أكان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته
٥ - أكان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته؟ (الجواب بنعم يحتاج إلى إثبات).
نعم، كان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته. وهذا ثابت في شهادتهم المدونة في أسفارهم الموحى بها من الله:- المزمور الثاني إذ يقول للملوك وقضاة الأرض: «فَٱلآنَ يَا أَيُّهَا ٱلْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ ٱلأَرْضِ. ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ بِخَوْفٍ وَٱهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا ٱلٱبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ ٱلطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ» (مزمور ٢: ١٠ - ١٢). فداود هنا لم يوص بالتعبد له فقط، بل أيضاً طوب جميع المتكلين عليه، علماً بأن الكتاب المقدس صرح باللعنة على كل من يتكل على الإنسان.
- المزمور ١١٠، إذ يقول: «قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مزمور ١١٠: ١). وقد استشهد المسيح نفسه بهذه العبارات في حواره مع رجال الدين اليهود، إذ سألهم قائلاً: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي ٱلْمَسِيحِ؟ ٱبْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ٱبْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِٱلرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟» (متّى ٢٢: ٤٣ - ٤٥).
- إذ يقول «فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ ٱلرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْداً» (إشعياء ٤: ٢). والغصن في لغة الكتاب المقدس يشير إلى المسيح. وقد كان عند الأنبياء اصطلاح على تلقيب المسيح بالغصن. بدليل قول إرميا النبي: «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي ٱلأَرْضِ» (إرميا ٢٣: ٥). وقول زكريا النبي: «هُوَذَا ٱلرَّجُلُ «ٱلْغُصْنُ» ٱسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ ٱلرَّبِّ» (زكريا ٦: ١٢).
- إذ يقول: «فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُّزِيَّا ٱلْمَلِكِ رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ ٱلْهَيْكَلَ. ٱلسَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَٱثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ» (إشعياء ٦: ١ - ٣). وكلام النبي هنا كان عن يسوع المسيح بدليل قول الإنجيل: «قَالَ إِشَعْيَاءُ هٰذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ» (يوحنا ١٢: ٤١).
- «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (إشعياء ٩: ٦).
إذ يقول:
«هَا أَيَّامٌ تَأْتِي
يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ
وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي ٱلأَرْضِ... وَهٰذَا هُوَ
ٱسْمُهُ ٱلَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا» (وفي العبرية «يهوه برنا») (إرميا ٢٣: ٥ - ٦).
- إذ يقول: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى ٱللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ» (دانيال ٧: ١٣ - ١٤).
- إذ يقول: «سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ ٱلْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ ٱلْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ ٱلْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ ٱلإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِٱلْبِرِّ ٱلأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ ٱلرُّؤْيَا وَٱلنُّبُّوَةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ ٱلْقُدُّوسِينَ. فَٱعْلَمْ وَٱفْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ ٱلأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَٱثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ ٱلأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ ٱثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْقُدْسَ، وَٱنْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى ٱلنِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْداً مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ ٱلأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ ٱلذَّبِيحَةَ وَٱلتَّقْدِمَةَ» (دانيال ٩: ٢٤ - ٢٧).
إذ يقول:
«أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ
لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ
يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى
إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا ٥: ٢).
فهنا نبوة عن تجسد الرب يسوع وولادته في بيت لحم وشهادة بأزليته. ومخارجه تعني ظهورات الأقنوم الثاني منذ القديم كظهوره في ملاك العهد لإبراهيم (تكوين ١٨) ولموسى (خروج ٣) وليشوع (يشوع ١٣) ولجدعون (قضاة ٦) ولمنوح (قضاة ١٣) فالمسيح أزلي بأزلية الله (انظر يوحنا ١: ١ - ٢).
فهنا نبوة عن تجسد الرب يسوع وولادته في بيت لحم وشهادة بأزليته. ومخارجه تعني ظهورات الأقنوم الثاني منذ القديم كظهوره في ملاك العهد لإبراهيم (تكوين ١٨) ولموسى (خروج ٣) وليشوع (يشوع ١٣) ولجدعون (قضاة ٦) ولمنوح (قضاة ١٣) فالمسيح أزلي بأزلية الله (انظر يوحنا ١: ١ - ٢).
إذ يقول:
«هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي
فَيُهَيِّئُ ٱلطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ
ٱلسَّيِّدُ ٱلَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَمَلاَكُ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي تُسَرُّونَ
بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ
مَجِيئِهِ، وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟» (ملاخي ٣: ١ - ٢).
هذه الآيات المجيدة نبوءة بمجيء يوحنا المعمدان سابق المسيح، ليهيء الطريق قدامه. وهو الذي كرز وقال للشعب، توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات. وملاك العهد هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس وقد سمى بملاك العهد. لأن المواعيد الإلهية للشعب قد تمت فيه. وهو وسيط العهد الجديد أيضاً (عبرانيين ٩: ١٥).
يتبين مما تقدم أن أنبياء العهد القديم كانوا يؤمنون بلاهوت المسيح، وأن أسفارهم تصرح بمجيء شخص إلهي، لابساً طبيعة البشر، ليخلص العالم. وأن ذلك الشخص يكون من نسل المرأة، ومن ذرية إبراهيم، ومن سبط يهوذا، ومن بيت داود. مولوداً من عذراء. وأنه يجعل نفسه تقدمة ليرفع خطية العالم ولنا دليل قاطع على أن ملاك العهد هو الأقنوم الثاني لله، وقد لقب في العهد القديم بملاك يهوه، وإلوهيم، والله، هو المسيح المذكور في العهد الجديد، والذي أتى بعد يوحنا المعمدان. وقد تنبأ عنه إشعياء النبي قائلاً: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. قَّوِمُوا فِي ٱلْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا... فَيُعْلَنُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ» (إشعياء ٤٠: ٣ - ٥).
وإذا نظرنا إلى العهد الجديد، نرى أن الذي يعد الطريق هو يوحنا المعمدان، وأن الآتي الذي عبر عنه إشعياء بلفظة إلهنا هو المسيح. وأن السيد الرب الذي يأتي إلى هيكله هو المسيح (متى ١١: ١٠، مرقس ١: ٢، لوقا ١: ٧٦ و٧: ٢٧).
هذه الآيات المجيدة نبوءة بمجيء يوحنا المعمدان سابق المسيح، ليهيء الطريق قدامه. وهو الذي كرز وقال للشعب، توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات. وملاك العهد هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس وقد سمى بملاك العهد. لأن المواعيد الإلهية للشعب قد تمت فيه. وهو وسيط العهد الجديد أيضاً (عبرانيين ٩: ١٥).
يتبين مما تقدم أن أنبياء العهد القديم كانوا يؤمنون بلاهوت المسيح، وأن أسفارهم تصرح بمجيء شخص إلهي، لابساً طبيعة البشر، ليخلص العالم. وأن ذلك الشخص يكون من نسل المرأة، ومن ذرية إبراهيم، ومن سبط يهوذا، ومن بيت داود. مولوداً من عذراء. وأنه يجعل نفسه تقدمة ليرفع خطية العالم ولنا دليل قاطع على أن ملاك العهد هو الأقنوم الثاني لله، وقد لقب في العهد القديم بملاك يهوه، وإلوهيم، والله، هو المسيح المذكور في العهد الجديد، والذي أتى بعد يوحنا المعمدان. وقد تنبأ عنه إشعياء النبي قائلاً: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. قَّوِمُوا فِي ٱلْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا... فَيُعْلَنُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ» (إشعياء ٤٠: ٣ - ٥).
وإذا نظرنا إلى العهد الجديد، نرى أن الذي يعد الطريق هو يوحنا المعمدان، وأن الآتي الذي عبر عنه إشعياء بلفظة إلهنا هو المسيح. وأن السيد الرب الذي يأتي إلى هيكله هو المسيح (متى ١١: ١٠، مرقس ١: ٢، لوقا ١: ٧٦ و٧: ٢٧).
هذا
السؤال يعود بنا إلى موضوع الكفّارة. لأن لا خلاص بدون كفّارة عن الخطايا
السالفة. والمعلوم أن كلمة كفّارة، تعني الستر أو التغطية، وهي في المسيحية
عمل المسيح بطاعته الكاملة، لأجل خلاص البشر من لعنة الناموس ومصالحتهم مع
الله بدمه، الذي أريق على الصليب.
