الفداء مشورة إلهية

يثبت الكتاب المقدس أن عمل الخلاص بالفداء، جرى بمقتضى قصد سابق أو مشورة في ذهن الخالق. وهو يدعوه نظراً إلى إعلانه التام في وقت مجيء المسيح «تَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ (وتدبير الله) «لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ» (أفسس ١: ١٠) والسر المكتوم في الله خالق الجميع بيسوع المسيح الذي غاية الإنجيل العظيمة إعلانه. والذي قصد به إعلان حكمة الله المتنوعة بواسطة الكنيسة للرؤساء والسلاطين (أفسس ٣: ٩ - ١١).
ومقتضيات الخلاص الإلهي بالفداء ثلاثة:
  1. اختيار أو تعيين الغاية التي قصد إتمامها.
  2. إعداد الوسائط الموافقة لذلك الإتمام.
  3. استعمال الوسائط أو إجراؤها فعلاً لنوال الغاية المقصودة ولا ريب في أن هذه المقتضيات تمت عند إنفاذ الله لعمل الفداء بموجب مشورته السابقة ومما يؤيد ثقتنا في قضاء الله الأزلي في الخلاص وإجرائه فعلاً بحكم النظام. ما نراه في دائرة المخلوقات الطبيعية من احكام النظام لأن كل من له إلمام بالعلوم الطبيعية، يرى علامات الترتيب والإتقان في كل دائرة الطبيعة. فإن أجرام السماوات مثلاً، تظهر لعين الجاهل خليط نجوم لا نظام لها لكنها تظهر لعين الفلكي ذات منهاج سام وترتيب عجيب أي أن لكل الكواكب المنيرة الشاسعة أماكن معينة ومحاور ثابتة على أحسن إتقان. لا يعارض أحدها الآخر، بل يُساق بموجب الأنظمة، التي وضعت بحكمة الباري فالخالق له المجد، رب نظام وقضاء سابق في كل أعمال خليقته. فإذا كان الله يأتي ذلك في أعماله في الطبيعة فبالأولى جداً أن يأتيه في ما هو أسمى منها، أي في العلم الروحي الخاص بنصيب البشر بحيث لا يترك فيه شيئاً للاتفاق لذلك أوضح الكتاب المقدس نظام الله في أعمال النعمة، ولم يقتصر على القول بأنه عز وجل يرى الغاية من البداءة، بل زاد على ذلك بعمل كل شيء حسب رأي مشيئته كما هو مكتوب في أفسس ١: ١١.
ولا يخفى أنه إذا كان فداء الإنسان هو بحسب قضاء سابق يحيط بتدبير معين ورسم خاص، وجب أن يهمنا إدراك ذلك إدراكاً صحيحاً بواسطة مطالعة الكتاب المقدس والوقوف على كل تعاليمه في هذا الشأن، والبحث في اختيار البشر في الأمور الروحية، والتوصل إلى شهادة ذلك الاختبار بحقيقة عمل الفداء، كما هو جار في خلاص المؤمنين في كل الأزمنة.
وما من شك في أن الحاجة إلى الخلاص حاجة عامة لدى جميع الناس قال العالِم كويني سمسون لا شيء أسهل من إثبات تهمة الخطية على الجنس البشري. وقال الرسول بولس: «ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رومية ٣: ٢٣). وقبله قال داود النبي: «ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (مزمور ١٤: ٣). وقال إشعياء النبي: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء ٥٣: ٦).
فإن كان للخلاص هذا الأثر وهذه الخطورة في حياة الإنسان وأبديته، فمن اللازم أن نسأل عن طبيعته ومعناه ومدلوله المحدد والمنضبط وفي كلمة، من الواجب أن نسأل ما هو الخلاص؟ مما ينبغي أن نخلص؟ ومن الواضح تماماً، أن المسيحية هي دين الخلاص، أولاً وأخيراً ومؤسسها وبانيها، لقبه الأول والأشهر «يسوع المسيح مخلّص العالم». وأن الخلاص كما هو واضح من رسالة الإنجيل، هو خلاص الإنسان من الخطية فقد قال ملاك الله عن مريم العذراء: «فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى ١: ٢١). ووصف يوحنا المعمدان يسوع بالقول: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١: ٢٩). ويسوع قال عن نفسه: «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا ١٩: ١٠). وجاء في الكلمة الرسولية بفم بولس: «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَّوَلُهُمْ أَنَا» (١ تيموثاوس ١: ١٥).
ويعلّم الكتاب المقدس أن خلاص الإنسان يقوم أساساً على الفداء. إذن الخلاص ليس مجرد فلسفة، بل هو حقيقة لا محيض عنها لرفع الخطية وكل نظرية لا تقوم على تصحيح هذا الوضع، تعتبر نظرية باطلة وغير سليمة.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.