الله اختارني للحياة الأبدية - 4

الفصل الرابع: موت المسيح وقيامته

تقول سورة النساء ٤: ١٥٧ «وَقَوْلِهِمْ (اليهود) إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً».
وما أكثر ما يستخدم الوعاظ المسلمون هذه الآية القرآنية (كما سبق أن فعلتُ) لينكروا أن المسيح مات على صليب. ولقد رفضتُ احتمال أن النبي الصالح، حبيب الله، يموت مصلوباً دون أن يمدّ الله له يد العون. ولو كان هو «ابن الله» فكيف يترك الآب ابنه لمثل هذا الهوان؟! ولكن بعد أن أدركتُ أن حق الكتاب المقدس يؤيده القرآن، كما تأمر المائدة ٥: ٦٨ «يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ» جعلت أفكر في موضوع الصلب كما جاء في الإنجيل والقرآن، ودرست الأمر برويَّة وبغير تحيُّز، فوصلت للمعلومات التالية:
  1. يقول المسلمون إن شخصاً صُلب ومات، بدون تحديد لهُويته. وينكر المسلمون أن الذي صُلب هو المسيح، ويقولون إن الذي صُلب هو يهوذا الخائن، أو أحد تلاميذ المسيح.
  2. يؤكد القرآن اقتناع اليهود أنهم قتلوا رسول الله عيسى ابن مريم وصلبوه.
ولقد حاولت أن أعرف من هو الذي صُلب ومات: المسيح أم من؟ ولذلك كان لا بد من الرجوع للوثائق التاريخية، ومن ضمنها الكتاب المقدس الذي يحوي حقائق تاريخية أكيدة - فقد سجلت الروايات الأربع للإنجيل (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) قصة الصلب، وثلاث من هذه الروايات هي لشهود عيان. فلو سلَّمنا بشَرْع أن رواية شاهدين تكون سليمة (حسب الشريعة في تثنية ١٧: ٦، ٧) تكون رواية ثلاثة شهود عيان لحادثة الصلب صحيحة وقانونية ومعتمدة، بل أنها أكثر اعتماداً من رواية محمد والقرآن الذي كُتب بعد ذلك بستة قرون، ولم يكن صاحبه شاهد عيان.
وهناك شهادة أخرى لموت المسيح: لما أعلن رئيس الجنود الذين قاموا بصلب المسيح، أن المسيح مات، طلب يوسف الرامي من بيلاطس الوالي أن يسمح له بأخذ جسد المسيح، فسمح له الوالي بذلك (مرقس ١٥: ٤٢-٤٦). ولو كان الجسد الذي أُنزل عن الصليب ليس جسد المسيح، لرفض يوسف الرامي استلامه، لأنه ليس الجسد الحقيقي.
وهناك برهان آخر. طلب اليهود من بيلاطس حراسة قبر المسيح. وما كان بيلاطس ليأمر بحراسة القبر لو لم يكن المسيح هو المدفون فيه، لأنه سمع المسيح يقول إنه سيقوم في اليوم الثالث.
ولو أن المصلوب كان غير المسيح، لما نطق بكلمات المحبة على الصليب، كقوله: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا ٢٣: ٣٤) وقوله: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا ١٩: ٣٠). ما كان يمكن أن يكون المصلوب غير المسيح!
وهكذا تيقَّنْت أن المصلوب الذي أشارت إليه سورة النساء ١٥٧ كان بلا شك المسيح نفسه، وليس سواه. إن شهادة البشائر الأربع مقنعة وقانونية وصادقة.

قيامة المسيح من الموت:

لا يوجد في القرآن ما ينكر قيامة المسيح، بل إننا نقرأ في سورة مريم ١٩: ٣٣ «وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً». وهذا الشاهد القرآني يؤكد أن المسيح مات (مع أن البعض ينكر موت الصليب) كما يؤكد أنه قام و «بُعث حياً». والبعث للحياة دوماً يعقب الموت «أموت». ولقد قام المسيح في اليوم الثالث من موته بجسد حقيقي مرئي ملموس (فيلبي ٣: ٢١). لقد توَّجت قيامة المسيح صلبه، فلو أن المسيح مات ودُفن وبقي في قبره لكانت هذه لطمة للمسيحيين، لأنها تعني أن ربَّهم مات وانتهى، ولاضمحلت حياتهم، وما تبقَّى لهم أمل في حاضر ولا مستقبل! ولو أن عظام المسيح بقيت في قبره لما عبد المسيحيون المسيح، ولما قبلوا المعمودية باسم رب ميت. إن الميت لا يستحق الاتّباع!
لقد مات المسيح مصلوباً ليبرهن لنا محبة الله، لا ليبقى ميتاً. وقد قام منتصراً ليحيا إلى انقضاء الدهور حياة يشهدها ويلمسها الجميع. والكنيسة اليوم تشهد لهذه القيامة المجيدة في كل العالم، بإيمان عامر بالرجاء، فمخلصنا حي إلى الأبد. وإيماننا مبني على المحبة، وحتى لو تألمنا في سبيل إيماننا فسنتمجَّد أيضاً به! (رومية ٨: ١٧).
وفي قيامة المسيح نقوم من كل أنواع الموت:
  1. نقوم من موت الخلافات العائلية، والتناقض والكراهية.
  2. نقوم من موت كسب خبزنا بالألم.
  3. نقوم من موت القلوب القلقة.
  4. نقوم من موت الإيمان الضعيف.
  5. نقوم من موت الفكر الأناني.
  6. نقوم من موت الخوف من المرض والمعاناة.
  7. نقوم من موت الخطية والضعف الروحي والأخلاقي.

معنى موت المسيح:

كتب الرسول بطرس بالوحي المقدس: «لأَنَّ هٰذَا فَضْلٌ إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ ٱللّٰهِ يَحْتَمِلُ أَحْزَاناً مُتَأَلِّماً بِٱلظُّلْمِ. لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ ٱلْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهٰذَا فَضْلٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ، لأَنَّكُمْ لِهٰذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، ٱلَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ. ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ. لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لٰكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ ٱلآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا» (١بطرس ٢: ١٩-٢٥).
كان صلب المسيح قمة آلامه. ولم يكن أحد يحب أن يموت مصلوباً، وقد قبل المسيح الصلب لأن الآب رسم له ذلك. وقد تنبأ النبي إشعياء بآلام المسيح المصلوب قبل حدوثها بسبع مائة سنة، قال: «لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ» (إشعياء ٥٣: ٤ - ١٢).
وقد عرف المسيح أن هذه النبوة ستتحقق فيه، لأنه عبد الرب، وعندما واجه المسيح الصلب قال لتلاميذه الذين حاولوا الدفاع عنه: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ ٱلآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ ٱلْكُتُبُ: أَنَّهُ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟» (متى ٢٦: ٥٢ - ٥٤).
لقد سلَّم شيوخ اليهود المسيح إلى الوالي الروماني ليصلبه، لا لأنه أخطأ ضد التوراة، لكن لأنه قال إنه ابن الله وساوى نفسه بالله. ونحن نرى الصلب الذي قاساه المسيح، وسيلة التضحية لخلاصنا من قوة الخطية، لنحيا بروح الله حياة أبدية في السماء.

صعود المسيح للسماء (المعراج):

رأى أحد عشر تلميذاً صعود المسيح للسماء (معراجه) وذلك خارج قرية بيت عنيا (لوقا ٢٤: ٥٠-٥١). ولا يعترض القرآن على صعود المسيح للسماء. بالعكس. إن القرآن يؤيد الصعود «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ» (آل عمران ٣: ٥٥). وهناك ملاحظتان حول صعود المسيح للسماء:
١ - قدم المسيح لتلاميذه وصيته الأخيرة، وهي تعلن هدف مجيئه للعالم. فقد أمرهم:
  1. أن يذهبوا الى العالم أجمع ويكرزوا بإنجيل الخلاص ليجيئوا بأتباعٍ للمسيح.
  2. أن يعمدوهم باسم الثالوث: الآب والابن والروح القدس.
  3. أن يعلموهم كل ما علَّمه المسيح لهم، في الإنجيل خاصة والكتاب المقدس عامة.
٢ - وعدهم أن يمنحهم جميعاً الروح القدس، ولكل من يؤمن به بكلامهم (فالوعد لنا نحن أيضاً) لينالوا قوة يشهدون بها لحقِّ المسيح ابن الله، كلمة الله الحي. ويبقى الروح القدس مع تابعي المسيح حتى نهاية الزمان.

مجيء المسيح ثانية:

سيجيء المسيح ثانية دياناً للأرض كلها، فيدين الأحياء والأموات (أعمال ١: ١١، رؤيا ٢٠: ١١-١٥). وبهذا أيضاً يؤمن المسلمون جميعاً، فقد جاء في حديث البخاري، عن أبي هريرة عن نبي الإسلام: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم». وجاء في سنن الإمام أحمد بن حنبل: «ليوشكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم إماماً مهدياً وحَكَماً عَدْلاً». وقال نبي الاسلام: «والله لينزل ابن مريم حَكَماً عَدْلاً». وواضح من «حكماً عدلاً» أن المسيح في مجيئه ثانية لن يكون نبياً يعلّم الناس شريعة الله، كما يعرفونها اليوم في التوراة أو الإنجيل أو القرآن، لكنه سيكون ديّاناً للجميع، ومعه كتاب هو «كتاب الحياة» (رؤيا ٢٠: ١١ - ١٥). وقد جاء في رومية ٢: ١٦ «في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح».
بعد ما عرفتُ كل هذا لم يبق عندي ما يعطل إيماني بالمسيح رباً ومخلّصاً لي، أنتظر مجيئه ثانية قاضياً عادلاً. وقد شهد القرآن لأتباع المسيح بالقول: «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ» (آل عمران ٣: ٥٥). ومن هذا يتضح ضمان الخلاص والحياة الأبدية لمن يتبعون المسيح. وقد قال المسيح: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاة» (يوحنا ٥: ٢٤) وقال أيضاً: «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنا ١٤: ٦).

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.