ويصح أن ننظر إلى كفاءة المسيح من أوجه متعددة. باعتبار نسبتها إلى الله من جهة محبته وقداسته وعدله، وباعتبار نسبتها إلى الإنسان من جهة فعلها فيه ولأجله. لذلك قيل أن كفّارة المسيح تكفير عن خطية الإنسان، وأنها تعبير واضح عن فعل ذبيحة المسيح في خلاص الخطاة من لعنة الناموس ورفع الدينونة عنهم. وقيل أيضاً أن كفّارة المسيح ترضية لله وإيفاء لعدله. أي واسطة لإرضائه واستعطافه. وهذا تعبير عن مفعول ذبيحة المسيح في إزالة غضب الله، وعن رضاه بقبول الخاطي للمصالحة. وقيل أن الكفّارة هي ستر النفس المذنبة بدم المسيح حتى لا يطالب المذنب بالقصاص. لان القصاص رفع عنه بوضعه على المسيح، الذي ذُبح لأجلنا. وهذا ما أشار إليه الرسول يوحنا بقوله: «فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (١ يوحنا ٤: ١٠). وقيل أن الكفّارة فتحت باب المصالحة بين الله والإنسان، بدون إهانة ناموس الله المقدس. وهذا ما عناه بولس بقوله: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ» (٢ كورنثوس ٥: ١٩).
ويعبر عن فداء يسوع في لغة الكتاب المقدس بكلمة «نعمة» لأن الآب السماوي لم يكن مضطراً، لأن يقدم ذبيحة عن البشر الخطاة. وكذلك الابن لم يكن مجبراً لأن يتجسد ويأخذ الفداء على عاتقه. وإنما اللاهوت الكامل، لأجل محبته الكثيرة وغناه في الرحمة، أوقف عقاب الناموس، وقبل الآلام النيابية، التي تجرعها الابن المتجسد باختياره، عوضاً عن الخاطئ.
وقد أعلن الرب يسوع هذه الحقيقة، حين قال: «وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ ٱلْخِرَافِ... لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا ١٠: ١٥ و١٥: ١٣).
فبهذه العبارات عبر له المجد عن السبب الذي لأجله ارتضى وهو القدوس الحق، أن يأخذ جسداً، ويتألم ويحمل خطايانا في جسده على الصليب.
وقد أوضح الرسول بولس لزوم الآلام النيابية في رسالته إلى الرومانيين إذ قال: «لأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِٱلْجَسَدِ، فَٱللّٰهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية ٨: ٣ - ٤). أي أن الموت الأبدي، الذي كان سيقع علينا ونفذ فينا أجرة للخطية، أخذه يسوع عنا بالنيابة، وفقاً للقول النبوي «تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء ٥٣: ٥).
نسمع كثيرين يقولون أن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. ولكن هذا لا يتفق مع صدق الله في وعيده وعدله في أحكامه التي تحتم ذبيحة كفّارة للغفران. وقد عرف هذا الوجوب منذ البدء. إذ يتراءى لنا خيط قرمزي يخترق صفحات الكتاب المقدس، وهو يقطر دماً ويصرخ في كل جيل قائلاً بدون سفك دم لا تحصل مغفرة».
في الحقيقة أن الله لكونه كاملاً في كل صفاته، لا يصح لمشيئته أن تغفر للإنسان ذنوبه على حساب حقه وعدله، الذي قال: «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال ١٨: ٢٠). وإذا غفر الله لنفس خاطئة، وجب أن يكون هناك سبب للغفران، سبب يكون فيه ترضية لكمال الله في العدل. وهذه الترضية كما تقدم كانت تتم في العهد القديم بالذبائح الدموية، التي ترمز إلى المسيح أما في العهد الجديد فبذبيحة المسيح الذي أكمل كل بر.
ومن خصائص ذبيحة المسيح أنها ليست فقط ترفع الخطية عن الإنسان، بل هي أيضاً تشفيه من الخطيئة كمرض أدبي.
لأن من يقبل المسيح المصلوب تتجدد حياته، ويصير يرى فعل الخطيئة الرهيب وعقوبتها المخيفة، فلا يقدم عليها ومن هنا انطلقت كلمة الرسول: «كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ» (١ يوحنا ٣: ٩).
ويصح أن ننظر إلى كفاءة المسيح من أوجه متعددة. باعتبار نسبتها إلى الله من جهة محبته وقداسته وعدله، وباعتبار نسبتها إلى الإنسان من جهة فعلها فيه ولأجله. لذلك قيل أن كفّارة المسيح تكفير عن خطية الإنسان، وأنها تعبير واضح عن فعل ذبيحة المسيح في خلاص الخطاة من لعنة الناموس ورفع الدينونة عنهم. وقيل أيضاً أن كفّارة المسيح ترضية لله وإيفاء لعدله. أي واسطة لإرضائه واستعطافه. وهذا تعبير عن مفعول ذبيحة المسيح في إزالة غضب الله، وعن رضاه بقبول الخاطي للمصالحة. وقيل أن الكفّارة هي ستر النفس المذنبة بدم المسيح حتى لا يطالب المذنب بالقصاص. لان القصاص رفع عنه بوضعه على المسيح، الذي ذُبح لأجلنا. وهذا ما أشار إليه الرسول يوحنا بقوله: «فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (١ يوحنا ٤: ١٠). وقيل أن الكفّارة فتحت باب المصالحة بين الله والإنسان، بدون إهانة ناموس الله المقدس. وهذا ما عناه بولس بقوله: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ» (٢ كورنثوس ٥: ١٩).
ويعبر عن فداء يسوع في لغة الكتاب المقدس بكلمة «نعمة» لأن الآب السماوي لم يكن مضطراً، لأن يقدم ذبيحة عن البشر الخطاة. وكذلك الابن لم يكن مجبراً لأن يتجسد ويأخذ الفداء على عاتقه. وإنما اللاهوت الكامل، لأجل محبته الكثيرة وغناه في الرحمة، أوقف عقاب الناموس، وقبل الآلام النيابية، التي تجرعها الابن المتجسد باختياره، عوضاً عن الخاطئ.
وقد أعلن الرب يسوع هذه الحقيقة، حين قال: «وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ ٱلْخِرَافِ... لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا ١٠: ١٥ و١٥: ١٣).
فبهذه العبارات عبر له المجد عن السبب الذي لأجله ارتضى وهو القدوس الحق، أن يأخذ جسداً، ويتألم ويحمل خطايانا في جسده على الصليب.
وقد أوضح الرسول بولس لزوم الآلام النيابية في رسالته إلى الرومانيين إذ قال: «لأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِٱلْجَسَدِ، فَٱللّٰهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية ٨: ٣ - ٤). أي أن الموت الأبدي، الذي كان سيقع علينا ونفذ فينا أجرة للخطية، أخذه يسوع عنا بالنيابة، وفقاً للقول النبوي «تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء ٥٣: ٥).
نسمع كثيرين يقولون أن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. ولكن هذا لا يتفق مع صدق الله في وعيده وعدله في أحكامه التي تحتم ذبيحة كفّارة للغفران. وقد عرف هذا الوجوب منذ البدء. إذ يتراءى لنا خيط قرمزي يخترق صفحات الكتاب المقدس، وهو يقطر دماً ويصرخ في كل جيل قائلاً بدون سفك دم لا تحصل مغفرة».
في الحقيقة أن الله لكونه كاملاً في كل صفاته، لا يصح لمشيئته أن تغفر للإنسان ذنوبه على حساب حقه وعدله، الذي قال: «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال ١٨: ٢٠). وإذا غفر الله لنفس خاطئة، وجب أن يكون هناك سبب للغفران، سبب يكون فيه ترضية لكمال الله في العدل. وهذه الترضية كما تقدم كانت تتم في العهد القديم بالذبائح الدموية، التي ترمز إلى المسيح أما في العهد الجديد فبذبيحة المسيح الذي أكمل كل بر.
ومن خصائص ذبيحة المسيح أنها ليست فقط ترفع الخطية عن الإنسان، بل هي أيضاً تشفيه من الخطيئة كمرض أدبي.
لأن من يقبل المسيح المصلوب تتجدد حياته، ويصير يرى فعل الخطيئة الرهيب وعقوبتها المخيفة، فلا يقدم عليها ومن هنا انطلقت كلمة الرسول: «كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ» (١ يوحنا ٣: ٩).
لم
يكن موسى جاهلاً وجود الأقانيم الثلاثة في وحدانية الله. ولم يخف ذلك، بل
صرح به في عدة أماكن من الأسفار الخمسة التي أوحي إليه بها والتي أطلق
عليها اسم التوراة منها:
إن أول آية كتبها موسى في سجلات الوحي هي القول: «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ (إلوهيم) ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (تكوين ١: ١). وكلمة إلوهيم كما جاءت في لغة التوراة وردت في صيغة الجمع. مما يدل على أن وحدانية الله جامعة.
وكتب موسى أيضاً: «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية ٦: ٤). ولفظة إلهنا في هذه الآية وردت في صيغة الجمع، مع العلم أن القصد منها بيان الوحدانية.
ومما يلفت الانتباه في هذا المقام هو أن الله استعمل ضمير الجمع لنفسه في آيات عديدة دوّنها لنا موسى في أسفاره منها قوله تعالى:
«نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين ١: ٢٦). وليس المقصود بقوله «عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» الصورة الجسدية بل الصورة العقلية الروحية.
«هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا» (تكوين ٣: ٢٢).
«هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ» (تكوين ١١: ٧).
فهذه الآيات تدل على أن الله واحد في الذات مثلث الأقانيم. ولعله من الأفضل قبل أن ندرس هذه العقيدة، أو نبحثها البحث الكتابي المجرد، أن نلم في شيء من الإفصاح بتاريخها في كنيسة المسيح، والأفكار التي تناولتها، حتى انتهت إلى وضعها النهائي الدائم غير المتغير.
كان المسيحيون في أيام الرسل، وحتى هلة القرن الميلادي الثاني، لا يفكرون في وضع صيغ معينة للعقائد المسيحية، إذ كانوا يمارسون مبادئ هذه العقائد، كما جاءت في الكتاب المقدس دون أن يضعوا لها شكلاً معيناً وحين كانت تعترضهم صعوبة أو مشكلة كانوا يرجعون إلى الرسل أنفسهم أو إلى تلاميذهم من بعدهم. ولكن ما أن انتشرت المسيحية في رحاب الدنيا وقامت بعض البدع، حتى باتت الحاجة ماسة إلى أن تقول الكنيسة المسيحية كلمتها الفاصلة وخصوصاً عندما انتشرت ضلالات آريوس وسباليوس، المخالفة للعقائد المسيحية في ما يختص بلاهوت الابن والروح القدس فقام رجال أعلام في الكنيسة، وفندوا آراء المبتدعين ومن أبرز أولئك الرجال القديس أثناسيوس، الذي قاوم تلك البدع وأصدر القانون الاثناسي المعروف تاريخياً أما صورة هذا القانون فهي كما يلي:
إن
خلاصة ما تقدم، هي أن الله واحد وإن كان في اللاهوت ثلاثة أقانيم الآب
والابن والروح القدس. أي جوهر واحد وثلاثة أقانيم غير أن الجوهر غير مقسوم.
فليس لكل من الأقانيم جزء خاص منه. بل لكل أقنوم كمال الجوهر الواحد نظير
الآخر. وإن ما بينهم من النسبة سر، لا يقدر العقل البشري أن يصل إليه. غير
أن لنا في الكتاب المقدس ما يوضحه وكل ما جاء من خارج الكتاب المقدس عن
الثالوث من أفكار فلسفية أو محاجات منطقية لم يكن إلا بسطاً أو عرضاً لما
جاء في الكتاب العزيز عن طريق القياس.
والمعروف تاريخياً أن المسيحيين القدماء، قاموا بدرس عقيدة الثالوث في ضوء كتب الوحي المقدسة، وآمنوا بها واستقروا عليها. ورسموا صورتها في قوانين الكنيسة. وأبرز هذه القوانين، قانون الإيمان النيقاوي. الآتي نصه:
أنا أؤمن بإله واحد. آب قادر على كل شيء، خالق السماء والأرض، وكل ما يُرى وما لا يُرى.
وبرب واحد يسوع المسيح. ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. إله من إله. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب. هو الذي به كان كل شيء. الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء. وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء. وصار إنساناً وصُلب على عهد بيلاطس البنطي. وتألم. وقُبر وقام أيضاً في اليوم الثالث. وصعد إلى السماء. وهو جالس عن يمين الآب. وسيأتي أيضاً بمجد ليدين الأحياء والاموات الذي ليس لملكه نهاية.
وأؤمن بالروح القدس. الرب المحيي المنبثق من الآب والابن. المسجود له والممجد مع الآب والابن. الذي تكلم بالأنبياء.
وأعتقد بكنيسة واحدة جامعة رسولية. وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا. وأنتظر قيامة الموتى، وحياة الدهر الآتي. آمين.
إن أول آية كتبها موسى في سجلات الوحي هي القول: «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ (إلوهيم) ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (تكوين ١: ١). وكلمة إلوهيم كما جاءت في لغة التوراة وردت في صيغة الجمع. مما يدل على أن وحدانية الله جامعة.
وكتب موسى أيضاً: «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية ٦: ٤). ولفظة إلهنا في هذه الآية وردت في صيغة الجمع، مع العلم أن القصد منها بيان الوحدانية.
ومما يلفت الانتباه في هذا المقام هو أن الله استعمل ضمير الجمع لنفسه في آيات عديدة دوّنها لنا موسى في أسفاره منها قوله تعالى:
«نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين ١: ٢٦). وليس المقصود بقوله «عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» الصورة الجسدية بل الصورة العقلية الروحية.
«هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا» (تكوين ٣: ٢٢).
«هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ» (تكوين ١١: ٧).
فهذه الآيات تدل على أن الله واحد في الذات مثلث الأقانيم. ولعله من الأفضل قبل أن ندرس هذه العقيدة، أو نبحثها البحث الكتابي المجرد، أن نلم في شيء من الإفصاح بتاريخها في كنيسة المسيح، والأفكار التي تناولتها، حتى انتهت إلى وضعها النهائي الدائم غير المتغير.
كان المسيحيون في أيام الرسل، وحتى هلة القرن الميلادي الثاني، لا يفكرون في وضع صيغ معينة للعقائد المسيحية، إذ كانوا يمارسون مبادئ هذه العقائد، كما جاءت في الكتاب المقدس دون أن يضعوا لها شكلاً معيناً وحين كانت تعترضهم صعوبة أو مشكلة كانوا يرجعون إلى الرسل أنفسهم أو إلى تلاميذهم من بعدهم. ولكن ما أن انتشرت المسيحية في رحاب الدنيا وقامت بعض البدع، حتى باتت الحاجة ماسة إلى أن تقول الكنيسة المسيحية كلمتها الفاصلة وخصوصاً عندما انتشرت ضلالات آريوس وسباليوس، المخالفة للعقائد المسيحية في ما يختص بلاهوت الابن والروح القدس فقام رجال أعلام في الكنيسة، وفندوا آراء المبتدعين ومن أبرز أولئك الرجال القديس أثناسيوس، الذي قاوم تلك البدع وأصدر القانون الاثناسي المعروف تاريخياً أما صورة هذا القانون فهي كما يلي:
- إن كل من ابتغى الخلاص وجب عليه قبل كل شيء أن يتمسك بالإيمان الجامع العام للكنيسة المسيحية.
- هذا الإيمان كل من لا يحفظه دون إفساد، يهلك هلاكاً أبدياً.
- إن هذا الإيمان الجامع هو أن نعبد إلهاً واحداً في ثالوث، وثالوثاً في توحيد.
- لا نمزج الأقانيم ولا نفصل الجوهر.
- إن للآب أقنوماً، وللابن أقنوماً، وللروح القدس أقنوماً.
- ولكن الآب والابن والروح القدس لاهوت واحد، ومجد متساو وجلال أبدي معاً.
- كما هو الآب، كذلك الابن، وكذلك الروح القدس.
- الآب عير مخلوق، والابن غير مخلوق، والروح القدس غير مخلوق.
- الآب غير محدود، والابن غير محدود، والروح القدس غير محدود.
- الآب سرمد، والابن سرمد، والروح القدس سرمد، ولكن ليسوا ثلاثة سرمديين، بل سرمد واحد.
- وكذلك ليسوا ثلاثة غير مخلوقين، ولا ثلاثة غير محدودين بل واحد غير مخلوق وواحد غير محدود.
- وكذلك الآب ضابط الكل، والابن ضابط الكل، والروح القدس ضابط الكل ولكن ليسوا ثلاثة ضابطي الكل، بل واحد ضابط الكل.
- وهكذا الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، ولكن ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد.
- وهكذا الآب رب، والابن رب، والروح القدس رب، ولكن ليسوا ثلاثة أرباب، بل رب واحد.
- وكما أن الحق المسيحي يكلفنا بأن نعترف بأن كلاً من هذه الأقانيم بذاته إله - ورب. كذلك الدين الجامع ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة ألهة وثلاثة أرباب.
- فالآب غير مصنوع من أحد، ولا مخلوق. ولا مولود والابن من الآب وحده غير مصنوع ولا مخلوق، بل مولود والروح القدس من الآب والابن، ليس بمصنوع، ولا مخلوق ولا مولود.
- فإذاً آب واحد لا ثلاثة آباء. وابن واحد لا ثلاثة أبناء. وروح قدس واحد لا ثلاثة أرواح قدس.
- وليس في هذا الثالوث من هو قبل غيره أو بعده ولا من هو أكبر منه ولا أصغر منه.
- ولكن جميع الأقانيم سرمديون معاً ومتساوون.
- ولذلك في جميع ما ذكر يجب أن نعبد الوحدانية في ثالوث. والثالوث في وحدانية.
- إذاً من شاء أن يخلص فعليه أن يتأكد هكذا في الثالوث.
- وأيضاً يلزم له الخلاص أن يؤمن كذلك بأمانة بتجسد ربنا يسوع المسيح.
- لأن الإيمان المستقيم هو أن نؤمن ونقر بأن ربنا يسوع المسيح هو ابن الله هو إله وإنسان.
- هو إله من جوهر الآب، مولود قبل الدهور وإنسان مولود من جوهر أمه، مولود في هذا الدهر.
- إله تام وإنسان تام كائن بنفس ناطقة وجسد بشري.
- مساوٍ للآب بحسب لاهوته، ودون الآب بحسب ناسوته.
- وهو إن يكن إلهاً وإنساناً، إنما هو مسيح واحد لا اثنان.
- واحد ليس باستحالة لاهوته إلى جسد، بل باتخاذ الناسوت إلى اللاهوت.
- واحد في الجملة، لا باختلاط الجوهر، بل بوحدانية الأقنوم.
- لانه كما أن النفس الناطقة والجسد إنسان واحد، كذلك الإله والإنسان مسيح واحد.
- هو الذي تألم لأجل خلاصنا ونزل إلى الهاوية (أي عالم الأرواح) وقام أيضاً في اليوم الثالث من بين الأموات.
- وصعد إلى السماء وهو جالس عن يمين الآب الضابط الكل.
- ومن هناك يأتي ليدين الأحياء والأموات.
- الذي عند مجيئه يقوم أيضاً جميع البشر بأجسادهم، ويؤدّون حساباً عن أعمالهم الخاصة.
- فالذين فعلوا الصالحات يدخلون الحياة الأبدية. والذين عملوا السيئات يدخلون إلى النار الأبدية.
- هذا هو الإيمان الجامع، الذي لا يقدر الإنسان أن يخلص من دون أن يؤمن به بأمانة ويقين.
والمعروف تاريخياً أن المسيحيين القدماء، قاموا بدرس عقيدة الثالوث في ضوء كتب الوحي المقدسة، وآمنوا بها واستقروا عليها. ورسموا صورتها في قوانين الكنيسة. وأبرز هذه القوانين، قانون الإيمان النيقاوي. الآتي نصه:
أنا أؤمن بإله واحد. آب قادر على كل شيء، خالق السماء والأرض، وكل ما يُرى وما لا يُرى.
وبرب واحد يسوع المسيح. ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. إله من إله. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب. هو الذي به كان كل شيء. الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء. وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء. وصار إنساناً وصُلب على عهد بيلاطس البنطي. وتألم. وقُبر وقام أيضاً في اليوم الثالث. وصعد إلى السماء. وهو جالس عن يمين الآب. وسيأتي أيضاً بمجد ليدين الأحياء والاموات الذي ليس لملكه نهاية.
وأؤمن بالروح القدس. الرب المحيي المنبثق من الآب والابن. المسجود له والممجد مع الآب والابن. الذي تكلم بالأنبياء.
وأعتقد بكنيسة واحدة جامعة رسولية. وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا. وأنتظر قيامة الموتى، وحياة الدهر الآتي. آمين.
ليست هناك تعليقات: