الثالوث في المسيحيّة
١ - وحدانية الله الجامعة
لا يقدر مخلوق أن يعرف الله كما هو، وإنما يمكننا أن نعرفه بما يميّزه عن كل ما سواه، كقولنا: ان الله روح، غير محدود، سرمدي، غير متغيّر في وجوده وقدرته وقداسته وعدله وجودته وحقه. وقد جاء في التوراة: «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية ٦: ٤). كما أن جميع قوانين الإيمان المسيحي صدرت في عبارات تصرح بهذه الحقيقة. فالقانون النيقاوي يبدأ بالقول: «نؤمن بإله واحد». والقانون النيقاوي القسطنطيني (٣٨١ م) يقول: «نؤمن بإله واحد». والقانون الذي تقبله جميع الكنائس الإنجيلية والتقليدية يبدأ بالقول: «نؤمن بإله واحد». والواقع أن العقل السليم يحكم بأن علة العلل لا بد أن تكون واحدة فقط، لأنه يستحيل التسليم بوجود علّتين أو أكثر، غير محدودتين سرمديتين، غير متغيّرتين. ويتبرهن من الكتاب المقدس أن الله واحد في كمالاته من كونه يسمَّى أحياناً بإحدى كمالاته، كالقول إنه «نور» أو «محبة» أو «حق» أو «روح». ونتعلم من وحدانية الله الاحتراس من تصوُّر وجوده جزئياً في السماء، وجزئياً على الأرض، لأنه إله واحد غير متجزّئ موجود بكماله في كل مكان. على أن المسيحيّة تؤمن بشخصية الله. أي أنها لا تؤمن بأن هذا الإله الواحد مجرد قوة أو شيء، بل هو شخص حي عاقل، واجب الوجود بذاته، له كل مقوّمات الشخصية، في أكمل ما يمكن أن تشتمل عليه هذه المقومات من معانٍ. وإذا كان من المسلَّم به أن الشخصية تقوم دوماً على ثلاثة أركان هي: الفكر والشعور والإرادة، وأن الله هو الشخصية الوحيدة الكاملة إذا قورن بغيره من شخصيات خلائقه، لذلك كان لا بد أن نعرّف شخصية الله بأنها الشخصية الوحيدة الفكر والشعور والإرادة - إذ هو أول كل شيء الإله المدرِك لذاته، والمدرِك لكل شيء صنعه. وتؤمن المسيحيّة أن هذا الإله، الشخص الحي الواحد، ليس جسماً مادياً يمكن أن يُرى أو يُلمَس أو يُدرَك بالحواس البشرية، فهو كما قال المسيح «روح» وهو أيضاً «أبو الأرواح» (عبرانيين ١٢: ٩) إذ خلق هذه على صورته كشبهه.بيد أن المسيحيّة تؤمن بأن وحدانية الله جامعة، أي أن الله ذو ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم إله واحد وجوهر واحد.
ولا يعني المسيحيّون بتعدُّد الأقانيم أن الله ثلاثة جواهر، لأن لفظ «أقنوم» لا يعني «جوهر». فالمراد هنا بالجوهر الذات الواحدة، أي أنه الوحدة اللاهوتية. والمراد بالأقنوم واحد من الآب والابن والروح القدس. ومع ذلك فكلمة أقنوم (كسائر الألفاظ البشرية) قاصرة عن إيضاح حقيقة إلهية، هي أن الله ثالوث في الأقنومية، وواحد في الجوهر.
ومن المعروف أن تعليم وحدانية الله وامتياز الأقانيم أحدها عن الآخر ومساواتها في الجوهر، ونسبة أحدها للآخر لم يرد في الكتاب المقدس جملة واحدة بالتصريح به، بل في آيات متفرقة. غير أن جوهر هذه الأمور منصوص عليه من أول الكتاب المقدس إلى آخره. ومن الأمور التي تثبت صحة هذا الاعتقاد وجوده في الإعلانات المتتابعة وانجلاؤه بالتدريج هكذا:
١ - ففي سفر التكوين تلميحات إلى تعليم الثالوث، لا تُفهَم جلياً إلا بنور إعلانات بعدها، كورود اسم الله في صيغة الجمع «إلوهيم» كقوله:
«فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ «إلوهيم» ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (تكوين ١: ١).
«قال إلوهيم: « نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين ١: ٢٦).
«وَقَالَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ: هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا» (تكوين ٣: ٢٢).
«هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ» (تكوين ١١: ٧).
٢ - في سفر التثنية تلميح إلى وجود الأقانيم الثلاثة في ذات الله، إذ يقول: «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ» (تثنية ٦: ٤، ٥).
وجاءت لفظة «إلهنا» في هذه الآية بصيغة الجمع، مع العلم أن القصد منها بيان الوحدانية.
٣ - وفي سفر إشعياء النبي نقرأ: «ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ ٱلسَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» (إشعياء ٦: ٨).
فهذه الآيات المجيدة تدل على أن الله واحد في الجوهر، مثلَّث الأقانيم. ومن الأفضل قبل أن ندرس هذه العقيدة أو نبحثها البحث الكتابي المجرَّد، أن نلمَّ بتاريخها في كنيسة المسيح، وبالأفكار التي تناولتها حتى انتهت إلى وضعها النهائي الدائم غير المتغيّر.
كان المسيحيّون أيام الرسل وحتى أول القرن الميلادي الثاني لا يفكرون في وضع صيغ معينة للعقائد المسيحيّة، إذ كانوا يمارسون مبادئ هذه العقائد كما جاءت في الكتب المقدسة دون أن يضعوا لها شكلاً معيناً. وحين كانت تعترضهم صعوبة أو مشكلة كانوا يرجعون إلى الرسل أو تلاميذ الرسل من بعدهم. ولكن ما أن انتشرت المسيحيّة في رحاب الدنيا، وقامت بعض البدع حتى باتت الحاجة ماسة إلى أن تقول الكنيسة كلمتها خصوصاً عندما انتشرت ضلالات أريوس وسباليوس المخالفة للعقائد المسيحيّة فيما يختص بلاهوت الابن والروح القدس. فقام رجال أعلام في الكنيسة وفنَّدوا آراء المبتدعين، من أبرزهم القديس أثناسيوس الملقَّب بحامي الإيمان، الذي قاوم تلك البدع وأصدر القانون الأثناسي المعروف والذي يقول:
- كل من ابتغى الخلاص، وجب عليه قبل كل شيء أن يتمسك بالإيمان الجامع العام للكنيسة المسيحيّة.
- كل من لا يحفظ هذا الإيمان، دون إفساد، يهلك هلاكاً أبدياً.
- هذا الإيمان الجامع هو أن تعبد إلهاً واحداً في ثالوث، وثالوثاً في توحيد.
- لا نمزج الأقانيم ولا نفصل الجوهر.
- إن للآب أقنوماً، وللابن أقنوماً، وللروح القدس أقنوماً.
- ولكن الآب والابن والروح القدس لاهوت واحد ومجد متساوٍ، وجلال أبدي معاً.
- كما هو الآب، كذلك الابن، كذلك الروح القدس.
- الآب غير مخلوق، والابن غير مخلوق، والروح القدس غير مخلوق.
- الآب غير محدود، والابن غير محدود، والروح القدس غير محدود.
- الآب سرمد، والابن سرمد، والروح القدس سرمد.
- ولكن ليسوا ثلاثة سرمديين، بل سرمد واحد.
- وكذلك ليس ثلاثة غير مخلوقين، ولا ثلاثة غير محدودين، بل واحد غير مخلوق وواحد غير محدود.
- وكذلك الآب ضابط الكل، والابن ضابط الكل، والروح ضابط الكل.
- ولكن ليسوا ثلاثة ضابطي الكل، بل واحد ضابط الكل.
- وهكذا الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله.
- ولكن ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد.
- وهكذا الآب رب، والابن رب، والروح القدس رب.
- ولكن ليسوا ثلاثة أرباب، بل رب واحد.
- وكما أن الحق المسيحي يكلّفنا أن نعترف بأن كلاً من هذه الأقانيم بذاته إله ورب.
- كذلك الدين الجامع، ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة آلهة وثلاثة أرباب.
- فالآب غير مصنوع من أحد، ولا مخلوق، ولا مولود.
- والابن من الآب وحده، غير مصنوع، ولا مخلوق، بل مولود.
- والروح القدس من الآب والابن، ليس مخلوق ولا مولود بل منبثق.
- فإذاً آب واحد لا ثلاثة آباء، وابن واحد لا ثلاثة أبناء، وروح قدس واحد لا ثلاثة أرواح قدس.
- ليس في هذا الثالوث من هو قبل غيره أو بعده ولا من هو أكبر ولا أصغر منه.
- ولكن جميع الأقانيم سرمديون معاً ومتساوون.
- ولذلك في جميع ما ذُكر، يجب أن نعبد الوحدانية في ثالوث، والثالوث في وحدانية.
- إذاً من شاء أن يَخْلُص عليه أن يتأكد هكذا في الثالوث.
- وأيضاً يلزم له الخلاص أن يؤمن كذلك بأمانة بتجسُّد ربنا يسوع المسيح.
- لأن الإيمان المستقيم هو أن نؤمن ونقرّ بأن ربنا يسوع المسيح ابن الله، هو إله وإنسان.
- هو إله من جوهر الآب، مولود قبل الدهور، وإنسان من جوهر أمه مولود في هذا الدهر.
- إله تام وإنسان تام، كائن بنفس ناطقة وجسد بشري.
- مساوٍ للآب بحسب لاهوته، ودون الآب بحسب ناسوته.
- وهو وإن يكن إلهاً وإنساناً، إنما هو مسيح واحد لا اثنان.
- ولكن واحد، ليس باستحالة لاهوته إلى جسد، بل باتِّخاذ الناسوت إلى اللاهوت.
- واحد في الجملة، لا باختلاط الجوهر، بل بوحدانية الأقنوم.
- لأنه كما أن النفس الناطقة والجسد إنسان واحد، كذلك الإله والإنسان مسيح واحد.
- هو الذي تألم لأجل خلاصنا، ونزل إلى الهاوية (أي عالم الأرواح) وقام أيضاً في اليوم الثالث من بين الأموات.
- وصعد إلى السماء وهو جالس عن يمين الآب الضابط الكل.
- ومن هناك يأتي ليدين الأحياء والأموات.
- الذي عند مجيئه يقوم أيضاً جميع البشر بأجسادهم، ويؤدُّون حساباً عن أعمالهم الخاصة.
- فالذين فعلوا الصالحات، يدخلون الحياة الأبدية، والذين عملوا السيئات يدخلون النار الأبدية.
- هذا هو الإيمان الجامع، الذي لا يقدر الإنسان أن يخلص بدون أن يؤمن به بأمانة ويقين.
وكل ما جاء من خارج الكتاب المقدس عن الثالوث من أفكار فلسفية، أو محاجات منطقية، لم يكن إلا بَسْطاً أو عَرْضاً لما جاء في الكتاب المقدس عن طريق القياس.
والمعروف تاريخياً أن المسيحيين القدماء قاموا بدرس عقيدة الثالوث في ضوء كتب الوحي المقدسة، وآمنوا بها واستقروا عليها، ورسموا صورتها في قوانين الكنيسة. وأبرز هذه القوانين قانون الإيمان النيقاوي الذي يقول:
«أنا أؤمن بإله واحد، قادر على كل شيء، خالق السماء والأرض، وكل ما يُرى وما لا يُرى. وبرب واحد، يسوع المسيح. ابن الله الوحيد. المولود من الآب قبل كل الدهور. إله من إله. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب. هو الذي به كان كل شيء. الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء. وتجسَّد بالروح القدس من مريم العذراء، وصار إنساناً، وصُلب على عهد بيلاطس البنطي، وتألم. وقُبِر. وقام في اليوم الثالث. وصعد إلى السماء. وهو جالس عن يمين الآب وسيأتي أيضاً بمجد، ليدين الأحياء والأموات. الذي ليس لمُلكه نهاية. وأؤمن بالروح القدس. الرب المحيي. المنبثق من الآب. المسجود له والممجَّد مع الآب والابن. الذي تكلم بالأنبياء. وأعتقد بكنيسة واحدة جامعة رسولية. وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا. وأنتظر قيامة الموتى وحياة الدهر الآتي - آمين».
يقف
الباحث في العقائد المسيحيّة أمام عدد من القضايا الخطيرة، وفي مقدمتها
اعتقاد المسيحيين بأن يسوع المسيح الذي وُلِد من مريم العذراء هو ابن الله
والله الابن.
قد يصعب على كثيرين أن يقبلوا هذا الاعتقاد، إلا أن الصعوبة لا تضير المسيحيّة في كونها ديناً وحدانياً صحيحاً، بدليل إيمان المسيحيين بما جاء في الكتب المقدسة، كقول الله:
«أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ» (إشعياء ٤٣: ١٠).
«هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ: أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي» (إشعياء ٤٤: ٦).
«لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (١ تيموثاوس ٢: ٥).
«فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ ٱلْوَصَايَا هِيَ: ٱسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (مرقس ١٢: ٢٩).
ولكن المسيحيّة تؤمن بوجود إله أزلي، يعلن لنا نفسه بأنه آب وابن وروح قدس، ليس لوجوده بداية ولا نهاية، فقد كان دائماً، ويكون دائماً، وسوف يكون دائماً وفقاً لما هو مكتوب:
«فَقَالَ ٱللّٰهُ لِمُوسَى: أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ» (خروج ٣: ١٤).
«أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي» (رؤيا ١: ٨).
قبل الانطلاق في التأمل في لاهوت الابن يجب أن نستعرض الإعلانات الواردة في الكتاب المقدس عن أبوّة الله للمسيح.
قد يصعب على كثيرين أن يقبلوا هذا الاعتقاد، إلا أن الصعوبة لا تضير المسيحيّة في كونها ديناً وحدانياً صحيحاً، بدليل إيمان المسيحيين بما جاء في الكتب المقدسة، كقول الله:
«أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ» (إشعياء ٤٣: ١٠).
«هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ: أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي» (إشعياء ٤٤: ٦).
«لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (١ تيموثاوس ٢: ٥).
«فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ ٱلْوَصَايَا هِيَ: ٱسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (مرقس ١٢: ٢٩).
ولكن المسيحيّة تؤمن بوجود إله أزلي، يعلن لنا نفسه بأنه آب وابن وروح قدس، ليس لوجوده بداية ولا نهاية، فقد كان دائماً، ويكون دائماً، وسوف يكون دائماً وفقاً لما هو مكتوب:
«فَقَالَ ٱللّٰهُ لِمُوسَى: أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ» (خروج ٣: ١٤).
«أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي» (رؤيا ١: ٨).
قبل الانطلاق في التأمل في لاهوت الابن يجب أن نستعرض الإعلانات الواردة في الكتاب المقدس عن أبوّة الله للمسيح.
أُطلق الاسم
«ابن الله» على المسيح أربعين مرة، عدا اتصاله كثيراً بالضمير مثل
«ابنه» و
«ابني». ويظهر هذا اللقب الإلهي واضحاً عن المسيح كما جاء قول الإنجيل:
«فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا كَانَ
ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ
ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً
نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يوحنا ٥: ١٨).
«اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا ١: ١٨).
ورد لقب «الابن الوحيد» خمس مرات، وهذا يدل على أن زعم البعض أن يسوع المسيح ابن الله، بذات المعنى الذي به جميع الناس أبناء الله هو زعم غير صحيح. انظر قوله له المجد: «فَإِذْ كَانَ لَهُ أَيْضاً ٱبْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ ، أَرْسَلَهُ أَيْضاً إِلَيْهِمْ أَخِيراً، قَائِلاً: إِنَّهُمْ يَهَابُونَ ٱبْنِي» (مرقس ١٢: ٦).
ورد لقب «الابن الوحيد» خمس مرات، وهذا يدل على أن زعم البعض أن يسوع المسيح ابن الله، بذات المعنى الذي به جميع الناس أبناء الله هو زعم غير صحيح. انظر قوله له المجد: «فَإِذْ كَانَ لَهُ أَيْضاً ٱبْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ ، أَرْسَلَهُ أَيْضاً إِلَيْهِمْ أَخِيراً، قَائِلاً: إِنَّهُمْ يَهَابُونَ ٱبْنِي» (مرقس ١٢: ٦).
قال ملاك الرب لمريم العذراء:
«وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى» (لوقا ١: ٣١، ٣٢).
«فَلَمَّا ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ
صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ ٱلْمَاءِ، وَإِذَا ٱلسَّمَاوَاتُ قَدِ ٱنْفَتَحَتْ
لَهُ، فَرَأَى رُوحَ ٱللّٰهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً
عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱبْنِي
ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى ٣: ١٦، ١٧).
قال المسيح في أحد أمثاله:
«أَنَا ٱلْكَرْمَةُ ٱلْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي ٱلْكَرَّامُ» (يوحنا ١٥: ١).
«خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي» (يوحنا ١٠: ٢٧ - ٢٩).
«خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي» (يوحنا ١٠: ٢٧ - ٢٩).
قال يسوع في حديثه إلى الجماهير:
«كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ
إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلٱبْنَ إِلاَّ ٱلآبُ، وَلاَ
أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلآبَ إِلاَّ ٱلٱبْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلٱبْنُ أَنْ
يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ
وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى ١١: ٢٧، ٢٨).
حين نتأمل هذا الإعلان بعمق يتضح لنا أنه لا إنسان عادي، ولا نبي، ولا رسول، ولا ملاك من السماء، ولا رئيس ملائكة، يستطيع أن يدرك سر شخص يسوع المسيح الذي لقَّبه إشعياء النبي «بالعجيب». وهذا يعني صراحة أن طبيعة المسيح غير محدودة بحيث لا يقدر أحد أن يدركها غير الآب نفسه.
ومما لا شك فيه أن هذا الإعلان المجيد جداً يعلّمنا أن من وظيفة المسيح باعتبار وحدته الأزلية مع الآب، أن يعلن لنا في شخصه هذا الآب، الذي وُصف باللامنظور.
قال الفيلسوف الفرنسي باسكال: «ان الله المستعلن في المسيح إله يقترب إليه الإنسان في غير كبرياء، ويتذلّل أمامه في غير يأس أو إهدار للكرامة. وفي يسوع المسيح لا نعرف الله فقط، بل نعرف أنفسنا أيضاً، وبدونه لا نعرف ما هي حياتنا، ولا ما هو موتنا، ولا مَنْ هو الله ولا ما هي أنفسنا» (تأملات عن نشرة لاروس ١١: ٤١).
وقال القمص المصري سرجيوس: «ومن عجب المسيح ودلالة تفرُّده عن البشر قاطبة، أننا حين نطالع الإنجيل، نجد أن المسيح أينما ذهب وأينما حلّ، تقوم الأسئلة الكثيرة وتدور حوله. وكان موقف الناس بإزائه عبارة عن علامة استفهام. فكان كلما تكلم أو عمل، يكون موضوع سؤال الناس. قالوا عندما سمعوه يتكلم ورأوه يعمل: من أين لهذا هذه الحكمة وهذه القوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ ما هذا؟ ما هو هذا التعليم الجديد؟ لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه؟ وكثير من الأسئلة قامت عليه».
فما هذه الأسئلة حوله. أليست دليلاً على أن المسيح شخص عجيب، لم يكن كغيره من البشر، وأن هناك فارقاً عظيماً بينه وبين الناس، يشعر به كل من يراه ويسمعه.
في الحق أن شهادة المسيح لنفسه ما كانت لتقوم لولا أنه إله وليس مجرد إنسان، لأن الله وحده هو الذي يشهد لنفسه. أما كون المسيح إلهاً، فهذا واضح.
أولاً: تصريحاته
ثانياً: من شهادة الأنبياء الموحى إليهم
امتدَّت النصوص الكتابية العديدة المتواترة من أول التاريخ حتى آخر أسفار العهد القديم، وذلك خلال أربعة آلاف سنة. ولا يمكن أن يُتَّهم المسيحيّون باصطناع هذه النصوص، لأنها كُتبت في سجلات الوحي قبل المسيحيّة. وقد كُتب آخرها قبل تجسُّد المسيح بما يقرب من أربعمائة سنة. وهي تقول إن شخصاً إلهياً سيأتي من السماء لابساً الطبيعة البشرية ليكون مخلِّصاً للعالم، وإن هذا الشخص يكون من نسل المرأة، ويأتي من نسل ابراهيم، وعلى وجه التحديد من سبط يهوذا وبيت داود، مولوداً من عذراء بلا عيب ولا دنس. وأنه يولد في بيت لحم مدينة داود. وفي الوقت ذاته هو الأب الأبدي. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بالتجسُّد، واتحاد اللاهوت بالناسوت. والنصوص الكتابية التي تحمل الينا هذه الحقيقة متعددة، لذلك أورد في ما يلي أظهرها وأوضحها:
ثالثاً: شهادة الرسل
إن شهادة الرسل الذين درسوا الديانة اليهودية، التي تعلّم بالتوحيد، ذات أهمية كبرى. وقد جاءت شهادتهم عن طريق الأثر القوي الفعال الذي انطبع في عقولهم وقلوبهم وضمائرهم، من حياة يسوع الفائقة الطبيعة، وتعاليمه السماوية وأعماله العجيبة، حتى آمنوا بألوهيته. وفي كل ما كتبوه عن لاهوته، ومعرفتهم به حتى أنهم تركوا كل شيء وتبعوه، لم يشعروا بأنهم أتوا أمراً غير عادي أو مخالفاً لعقيدتهم التوحيدية. ففي الأناجيل التي دوَّنوها والرسائل التي كتبوها، نسبوا إليه كل الصفات التي اعتادوا أن يعزوها إلى الله. ذلك لأنهم وجدوا في المسيح ينبوعاً لحياتهم الروحية. وفي كرازتهم المدوَّنة في الكتب المقدسة، تكلموا عنه كالقوي القادر الحاضر. وقد تأكدوا من أزليته ومجده الإلهي قبل أن يتجسد. وخلاصة القول، إن أكبر مُكابر لا يستطيع أن ينكر أن الرسل والمسيحيين الأوائل قد عبدوا يسوع كربٍّ. وهاك عيّنات من شهاداتهم على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر:
١ - مرقس الإنجيلي: افتتح هذا التلميذ البشير إنجيله بالقول: «بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ». وختمه بالقول: «ثُمَّ إِنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ٱرْتَفَعَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَٱلرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ ٱلْكَلاَمَ بِٱلآيَاتِ ٱلتَّابِعَةِ» (مرقس ١: ١، ١٦: ١٩، ٢٠).
٢ - يوحنا الإنجيلي: افتتح هذا التلميذ البشير إنجيله بالقول: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ١، ٣).
وقد وردت «الكلمة» في اليونانية - لغة الإنجيل الأصلية - بلفظة «لوغوس» ومعناها النظام الذي يسود الكون، أو الوسيط بين الله والكون، والذي به خلق الله الكون. لذلك أُلهم يوحنا أن يبيّن لليهود واليونانيين معنى «الكلمة» فقال: «في البدء كان الكلمة». ولفظة البدء هنا، تعني الأزل، أي أن وجود الكلمة كان سابقاً لكل شيء. ولكي يقضي على فكرة القائلين بأن الله لا يمكن أن يتصل بالمادة ألهم الله يوحنا القول: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُؤاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يوحنا ١: ١٤).
وقال يوحنا الرسول المُلهَم في رسالته الأولى: «وَنَحْنُ فِي ٱلْحَقِّ فِي ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ ٱلإِلٰهُ ٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (١يوحنا ٥: ٢٠).
٣ - توما الملقَّب بالتوأم: هذا التلميذ بعد القيامة، حين لمس أثر المسامير في يدَي ورجلَي يسوع، ووضع إصبعه في جنبه المطعون بالحربة، سجد له وقال: «ربي وإلهي» (يوحنا ٢٠: ٢٨).
٤ - بطرس الرسول: قال هذا الرسول الموحَى اليه في شهادته أمام جمهور من اليهود: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱسْمَعُوا هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ: يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ... هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ... فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ٱللّٰهَ جَعَلَ يَسُوعَ هٰذَا، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً» (أعمال الرسل ٢: ٢٢ - ٢٤، ٣٦).
٥ - شهادة بولس الرسول: قال هذا الرسول بإلهام الروح القدس: «لٰكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ ٱلْكَامِلِينَ، وَلٰكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، ٱلَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، ٱلَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ - لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (١ كورنثوس ٢: ٦ - ٨).
فصار يسوع في صورة إنسان حين تجسَّد، وفي الوقت نفسه كان إلهاً لم يعرفه أبناء الدهر. ولو أنهم عرفوا أنه رب المجد، لامتنعوا عن صلبه.
وقال بولس أيضاً: «شَاكِرِينَ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ، ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ مَحَبَّتِهِ، ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ... فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي ١: ١٢ - ١٧).
وقال أيضاً: «اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِٱلْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ ٱلنَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَسِيحِ. فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، ٱلَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ» (كولوسي ٢: ٨ - ١٠).
وقال أيضاً: «وَمِنْهُمُ ٱلْمَسِيحُ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، ٱلْكَائِنُ عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ» (رومية ٩: ٥).
رابعاً: أسماء وأعمال إلهية
خامساً: وظائف إلهية
توجد سبع وظائف إلهية صريحة مُسندة للرب يسوع المسيح:
قال رجل الله ستانلي جونس:
«إني أعرف أن لا شيء أسْمَى
وأجدر بالله وبالإنسان من مُشابهة يسوع المسيح، لأني أعتقد أن الصورة التي
أعلنها المسيح لنا عن الله ترينا أنه إله صالح يمكن الاتكال عليه والثقة
به. ليست لدى العالم شكوك عن المسيح، بل هي عن الله. لأن الناس حين يرون
الزلازل تبيد الأبرار والأثمة على السواء، وحين يرون الأطفال يقاسون ألوان
العذاب من أمراض مختلفة، يتحيَّرون ويتساءلون: أيوجد إله صالح في هذا
الكون؟ ولكن الفكر المرتاب يلتفت إلى يسوع المسيح بطمأنينة ويقول: إن كان
الله مثل هذا فهو إله حق. ونحن كمسيحيين نقول إن الله كذلك. فهو كالمسيح في
صفاته، ونعتقد أن الله هو يسوع المسيح في كل مكان، وأن يسوع المسيح هو
الله معنا. إنه حياة البشرية».
ثم يمضي جونس فيقول: «ولو اجتمع أكبر أصحاب العقول والنفوس بين الناس وشحذوا قرائحهم ليتوصلوا إلى معرفة صفات الإله الذي يودُّون أن تكون له سيادة الكون، لوجدوا أن صفاته الأدبية والروحية تتخذ صورة له شبيهة بصورة يسوع المسيح. ومما لا شك فيه أن أعظم بشارة أُعلنت للجنس البشري هي القول الموحَى به من الله: «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (١ تيموثاوس ٣: ١٦). وإن أعظم خبر تستطيع إذاعته على العالم المسيحي، هو أن الله الذي تعرفون عنه شيئاً غير جلي، ولم تعرفوا حقيقة صفاته، هو مثل يسوع المسيح. فإن كان الله يعطف على الأطفال كما كان يسوع يعطف عليهم، ويهتم بالأبرص والمنبوذ والأعمى والمشلول كما كان يسوع المسيح يهتم بهم، وإن كان قلبه يشبه ذلك القلب الذي انكسر على صليب الجلجثة، فإني لن أحجم عن أن أقدّم له قلبي بلا تحفُّظ» .
حين نتأمل هذا الإعلان بعمق يتضح لنا أنه لا إنسان عادي، ولا نبي، ولا رسول، ولا ملاك من السماء، ولا رئيس ملائكة، يستطيع أن يدرك سر شخص يسوع المسيح الذي لقَّبه إشعياء النبي «بالعجيب». وهذا يعني صراحة أن طبيعة المسيح غير محدودة بحيث لا يقدر أحد أن يدركها غير الآب نفسه.
ومما لا شك فيه أن هذا الإعلان المجيد جداً يعلّمنا أن من وظيفة المسيح باعتبار وحدته الأزلية مع الآب، أن يعلن لنا في شخصه هذا الآب، الذي وُصف باللامنظور.
قال الفيلسوف الفرنسي باسكال: «ان الله المستعلن في المسيح إله يقترب إليه الإنسان في غير كبرياء، ويتذلّل أمامه في غير يأس أو إهدار للكرامة. وفي يسوع المسيح لا نعرف الله فقط، بل نعرف أنفسنا أيضاً، وبدونه لا نعرف ما هي حياتنا، ولا ما هو موتنا، ولا مَنْ هو الله ولا ما هي أنفسنا» (تأملات عن نشرة لاروس ١١: ٤١).
وقال القمص المصري سرجيوس: «ومن عجب المسيح ودلالة تفرُّده عن البشر قاطبة، أننا حين نطالع الإنجيل، نجد أن المسيح أينما ذهب وأينما حلّ، تقوم الأسئلة الكثيرة وتدور حوله. وكان موقف الناس بإزائه عبارة عن علامة استفهام. فكان كلما تكلم أو عمل، يكون موضوع سؤال الناس. قالوا عندما سمعوه يتكلم ورأوه يعمل: من أين لهذا هذه الحكمة وهذه القوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ ما هذا؟ ما هو هذا التعليم الجديد؟ لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه؟ وكثير من الأسئلة قامت عليه».
فما هذه الأسئلة حوله. أليست دليلاً على أن المسيح شخص عجيب، لم يكن كغيره من البشر، وأن هناك فارقاً عظيماً بينه وبين الناس، يشعر به كل من يراه ويسمعه.
في الحق أن شهادة المسيح لنفسه ما كانت لتقوم لولا أنه إله وليس مجرد إنسان، لأن الله وحده هو الذي يشهد لنفسه. أما كون المسيح إلهاً، فهذا واضح.
أولاً: تصريحاته
- السلطان: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متى ٢٨: ١٨).
- وحدته مع الآب: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ - اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ - أَنَا فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ» (يوحنا ١٠: ٣٠، ١٤: ٩، ١٠).
-
أزليته:
«قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا ٨: ٥٨). وهذا الإعلان أخطر ما صرَّح به المسيح، لأن الكلمة
«أنا كائن»
هي ذات اللفظة التي عبَّر الله الآب عن نفسه بها لموسى (خروج ٣: ١٤).
والإعلان يفيد أن المسيح يرى في شخصه ذات الإله القديم الذي ظهر لموسى في
العليقة على جبل حوريب.
وأيضاً قال المسيح للرسول يوحنا لما ظهر له في جزيرة بطمس: «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ» (رؤيا ١: ٨). والألف والياء هما الحرفان الأول والآخير من حروف الهجاء وهما في الأصل اليوناني الذي كُتب به الإنجيل «ألفا وأوميغا» وهما يعبّران عن أزلية المسيح وأبديته. - الله الآب يتكلم في المسيح: قال له المجد: «ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لٰكِنَّ ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (يوحنا ١٤: ١٠).
- وجوده في السماء وعلى الأرض: في حديثه مع الرئيس اليهودي نيقوديموس قال المسيح: «وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلاَّ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (يوحنا ٣: ١٣).
-
هو ديّان الأحياء والأموات:
«وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ
ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ،
فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ
جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ
ٱلرَّاعِي ٱلْخِرَافَ مِنَ ٱلْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ
يَمِينِهِ وَٱلْجِدَاءَ عَنِ ٱلْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ
لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا
ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ. ثُمَّ
يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ ٱلْيَسَارِ: ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا
مَلاَعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ
وَمَلاَئِكَتِهِ» (متى ٢٥: ٣١ - ٣٤، ٤١).
فبهذا التصريح يبيّن المسيح أنه ديان الجميع العادل، وأنه سيأتي مع ملائكته بمجد، وتكون دينونة قاطعة ونهائية. - جلوسه عن يمين القوة: في أثناء محاكمة المسيح أمام رئيس الكهنة قيافا، سأله هذا الرئيس: «أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ» (متى ٢٦: ٦٣ - ٦٤).
- حضوره في كل مكان وزمان: قال لتلاميذه: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ». «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متى ١٨: ٢٠، ٢٨: ٢٠).
- هو واضع الناموس ومكمّله: قال له المجد: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُل، . وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. َأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ» (متى ٥: ٢١ - ٤٤).
امتدَّت النصوص الكتابية العديدة المتواترة من أول التاريخ حتى آخر أسفار العهد القديم، وذلك خلال أربعة آلاف سنة. ولا يمكن أن يُتَّهم المسيحيّون باصطناع هذه النصوص، لأنها كُتبت في سجلات الوحي قبل المسيحيّة. وقد كُتب آخرها قبل تجسُّد المسيح بما يقرب من أربعمائة سنة. وهي تقول إن شخصاً إلهياً سيأتي من السماء لابساً الطبيعة البشرية ليكون مخلِّصاً للعالم، وإن هذا الشخص يكون من نسل المرأة، ويأتي من نسل ابراهيم، وعلى وجه التحديد من سبط يهوذا وبيت داود، مولوداً من عذراء بلا عيب ولا دنس. وأنه يولد في بيت لحم مدينة داود. وفي الوقت ذاته هو الأب الأبدي. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بالتجسُّد، واتحاد اللاهوت بالناسوت. والنصوص الكتابية التي تحمل الينا هذه الحقيقة متعددة، لذلك أورد في ما يلي أظهرها وأوضحها:
- من نبوة إشعياء: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (إشعياء ٩: ٦).
- ومن نبوة إشعياء أيضاً: «هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا)» (إشعياء ٧: ١٤، متى ١: ٢٣).
- من المزامير: «قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مزمور ١١٠: ١). هذا القول الإلهي عظيم جداً، لا يمكننا أن نجد له تفسيراً من غير الإيمان بالمخاطبة الأزلية بين الآب والابن، والإيقان بأن الله هو المتكلم بها.
- من نبوة ميخا: «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا ٥: ٢)
إن شهادة الرسل الذين درسوا الديانة اليهودية، التي تعلّم بالتوحيد، ذات أهمية كبرى. وقد جاءت شهادتهم عن طريق الأثر القوي الفعال الذي انطبع في عقولهم وقلوبهم وضمائرهم، من حياة يسوع الفائقة الطبيعة، وتعاليمه السماوية وأعماله العجيبة، حتى آمنوا بألوهيته. وفي كل ما كتبوه عن لاهوته، ومعرفتهم به حتى أنهم تركوا كل شيء وتبعوه، لم يشعروا بأنهم أتوا أمراً غير عادي أو مخالفاً لعقيدتهم التوحيدية. ففي الأناجيل التي دوَّنوها والرسائل التي كتبوها، نسبوا إليه كل الصفات التي اعتادوا أن يعزوها إلى الله. ذلك لأنهم وجدوا في المسيح ينبوعاً لحياتهم الروحية. وفي كرازتهم المدوَّنة في الكتب المقدسة، تكلموا عنه كالقوي القادر الحاضر. وقد تأكدوا من أزليته ومجده الإلهي قبل أن يتجسد. وخلاصة القول، إن أكبر مُكابر لا يستطيع أن ينكر أن الرسل والمسيحيين الأوائل قد عبدوا يسوع كربٍّ. وهاك عيّنات من شهاداتهم على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر:
١ - مرقس الإنجيلي: افتتح هذا التلميذ البشير إنجيله بالقول: «بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ». وختمه بالقول: «ثُمَّ إِنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ٱرْتَفَعَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَٱلرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ ٱلْكَلاَمَ بِٱلآيَاتِ ٱلتَّابِعَةِ» (مرقس ١: ١، ١٦: ١٩، ٢٠).
٢ - يوحنا الإنجيلي: افتتح هذا التلميذ البشير إنجيله بالقول: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ١، ٣).
وقد وردت «الكلمة» في اليونانية - لغة الإنجيل الأصلية - بلفظة «لوغوس» ومعناها النظام الذي يسود الكون، أو الوسيط بين الله والكون، والذي به خلق الله الكون. لذلك أُلهم يوحنا أن يبيّن لليهود واليونانيين معنى «الكلمة» فقال: «في البدء كان الكلمة». ولفظة البدء هنا، تعني الأزل، أي أن وجود الكلمة كان سابقاً لكل شيء. ولكي يقضي على فكرة القائلين بأن الله لا يمكن أن يتصل بالمادة ألهم الله يوحنا القول: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُؤاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يوحنا ١: ١٤).
وقال يوحنا الرسول المُلهَم في رسالته الأولى: «وَنَحْنُ فِي ٱلْحَقِّ فِي ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ ٱلإِلٰهُ ٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (١يوحنا ٥: ٢٠).
٣ - توما الملقَّب بالتوأم: هذا التلميذ بعد القيامة، حين لمس أثر المسامير في يدَي ورجلَي يسوع، ووضع إصبعه في جنبه المطعون بالحربة، سجد له وقال: «ربي وإلهي» (يوحنا ٢٠: ٢٨).
٤ - بطرس الرسول: قال هذا الرسول الموحَى اليه في شهادته أمام جمهور من اليهود: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱسْمَعُوا هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ: يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ... هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ... فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ٱللّٰهَ جَعَلَ يَسُوعَ هٰذَا، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً» (أعمال الرسل ٢: ٢٢ - ٢٤، ٣٦).
٥ - شهادة بولس الرسول: قال هذا الرسول بإلهام الروح القدس: «لٰكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ ٱلْكَامِلِينَ، وَلٰكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، ٱلَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، ٱلَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ - لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (١ كورنثوس ٢: ٦ - ٨).
فصار يسوع في صورة إنسان حين تجسَّد، وفي الوقت نفسه كان إلهاً لم يعرفه أبناء الدهر. ولو أنهم عرفوا أنه رب المجد، لامتنعوا عن صلبه.
وقال بولس أيضاً: «شَاكِرِينَ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ، ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ مَحَبَّتِهِ، ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ... فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي ١: ١٢ - ١٧).
وقال أيضاً: «اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِٱلْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ ٱلنَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَسِيحِ. فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، ٱلَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ» (كولوسي ٢: ٨ - ١٠).
وقال أيضاً: «وَمِنْهُمُ ٱلْمَسِيحُ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، ٱلْكَائِنُ عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ» (رومية ٩: ٥).
رابعاً: أسماء وأعمال إلهية
- الأول والآخِر: «فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلاً لِي: لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ» (رؤيا ١: ١٧). «مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِياً ٱلأَجْيَالَ مِنَ ٱلْبَدْءِ؟ أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلأَوَّلُ، وَمَعَ ٱلآخِرِينَ أَنَا هُوَ» (إشعياء ٤١: ٤).
- القدوس البار: «وَلٰكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ ٱلْقُدُّوسَ ٱلْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ» (أعمال الرسل ٣: ١٤).
- الرب: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ» (لوقا ٢: ١٠، ١١).
- رب الكل: «ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِٱلسَّلاَمِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ رَبُّ ٱلْكُلِّ» (أعمال ١٠: ٣٦)
- رب الجنود: «مَنْ هُوَ هٰذَا مَلِكُ ٱلْمَجْدِ؟ ٱلرَّبُّ ٱلْقَدِيرُ ٱلْجَبَّارُ، ٱلرَّبُّ ٱلْجَبَّارُ فِي ٱلْقِتَالِ! هٰذَا مَلِكُ ٱلْمَجْدِ! رَبُّ ٱلْجُنُودِ هُوَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ» (مزمور ٢٤: ٨، ١٠).
- الله: «وَأَمَّا عَنْ ٱلٱبْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ» (عبرانيين ١: ٨).
- الله معنا: «هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا)» (متى ١: ٢٣).
- الله العظيم: «مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (تيطس ٢: ١٣).
- بهاء مجد الله ورسم جوهره: «كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ - ٱلَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ ٱلْعَالَمِينَ. ٱلَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين ١: ٢، ٣).
- عالم بأسرار القلوب: «فَشَعَرَ يَسُوعُ بِأَفْكَارِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِكُمْ؟ - لٰكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعَ. وَلأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ ٱلإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلإِنْسَانِ» (لوقا ٥: ٢٢، يوحنا ٢: ٢٤ - ٢٥).
- له سلطان على عناصر الطبيعة: «فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي ٱلإِيمَانِ؟ ثُمَّ قَامَ وَٱنْتَهَرَ ٱلرِّيَاحَ وَٱلْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ» (متى ٨: ٢٦).
- له سلطان على الشياطين: «وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ، فَأَخْرَجَ ٱلأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ ٱلْمَرْضَى شَفَاهُمْ» (متى ٨: ١٦).
- له سلطان على الموت: «ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ ٱلنَّعْشَ، فَوَقَفَ ٱلْحَامِلُونَ. فَقَالَ: أَيُّهَا ٱلشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ. فَجَلَسَ ٱلْمَيْتُ وَٱبْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ» (لوقا ٧: ١٤، ١٥).
- عالم بكل شيء: «اَلآنَ نَعْلَمُ أَنَّكَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَكَ أَحَدٌ. لِهٰذَا نُؤْمِنُ أَنَّكَ مِنَ ٱللّٰهِ خَرَجْتَ» (يوحنا ١٦: ٣٠).
- صورة الله: «ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ» (فيلبي ٢: ٦).
توجد سبع وظائف إلهية صريحة مُسندة للرب يسوع المسيح:
- الخَلْق: «وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي ٱلْبَدْءِ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ، وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ» (عبرانيين ١: ١٠).
- الحفظ: «وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلأَعَالِي» (عبرانيين ١: ٣).
- غفران الخطايا: «فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ. وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هٰذَا هٰكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ ٱللّٰهُ وَحْدَهُ؟ فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هٰكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهٰذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ؟ وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا - قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ» (مرقس ٢: ٥ - ١١).
- إقامة الأموات: «وَهٰذِهِ مَشِيئَةُ ٱلآبِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي: بَلْ أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ... لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ ٱلآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ» (يوحنا ٦: ٣٩، ٤٤).
- تغيير الأجساد: «ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ ٱسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (فيلبي ٣: ٢١).
- حكم الدينونة: «أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذاً أَمَامَ ٱللّٰهِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ ٱلأَحْيَاءَ وَٱلأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ» (٢تيموثاوس ٤: ١).
- إعطاء الحياة الأبدية: «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا ١٠: ٢٧ - ٢٨).
ثم يمضي جونس فيقول: «ولو اجتمع أكبر أصحاب العقول والنفوس بين الناس وشحذوا قرائحهم ليتوصلوا إلى معرفة صفات الإله الذي يودُّون أن تكون له سيادة الكون، لوجدوا أن صفاته الأدبية والروحية تتخذ صورة له شبيهة بصورة يسوع المسيح. ومما لا شك فيه أن أعظم بشارة أُعلنت للجنس البشري هي القول الموحَى به من الله: «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (١ تيموثاوس ٣: ١٦). وإن أعظم خبر تستطيع إذاعته على العالم المسيحي، هو أن الله الذي تعرفون عنه شيئاً غير جلي، ولم تعرفوا حقيقة صفاته، هو مثل يسوع المسيح. فإن كان الله يعطف على الأطفال كما كان يسوع يعطف عليهم، ويهتم بالأبرص والمنبوذ والأعمى والمشلول كما كان يسوع المسيح يهتم بهم، وإن كان قلبه يشبه ذلك القلب الذي انكسر على صليب الجلجثة، فإني لن أحجم عن أن أقدّم له قلبي بلا تحفُّظ» .
لما
كانت تسمية أقانيم الثالوث الأقدس من الأسرار الإلهية التي لا تستطيع
عقولنا القاصرة إدراكها، وجب أن نحصر كلامنا في ما يعلنه لنا كتاب الله
عنها. وعلى ما نرى أنه سُمِّي بالروح، ليس لأن بينه وبين الأقنومين الآخرين
تمييزاً في روحانية الجوهر (لأنهم متساوون في ذلك) بل إشارة إلى عمله غير
المنظور، وهو إنارة أرواحنا وإرشادها وتجديدها وتقديسها. ولذلك سُمِّي
أيضاً المرشد، وروح القداسة، وروح الحق، وروح الحكمة، وروح السلام، وروح
المحبة، لأنه يُنشئ كل ذلك فينا. ولفظة
«القدس» تميّزه أيضاً عن جميع الأرواح المخلوقة.
سُمِّي
فيه الروح، وروح الله، وروح الرب، والروح القدس، وروح قدس الله. وأُضيف
إلى ضمير الجلالة في التكلّم والخطاب والغيبة. فقال الله: روحي، وقيل له:
روحك، وقيل فيه: روحه. ومما نُسب اليه من الأعمال:
- في الخَلْق، كقول موسى: «وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ» (تكوين ١: ٢). إشارة إلى اشتراك الروح المبارك في خلق الكائنات، وكقول أليهو: «رُوحُ ٱللّٰهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ ٱلْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي» (أيوب ٣٣: ٤).
- يعلّم. قال نحميا: «وَأَعْطَيْتَهُمْ رُوحَكَ ٱلصَّالِحَ لِتَعْلِيمِهِمْ، وَلَمْ تَمْنَعْ مَنَّكَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ» (نحميا ٩: ٢٠).
- يحزن. قال اشعياء: «وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ» (اشعياء ٦٣: ١٠).
- يدين. فقال الرب: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي ٱلإِنْسَانِ إِلَى ٱلأَبَدِ. لِزَيَغَانِهِ» (تكوين ٦: ٣).
- يلهم الأنبياء. قال زكريا النبي: «فكلَّمني ملاك الرب: هَذِهِ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ: لاَ بِٱلْقُدْرَةِ وَلاَ بِٱلْقُوَّةِ بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ» (زكريا ٤: ٦).
-
ويجدّد وجه الأرض:
«تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ ٱلأَرْضِ» (مزمور ١٠٤: ٣٠).
إذاً روح الله الذي رفَّ على وجه المياه، ودان في الإنسان قبل الطوفان، وحزن بسبب تمرُّد الشعب، وألهم الأنبياء، ليس مجرد قوة إلهية، بل هو شخص إلهي. ويتضح من كل ما قيل في العهد القديم عن الروح القدس إنه أقنوم ممتاز، غير أنه لم يتّضح لكنيسة ذلك العهد أنه الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس كما انجلى لكنيسة العهد الجديد. نعم، إن الله في ثلاثة أقانيم، في جوهر واحد منذ الأزل، غير أن معرفة ذلك أُعلنت للبشر بالتدريج.
الكلام
عن الروح القدس في العهد الجديد كثير وصريح، غير أنه أقل من الكلام عن
المسيح. ومن أسباب ذلك أن المسيح بما أنه الله ظهر في الجسد حسب المواعيد
والنبوّات والرموز الكثيرة، وقدَّم نفسه كفارة عنا لأجل تبريرنا وخلاصنا،
لزم إطالة الكلام عنه في ما عمله لإثبات لاهوته، وبيان أن تلك المواعيد
والنبوَّات قد تمّت به، وإيضاح فوائد فدائه. وأما الروح القدس، فبما أنه
روح وعمله فينا روحي، جاء الكلام عنه وافياً بالمقصود وصريح العبارة، وإن
كان أقل من الكلام في المسيح. ومن أسماء الروح المبارك في العهد الجديد:
روح الله، وروح المسيح، وروح الرب، والروح القدس، وروح الله القدوس، وروح
الموعد، وروح الحياة، وروح النعمة، وروح الحق، وروح المجد، والمعزي،
والمرشد، وروح النصح. وكل هذه الأسماء، وكل ما قيل في عمله، يدل على
أقنوميته ومجده الإلهي، وعلى أهمية عمله فينا. ومما يدل على أقنوميته هو
استعمال الضمائر المختصة بالذوات العاقلة له في الأصل اليوناني. في ما يلي
النصوص التي تثبت أقنومية الروح القدس:
- ١ - هو الله: «فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ» (أعمال ٥: ٣، ٤).
- ٢ - يتكلم: «لِذٰلِكَ كَمَا يَقُولُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: ٱلْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ» (عبرانيين ٣: ٧، ٨).
- ٣ - يعيّن للخدمة: «وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أعمال الرسل ١٣: ٢).
- ٤ - يشهد للمسيح: قال له المجد: «وَمَتَى جَاءَ ٱلْمُعَزِّي ٱلَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ ٱلآبِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ، ٱلَّذِي مِنْ عِنْدِ ٱلآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا ١٥: ٢٦).
- ٥ - يرشد المؤمنين: «وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ ٱلْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ ٱلْحَقِّ» (يوحنا ١٦: ١٣).
- ٦ - عالم بكل شيء: «فَأَعْلَنَهُ ٱللّٰهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ ٱلرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ ٱللّٰه» ( ١ كورنثوس ٢: ١٠).
- ٧ - يعلّم: «وَأَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» (يوحنا ١٤: ٢٦).
- ٨ - يُحيي: «وَإِنْ كَانَ رُوحُ ٱلَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَٱلَّذِي أَقَامَ ٱلْمَسِيحَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ ٱلْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ ٱلسَّاكِنِ فِيكُمْ» (رومية ٨: ١١).
- ٩ - يبكّت العالم: «وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ» (يوحنا ١٦: ٨).
- ١٠ - يعطي المواهب للمؤمنين: «فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِٱلرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ ٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ. وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ. وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ. وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ ٱلأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ. وَلٰكِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا ٱلرُّوحُ ٱلْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ» (١ كورنثوس ١٢: ٨ - ١١).
- ١١ - يزيد المؤمنين رجاء: «وَلْيَمْلأْكُمْ إِلٰهُ ٱلرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي ٱلإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي ٱلرَّجَاءِ بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (رومية ١٥: ١٣).
- «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا هَذَا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ فِي ٱلْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَٱلآنَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ» (إشعياء ٤٨: ١٦).
- قال يسوع: «ٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (متى ٢٨: ١٩).
- «فَلَمَّا ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ ٱلْمَاءِ، وَإِذَا ٱلسَّمَاوَاتُ قَدِ ٱنْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ ٱللّٰهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى ٣: ١٦، ١٧).
- «وَمَتَى جَاءَ ٱلْمُعَزِّي ٱلَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ ٱلآبِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ، ٱلَّذِي مِنْ عِنْدِ ٱلآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا ١٥: ٢٦).
- «فَإِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي ٱلسَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: ٱلآبُ، وَٱلْكَلِمَةُ، وَٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ. وَهٰؤُلاَءِ ٱلثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ» (١يوحنا ٥: ٧).
- «فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ ٱلْبَعِيدِينَ وَٱلْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُوماً فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى ٱلآبِ» (أفسس ٢: ١٧، ١٨).
- «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ» (٢ كورنثوس ١٣: ١٤).
ليست هناك تعليقات: