الله اختارني للحياة الأبدية - 2
الفصل الثاني: يُدعى المسيح «الرب»
لماذا يُدعى المسيح «رباً»؟ لقد صرفت وقتاً طويلاً عجز فيه لساني عن نطق هذا اللقب، كما لم أقدر أبداً أن أنطق «الرب يسوع المسيح». فقد تعلّمت منذ طفولتي وعلّمت الآخرين أن لا إله إلا الله. ربما لُقِّب المسيح «الرب» لأنه وُلد بغير أب بشري! وكنت أقول: لا! فقد جاء آدم للوجود بغير أب، بل وبغير أمٍ أيضاً، ولكن أحداً لم يُلقب آدم بالرب! أو هل لُقِّب المسيح بالرب بسبب معجزاته؟ لا! فقد أجرى النبي موسى معجزات كثيرة دون أن يُلقَّب بالرب. هل لأن المسيح شفى الأبرص والأكمه وأقام الموتى؟ لا! فقد أقام النبي أليشع الميت وشفى الأبرص، ولم يُدعَ رباً. هل لأن المسيح صعد مباشرة للسماء؟ لا! فقد أُخذ النبي إيليا للسماء في مركبة نارية بغير موت! إذاً لماذا لُقّب المسيح بالرب والله؟لقد دُعي المسيح رباً كما قرأنا في يوحنا ١: ١، ١٤ لأن كلمة الله صار إنساناً في ميلاد يسوع المسيح، لذلك دُعي «كلمة الحياة» (١يوحنا ١: ١) أو الله متجسداً في إنسان. ولا يجب أن نفهم التجسُّد كما تعرّفه القواميس، ولا كما تشرحه التعبيرات الجارية. فنحن نقول إن الله «موجود» ولكن الإنسان أيضاً «موجود». ولوجود الله معنى يختلف عن وجود الإنسان، فالله موجود بذاته، لأنه ذات واجب الوجود، ووجوده أزلي، ولكن الانسان موجود لأن الله أوجده، فهو مخلوق.
ولهذا السبب لا نفهم تعبير «تجسَّد الله» كما نفهم تعبيراتنا الجارية. فالقاموس يتحدث عن تناسخ (تجسُّد) القطة فيلاً، فتختفي القطة ويظهر الفيل. ولو تحوَّل الحجر (تجسَّد) ذهباً فإن وجود الحجر ينتهي ويستمر الذهب. أما التجسد الإلهي فمختلف المعنى، فوجود الله لا يتغير بتجسّده، لأن الله لا يتغير (ملاخي ٣: ٦). لقد تجسّد الله في إنسان، ولكن هذا لا يعني نهاية وجود الله وبداية وجود الإنسان، فالله واجب الوجود. فتجسد الله يعني وجود الله ووجود الإنسان. هذه كلمة تصف عملاً إلهياً يفوق المنطق، ولو أنها ليست ضده. إن تجسد الله معناه أن الله أظهر نفسه بكامل كيانه في إنسان، فأعلن إرادته وقوته ومحبته في شخص الإنسان الفريد يسوع المسيح. بهذا نفهم كلمات المسيح: «ٱلآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يوحنا ١٠: ٣٨) «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا ١٠: ٣٠) - «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا ١٤: ٩). قال الرسول بولس عن المسيح: «فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً» (كولوسي ٢: ٩).
لقد قال المسيح: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متى ٢٨: ١٨) فالمسيح القدير يحكم كل شيء، وقال عنه الرسول بولس: «هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ» (كولوسي ٢: ١٠). والله هو «الله رب العالمين». وقد «جعل يسوع رباً» (أعمال ٢: ٣٦). وهنا نرى الفرق بين «الله» و «الرب». فالله THEOS في اليونانية، والرب KYRIOS واسم الرب يحمل السلطان التشريعي والتنفيذي. وقد ظهر سلطان الله في المسيح في: (١) الخلق (٢) التشريع (٣) الهداية (٤) الغفران (٥) التجديد وإعادة الخلق بالروح (٦) الدينونة (٧) المجد.
إن كل سلطان الله المشرّع الهادي الغافر المخلّص موجود في شخص المسيح، لذلك لُقب المسيح بكلمة الحياة، والمخلص الوحيد. المسيح كلمة الحياة يمارس سلطان الله في الوعظ ومنح الغفران، لذلك جُعل يسوع رباً (أعمال ٢: ٣٦ وكولوسي ٢: ١٠).
المسيح هو «الرب»، لأن له سلطان منح الخلاص الكامل. هو مخلّص الجميع، كلمة الحياة الذي قال: «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ» (يوحنا ١٤: ٦). وأعيد قولي إن ما جعلني أعجز عن إعلان ربوبيَّة المسيح هو الشهادة الإسلامية التي تعلمتُها وعلّمتُها لغيري «لا إله إلا الله». ولكني تعلمت أن الشهادة الإسلامية لا تناقض الكتاب المقدس الذي يقول: «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (خروج ٢٠: ٣). ولهذا أرى أن ربوبية المسيح كامنة في كلمات القرآن التي تعلن أن المسيح «روح الله وكلمته» فهو يحمل كل سلطان الله العامل.
ليست هناك تعليقات: