أسئلة والرد عليها
١ - قال القديس أغسطينوس: «أنا مؤمن، لأن ذلك لا يتفق مع العقل، فأي فرق بين المجنون وبين من يلغي عقله»؟
١ - إننا نؤمن بحوادث تاريخية بناء على شهادة المؤرخين وبالحقائق العلمية بناء على شهادة العلماء. وبخبر الخلق والسقوط والفداء، بناء على شهادة الوحي، وفقاً لنص الكتاب المقدس القائل: «بِٱلإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ ٱلْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ» (عبرانيين ١١: ٣). وكذلك كل التعاليم عن الحياة الأبدية، والتجديد والتبرير والتقديس، والاتحاد بالمسيح، والقيامة والدينونة في اليوم الأخير، فإن هذه كلها قبلت بناء على شهادة الله.
٢ - إن الكتاب المقدس يعرف الإيمان كذلك. فالعهد الجديد سمي شهادة يسوع، ويسوع في الواقع لم يأت فيلسوفاً، بل شاهداً، بدليل قوله للرئيس اليهودي نيقوديموس: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا» (يوحنا ٣: ١١). وقول يوحنا المعمدان لليهود: «اَلَّذِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ ٱلْجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا. وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ ٱللّٰهَ صَادِقٌ» (يوحنا ٣: ٣١ - ٣٣).
وكذلك رسل المسيح كانوا شهوداً، إذ عينهم المسيح للشهادة، حين قال لهم: «لٰكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُّوَةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ» (أعمال الرسل ١: ٨).
وكان أعظم ما اعترض به على الرسل في بلاد اليونان، أنهم لم ينادوا بتعاليم كقضايا تقبل البرهان، ولا بينوا الأسس الفلسفية لتعاليمهم، ولا ثبتوها ببراهين عقلية. وقد أجاب رسول الجهاد العظيم بولس على هذا الاعتراض، فقال: إن الفلسفة التي هي حكمة البشر، لا تبلغ القضايا العظمى المتعلقة بالله وبأعماله، وبالخطية والفداء، وهي جهالة بالنسبة لأمور الله. وقال أيضاً إن الحقائق التي علمها لم تكن من حقائق العقل. بل من الإعلان، ويجب أن نصدقها، لا بناء على المبادئ العقلية أو الفلسفية، بل شهوداً. وأنهم لم يبرهنوا الأمور الروحية بكلام الحكمة الإنسانية، وإنما نادوا بمشورات الله. وأن الإيمان بالتعاليم الموحى بها، يجب أن يكون مبنيّاً على شهادة الله الصادقة، لا على حكمة الإنسان.
ومن الأدلة على تعليم الكتاب في الإيمان أنه التصديق بناء على الشهادة، أمره لنا بأن نؤمن بخبر الوحي بأمور الفداء إذ يقول: «مَنْ لاَ يُصَدِّقُ ٱللّٰهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا ٱللّٰهُ عَنِ ٱبْنِهِ. وَهٰذِهِ هِيَ ٱلشَّهَادَةُ: أَنَّ ٱللّٰهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ هِيَ فِي ٱبْنِهِ» (١ يوحنا ٥: ١٠ - ١١). ولا يمكن أن يعبر عن تعليم الكتاب بشأن حقيقة الإيمان، بكلام أوضح من هذه الأقوال.
والخلاصة أن موضوع الإيمان، هو إعلان الله، وأساسه شهادة الله. فمن قبل هذه الشهادة فقد ختم أن الله صادق. ومن يرفضها يجعله كاذباً، وهذا أشهر أنواع الكفر.
فإذا قبلنا شهادة الناس فشهادة الله أعظم. هذا تعليم الكتاب المستمر، والأساس الذي نبني عليه إيماننا، ليس هو موافقة الحق المعلن لعقولنا وحسب، ولا تأثيره في حواسنا، ولا كفايته للقيام بحاجات طبيعتنا وأحوالنا، بل مجرد كونه كلام الله. وله هذا الختم: «هكذا قال الرب».
ويتضح كذلك تعريف الكتاب المقدس للإيمان، من أمثلة الإيمان فيه، فإن الله وعد أبوينا الأولين على أثر السقوط بأن نسل المرأة (يسوع) يسحق رأس الحية (إبليس) والإيمان بهذا الوعد مبني على شهادة الله.
ولما أنذر نوح بمجيء الطوفان وأمره الله بأن يبني ويعد الفلك، آمن ليس لأنه رأى علامات بمجيء الطوفان، لا لأن عقله برهن له أن الإله العادل مزمع على أن ينتقم لشريعته من الناس على هذا الأسلوب، بل بناء على شهادة الله فقط.
وكذلك وعد الله إبراهيم بأن امرأته العقيم سارة ستلد له وارثاً إذ نقرأ في الكتاب العزيز: «بِٱلإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضاً أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ ٱلسِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ ٱلَّذِي وَعَدَ صَادِقاً» (عبرانيين ١١: ١١) فبحسب الظاهر، هذا القول مخالف للعقل كما نرى في الخبر، حيث قيل: «وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي ٱلأَيَّامِ، وَقَدِ ٱنْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَٱلنِّسَاءِ» (تكوين ١٨: ١١). أي إن سارة كانت قد تجاوزت التسعين عاماً من العمر، وفات الزمان الذي فيه تحمل النساء وتلد. ومع أن الأمر غير معقول حسب الطبيعة، إلا أن سارة آمنت، وبالنظر إلى كونها شريكة إبراهيم في إيمانه، ولدت بقدرة الله اسحق في شيخوختها.
وبناء على ذلك يصح تعريف الإيمان بأنه تصديق الحق، بناء على الشهادات. وإيمان المسيحيين، بما فيهم أغسطينوس هو الاقتناع بصدق الحوادث والتعاليم المدوّنة في الكتاب المقدس بناء على شهادة الله.
أ - إن المسيحية لا تؤله مريم، والآن اسمح لي بأن أهمس في أذنك بأنك بسؤالك هذا لم تكتشف أمراً مهماً، فقد ورد هذا السؤال في القرآن هكذا: «وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ» (سورة المائدة ٥: ١١٦). وقد نشأ هذا السؤال من وجود أهل بدعة عند ظهور الإسلام. وهم أناس وثنيون، حاولوا الالتصاق بالكنيسة، فنادوا ببدعة مفادها أن مريم العذراء آلهة. ويقول المؤرخون أنهم استعاضوا بها عن الزهرة، التي كانوا يعبدونها قبلاً. وقد أطلقوا على أنفسهم اسم المريميين. وأشار إليهم العلامة أحمد المقريزي في كتابه «القول الإبريزي» صفحة ٢٦. وذكرهم ابن حزم في كتابه «الملل والأهواء والنحل» صفحة ٤٨. ولكن هذه البدعة بعيدة كل البعد عن المسيحية، وليس من مسيحي واحد يؤمن بها. وقد انبرى العلماء المسيحيون زمنئذ لمقاومة هذه الضلالة بكل الحجج الكتابية والعقلية. ولم ينته القرن السابع، حتى كانت قد تلاشت تماماً.
وبالمناسبة أود أن أذكّر الصديق السائل بأن الإسلام لم يخل من أهل بدع التصقوا به، وعددهم يبلغ العشرات، أذكر منهم:
- السبانية: أتباع عبد الله بن سبأ، وهم يعتقدون بأن علي بن أبي طالب إله. ولما عاقبهم حرقاً بالنار، قالوا الآن علمنا أنك إله. لأن الإله هو الذي يعذب بالنار.
- الشيطانية: أتباع محمد بن نعمان الملقب بشيطان الطاق. ومن ممارساتهم الدينية، أنهم يكرمون الشيطان.
- الجناحية: أصحاب عبد الله بن معاوية ويعتقدون بأن الأئمة الاثني عشر آلهة، وبأن روح الله كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت في صاحبهم عبد الله المذكور الملقب بذي الجناحين.
- البزيغة: أصحاب بزيغ بن موسى، وكانوا يقولون بأن جعفر الصادق هو الله وإنما تشبه للناس بصورة إنسان.
- الحائطية: وهم أتباع أحمد بن حائط. ومن تعاليمهم أن للخلق إلهين، أحدهما خالق والآخر مخلوق.
- المزدارية: وهم أتباع عيسى بن صبح، الملقب بالمزدار. ومن أقوالهم: أن الله قادر على أن يكذب ويظلم وقالوا أن القرآن مخلوق، وأن بلاغته وفصاحته لا تعجزان الناس، بل يقدرون على الإتيان بمثله. وفرق أخرى متعددة لا يتسع مجال هذه الرسالة لذكرها كلها. فهل الإسلام مسؤول عن وجود هذه الفرق المبتدعة، وبالتالي هل وجودها يشكل طعناً في الديانة الإسلامية؟
وقال أحد الكتاب الكبار الألمان: لو كان المسيح مجرد معلم، لكان كلامه عن نفسه وتوجيه أنظار الناس إليه والإيمان به ثالباً لصفاته... ولكن بما أنه مخلّص العالم، كان من الضروري والواجب المحتوم، أن يشدد المسيح في الكلام عن نفسه، والإشارة إلى شخصيته العجيبة، لكي يؤمن الناس به. لأن الذي يؤمن به، يخلص.
قال القمص سرجيوس: ومن عجب المسيح ودلالة تفرده عن البشر قاطبة، إننا حين نطالع الإنجيل نجد أن المسيح، أينما ذهب وأينما حل تقوم الأسئلة الكثيرة وتدور حوله. وكان موقف الناس بإزائه عبارة عن علامة استفهام. فكان كلما تكلم، وكلما عمل يكون موضوع سؤال الناس.
قالوا عندما سمعوه يتكلم ورأوه يعمل: «مِنْ أَيْنَ لِهٰذَا هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ وَٱلْقُّوَاتُ؟ أَلَيْسَ هٰذَا ٱبْنَ ٱلنَّجَّارِ؟... مَا هٰذَا؟ مَا هُوَ هٰذَا ٱلتَّعْلِيمُ ٱلْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى ٱلأَرْوَاحَ ٱلنَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!» (متّى ١٣: ٥٤ و٥٥ ومرقس ١: ٢٧). وكثير وكثير من الأسئلة قامت عليه.
فما هذه الأسئلة حوله؟ أليست دليلاً على أن المسيح شخص عجيب، لم يكن كغيره من البشر، وأن هناك فارقاً عظيماً بينه وبين الناس، يشعر به كل من يراه ويسمعه؟
إن شهادة المسيح لنفسه، ما كانت لتقوم لولا أنه إله وليس مجرد بشر لأن الله وحده هو الذي يشهد لنفسه، أما كون المسيح خارقاً للطبيعة، فهذا واضح من تصريحاته:
- السلطان: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متّى ٢٨: ١٨).
- الوحدة الإلهية: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا ١٠: ٣٠). «أَنِّي فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ» (يوحنا ١٤: ١١). «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا ١٤: ٩).
-
الأزلية:
«قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا ٨: ٥٨). وهذا الإعلان أخطر ما صرح به المسيح لأن الكلمة
«أنا كائن» هي
ذات اللفظة التي عبر بها الله الآب عن نفسه، حين سأله موسى: بماذا أجيب
الشعب إذ سألني من أرسلك إلينا (خروج ٣: ١٢ - ١٤)، وهذا الإعلان يفيد أن
المسيح يرى في شخصه ذات الإله القديم، الذي ظهر في العليقة لموسى، على جبل
حوريب - قال المسيح للرسول يوحنا، حين ظهر له في جزيرة بطمس:
«أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ
وَٱلْيَاءُ، ٱلْبَدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ
وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (رؤيا ١: ٨).
- الألف والياء هما الحرفان الأول والآخر من حروف الهجاء. وهما في الأصل اليوناني الذي كتب به الإنجيل «ألفا وأميغا» وهما يعبران عن أزلية المسيح وأبديته الإله الذي ليس قبله شيء.
الكائن والذي كان والذي يأتي، هذا تصريح بسرمدية المسيح وقوته غير المحدودة. - الله يتكلم في المسيح: قال له المجد: «ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لٰكِنَّ ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (يوحنا ١٤: ١٠).
- وجوده في السماء وعلى الأرض، في حديثه مع الرئيس اليهودي نيقوديموس قال المسيح: «وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلاَّ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (يوحنا ٣: ١٣). فهنا نلاحظ أن المسيح يتحدث ليس فقط عن مجيئه من السماء، بل أيضاً عن وجوده الدائم في السماء.
-
إنه ديان الأحياء والأموات:
«وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ
ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ،
فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ
جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ
ٱلرَّاعِي ٱلْخِرَافَ مِنَ ٱلْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ
يَمِينِهِ وَٱلْجِدَاءَ عَنِ ٱلْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ
لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا
ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ. لأَنِّي
جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً
فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي.
مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ ٱلأَبْرَارُ حِينَئِذٍ:
يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَاناً
فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ، أَوْ
عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً
فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ ٱلْمَلِكُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:
بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هٰؤُلاَءِ ٱلأَصَاغِرِ،
فَبِي فَعَلْتُمْ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ ٱلْيَسَارِ:
ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ
ٱلْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (متّى ٢٥: ٣١ - ٤١).
فالمسيح بتصريحه هذا أبان أنه ديان الجميع العادل، وأنه سيأتي بمجد عظيم مع ملائكته، وتكون دينونته قاطعة ونهائية. وقد أصر على هذا التصريح في أثناء محاكمته أمام قيافا رئيس الكهنة لما سأله إن كان هو المسيح ابن الله الحي، فأجاب: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُّوَةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ» (متّى ٢٦: ٦٣ - ٦٤).
فلو كان المسيح مجرد إنسان كاذب، لكان حين رأى حكم الموت الذي صدر عليه بسبب هذا الادعاء، تراجع عن تصريحه لينجو من حكم الموت. فكيف يكون إذن مجرد إنسان ويدين كل العالم، حسب عمل كل واحد، خيراً كان أم شراً. - حضوره في كل زمان ومكان: قال لتلاميذه: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متّى ٢٨: ٢٠). «لأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متّى ١٨: ٢٠).
- إنه واضع الناموس ومكمله: فقد قال: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ... قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُّوَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متّى ٥: ٢١ - ٤٨).
ليست هناك تعليقات: