعلمين يرفضون بعض الأحاديث! وهذا زاد شكي في القرآن نفسه. وبدا غريباً لي أن الأحاديث التي تُعتبر لازمة ولا غنى عنها لفهم القرآن، تقدم نفس الادّعاء الذي يقوله القرآن عن تفرُّد القرآن وكفايته.
واعترضتني مشكلة كبيرة تعترض الناس جميعاً حينما يعتقدون أن الله قدوس، وأن وصاياه صالحة - عبَّر عنها نبي الله داود بالقول: «إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ ٱلآثَامَ يَا رَبُّ يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟» (مزمور ١٣٠: ٣). ولقد عبَّر الشاعر غالب الفارسي في قصيدة باللغة الأردية عن صرخة صاحب المزمور، التي هي صرخة كل إنسان، وصرختي أنا، فقال: «إني أتذكر ندوب وآثار جراحات الرغبات التي لم تتحقق. آه يا الله! لا تطالبني بسجلّ خطاياي!».
أليست نعمة الله هي العلاج الوحيد لخطية الإنسان؟
ليست هناك تعليقات: