قصة البحث عن اليقين

طفولتي

وُلِدتُ يوم الجمعة ١٥ يوليو (تمّوز) سنة ١٩٥١م. من عائلة إمام مسلم يسمّونه في الهند «مُلّة»، في قرية «شيركونو» وهي ضيعة صغيرة تبعد خمسة أميال عن مدينة «مالابورام» بمقاطعة «كيرالا» بجنوب الهند. وكانت عائلتي محترمة من كلّ الجيران بسبب ما اشتهرت به من نقاوة الحياة، والتقوى، والمحافظة على الطقوس والفرائض الدينيّة بدقّة متناهية. ومن الواجبات الرئيسيّة التي كان والدي يقوم بها: تعليم بيوت الجيران المسلمين قراءات من القرآن باللغة العربيّة. ولكنّ ذلك لم يجعله يهمل تعليم أفراد عائلته.
ولا أزال أذكر كيف كنت أجلس في حضن والدي بعد صلاة العِشاء وأستمع إليه وهو يتلو القرآن وأتعلّم منه. وكانت أعمال عائلتنا يوميّاً تبدأ مع صلاة الصباح وتلاوات من القرآن، وتُختَم كذلك بتلاوات من القرآن والصلاة. وهذا النظام الدقيق الذي كان يمارسه والدانا كان يسود جوّ البيت.
وعندما بلغت سنّ الخامسة أُرسِلتُ إلى أقرب مدرسة إسلاميّة دينيّة لأتعلّم اللغة العربيّة ولأدرس التعاليم الإسلاميّة والقرآن، إلى جانب موادّ التعليم الأخرى. وبعد خمس سنوات في هذه الدراسة أُرسِلتُ إلى مدرسة نظاميّة في «كوتاكال»، على بعد ميليْن من بيتنا حيث درست سنة ونصف سنة. لكنّي لم أستطع أن أكمل دراستي لأسباب سأبيّنها فيما بعد.

يوم مشهود

في يوم سبت، وكان هو يوم السوق في «كوتاكال» كنت وبعض أصدقائي راجعين من المدرسة إلى البيت، فرأينا جمهوراً كبيراً من الناس مجتمعين عند باب السوق. وقد جذب هذا الجمهور الكبير عددٌ من المسيحيّين كانوا يكرزون بإيمانهم. وكانوا يعلّمون فقرات من حياة المسيح، يشرحونها على قطعة من قماش الفانلاّ وكانوا يوزّعون بعض النبذ والكتب الصغيرة. وقد ضحكنا على هؤلاء المسيحيّين واستهزأنا بهم في بادئ الأمر. ولكنّهم لمّا بدأوا يبيعون تلك الكتب اشترينا كتيّبيْن منهم. اشتريتُ كتيّباً عنوانه «قلب باك»، وأخذ صديقي كتيّباً آخر عنوانه «طريق الخلاص». وفي طريقنا إلى بيوتنا، بدأنا نتحدّث عن هذه الكتيّبات وعن هؤلاء المسيحيّين. فمزّق صديقي كتيّبه، أمّا أنا فمع أنّي كنت أكره المسيحيّين الذين نسمّيهم «نصارى» فقد احتفظتُ بكتيّبي.
ولمّا وصلتُ إلى البيت أخذتُ كتاب «قلب باك» إلى مكان هادئ منفرد وبدأت أقرأه. ووجدته يحتوي على حديث بين شخص مسيحيّ وشابّ، ويشتمل على قصّة طريفة. وكنت وأنا أقرأ أتساءل: ترى هل يسوع الذي يتحدّث عنه هذا الكتيّب هو نفسه عيسى الذي نعتقد نحن المسلمين أنّه نبيّ أم هو شخص آخر؟ وحسب فكري وجدت يسوع في هذا الكتيّب يختلف عن يسوع (عيسى) كما هو في القرآن والإيمان الإسلاميّ. لأنّ هذا الكتيّب يصوّر يسوع كشخص قادر أن يغفر الخطايا. وغفران الخطايا هذا كما يقدّمه يسوع هو الذي يجعل الولد ولداً أفضل، وذلك زاد محبّتي ليسوع.
لمّا تركّز الحديث في هذا الكتيّب عن حالة قلب الشابّ الروحيّة المحزنة، شعرت كأنّ المسيح يخاطبني أنا أيضاً. ووجدت قلبي في حالة أسوأ من قلب ذلك الشابّ. فكنت أتساءل كيف أستطيع أن أتحرّر من هذا المرض الروحيّ. ومع أنّ هذا الكتيّب يقدّم العلاج، رفضته، لأنّ إيماني الإسلاميّ يرى أنّ الله وحده، وليس يسوع النبيّ هو الذي يقدر أن يغفر الخطايا.
لكنّي لم أستطع أن أتخلّص من قوّة البرهان الذي يقدّمه الكتيّب. وأثار في نفسي حقيقة مزعجة عن خطيّتي. ترى ماذا يكون مصيري عند الموت أو في يوم الدينونة ولا مفرّ منهما؟ لذلك صمّمت أن آخذ منهاج دروس بالمراسلة وجدت إعلاناً عنه في هذا الكتيّب.

دراسة أكثر

أرسل لي مركز دروس المراسلة المنهاج فوراً. ولكن لسوء الحظّ قدّم ساعي البريد هذه الدروس إلى عمّي ليسلّمها لي. وفي اليوم التالي قدّمها عمّي إلى والدي وأعمامي الآخرين. فكانت النتيجة أنهم قرّروا وقف هذه الدراسة قبل أن تبدأ.
في مساء ذلك اليوم عندما عدت من المدرسة ربطني والدي إلى عمود في شرفة بيتنا وضربني بعصا حتّى أعيت قوّتي. وفي صباح اليوم التالي دعاني وتكلّم معي بلطف ومحبّة وقال: نحن المسلمين يجب أن لا نقرأ هذه الكتب فإنها محرّمة، لا سيّما كتب المسيحيّين. وذلك لأنها كتب جذّابة جدّاً بحيث إذا قرأناها نصبح نحن أيضاً مسيحيّين. وماذا يحدث لعائلتنا عندئذٍ؟ إنّ ذلك يؤثّر على حياتنا كلّها ويرفضنا مجتمعنا، ويصير هذا لعنة على الإسلام. ووعدتُ والدي أنّي لن أعود أقرأ هذه الكتب.
مزَّقتُ ذلك الكتيّب وأحرقته ولعنتُ نفسي لأنّي لم أفعل كما فعل صديقي من قبل بكتيّبه. وصرت منذ ذلك الوقت مخلصاً جدّاً في إتمام الصلوات اليوميّة الفرضية، والأدعية الإضافية التطوعية. مع ذلك بدأت مع مرور الأيام أشعر بفقدان سلام الفكر وراحة القلب كلّما تذكّرت ذلك الكتيّب وتأمّلتُ في حالة قلبي.
كيف يمكن أن أنسى اسم «يسوع» وأنا أتلو القرآن دائماً بين صلاة الغروب وصلاة العشاء. ... هذا شجّعني أيضاً أن أدرس عن يسوع في القرآن والكتب الإسلاميّة الأخرى التي تيسّرت لي مثل «قصص الأنبياء». ورغم أن إلمامي باللغة العربيّة كان محدوداً فقد ثابرت على ذلك بمساعدة يوسف مولاوي، وهو معلّم مسلم في المدرسة العربيّة القريبة من بيتنا وصديق حميم لعائلتنا. لقد وجدت أنّ لعيسى مكانة مهمّة جدّاً في القرآن أكثر حتّى من النبيّ محمّد. وسرعان ما اكتشف مولاوي وعائلتي رغبتي الملحّة في المزيد من المعرفة عن يسوع، فاقترحوا بلطف أن أركّز دراستي أكثر عن محمّد. مع ذلك ظللت أتساءل وأتأمّل في الآيات والفصول القرآنيّة عن يسوع، وميلاده الفريد وأعماله العجيبة. خذ مثلاً:
«إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ ٱللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَاً بِإِذْنِ ٱللهِ وَأُبْرِئُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِي ٱلْمَوْتَى بِإِذْنِ ٱللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَٱتَّقُوا ٱللهَ وَأَطِيعُونِ» (سورة آل عمران ٣: ٤٥-٥٠).
لاحظت أيضاً أنّ القرآن يشير بنوع خاصّ إلى التوراة وهي جزء من العهد القديم، والإنجيل أي العهد الجديد ويدعو الناس إلى الإيمان بهما لأنّهما «هُدًى وَنُورٌ» (سورة المائدة ٥: ٤٦). وكثيراً ما خطرت ببالي آية أخرى:
«فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَٱسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَأُونَ ٱلْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ ٱلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ» (سورة يونس ١٠: ٩٤).
لمّا قرأت هذه الآية تذكّرت المسيحيّين والكتيّب. وقلت في نفسي إنّ المسيحيّين بحسب تعليم الإسلام هم «أهل الكتاب». وإذا كان القرآن قد شجّع محمّداً أن يسأل المسيحيّين عن شكوكه فلماذا يحرّم ذلك عليّ أنا؟ لكنّي شعرت بصعوبة في التقرّب إلى المسيحيّين الذين لم تكن لي معهم سوى صلة قليلة. وأنا أعلم أنّ عائلتي لا توافق على ذلك.
في مدينة «مالابورام» يوجد مستشفى مسيحي. وقد صمّمت أن أذهب إليه يوماً مع صديقي عبد الله. ولما وصلنا أرشدنا السيّد كونيو كونيا، صيدلي المستشفى، بلطف إلى خادم الربّ. وكنّا صغاراً وفي حالة عصبيّة ولا نعرف ماذا ننتظر، لكن خادم الربّ حيّانا بطريقة ودّية وجعلنا نشعر براحة واطمئنان.
بعد شيء من الحديث والبحث، اقترح علينا خادم الربّ أن نحضر صفوف مدرسة الأحد، وقادنا إلى غرفة القراءة المسيحية. هناك تقابلنا مع السيّد س. ر. جورج المشرف على غرفة القراءة. وقد صار جورج فيما بعد صديقي الحميم جداً وأخي بالمعنى الحقيقيّ، وقد ساعدني في التغلّب على متاعب كثيرة متنوّعة صادفتني. وقد سجّلني في دروس بالمراسلة مؤسّسة على إنجيل يوحنّا. وقد واظب عبد الله وأنا على مدرسة الأحد عدّة أسابيع دون أن يعلم والدانا بذلك. وكان جورج يعاملنا بلطف وأحياناً يدفع أجرة الأوتوبيس (الحافلة) وأحياناً كنّا نمشي تلك المسافة التي تبلغ خمسة أميال. ومرّة ضبطنا بعض جيراننا وسألوا عبد الله عن سبب وجودنا في ذلك المكان وضربوه حتّى ألزموه أن يفشي سرّنا.
وفي مساء اليوم التالي لما عدت من المدرسة رأيت أمّي وأختي الصغرى تبكيان فقد علمتا أنّ أبي قد أعدّ لي شيئاً. وحالما دخلت البيت ظهر أبي فجأة وهو يصيح وأمسكني وربطني ووضعني قرب حائط وضربني وطلاني بطلاء أخضر غطّى وجهي وعينيّ. وهو يسألني طوال الوقت لماذا أقرأ الكتب المسيحيّة وأختلط مع المسيحيّين. وقد أُغمي على والدتي. وبعد وقت تعطّفت عليّ إحدى جاراتنا مع زوجة أخي وأخذتاني إلى برميل ماء حيث اغتسلت.
في صباح اليوم التالي دعاني والدي وطلب منّي أن أكرّر الشهادتَين «لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله» وقادني هو في هذه التلاوة. ثمّ حذّرني من المسيحيّة وتعاليمها الفاسدة عن يسوع المسيح وعن تحريف الإنجيل وحياة المسيحيّين الرديئة. وطلب من زوجة أخي أن تحرق كتبي المسيحيّة وقد فعلت ذلك. وهذا أثّر فيّ أشدّ تأثير فبكيت بحرقة ومرارة. ولم يكن عندي سلام القلب لأنّ فرصة تعلّمي أكثر عن يسوع وعن الإنجيل من الأصدقاء المسيحيّين قد ضاعت.
عندما ذهبت إلى المكان الذي فيه حرقتُ كتيّبي «قلب باك» تأسّفت جداً لضياع هذا الكتيّب. وكلّما تذكّرت الحديث في هذا الكتيّب عاودني الصراع والألم. وعاودني أيضاً اختبار الشابّ المبهج بالغفران وزاد حمل الخطيّة الثقيل على قلبي. وأنا كمسلم قد تعلّمتُ أننا نحن أنفسنا مسؤولون عن خطايانا، ولا يستطيع أحد آخر أن يحمل حمل أيّ شخص (سورة الأنعام ٦: ١٦٤). كيف إذاً استطاع يسوع أن يغفر لأيّ شخص؟ مع ذلك ظللت أصلّي طالباً مزيداً من الإرشاد.
لم يفارقني الشعور بخطيّتي قطّ. وظلّ ينهش قلبي باستمرار. وبعد أسبوعين عاودني شوق شديد أن أرى أصدقائي المسيحيّين الذين يمكن أن أشاركهم متاعبي وشكوكي. وشجّعني خادم الربّ إذ أجاب على أسئلتي عن المعتقدات والتصرّفات المسيحيّة. وقد أقنعتني أجوبته لأنّه كان يعرف القرآن والإيمان الإسلاميّ.
عدتُ إلى البيت ومعي نسخة من الإنجيل كلّه أهداها إليّ صديقي جورج. ومع أني كنت فرحاً جدّاً بها إلاّ أني كنت أخاف أن يراها أحد من أهل بيتي. لذلك وضعت الإنجيل في كيس من البلاستيك وخبّأته تحت حجر في غابة. وكثيراً ما كنت أذهب إلى الغابة وأقرأه هناك، خصوصاً إنجيل يوحنّا. وقد أعطتني آية قالها الربّ يسوع شيئاً من التعزية «لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللّٰهِ فَآمِنُوا بِي» (يوحنّا ١٤: ١).
وقد أثّرت في نفسي في ذلك الوقت كلمات الربّ يسوع «آمِنُوا بِي». في وسط قلقي حملت هذه الآية تعزية لقلبي المضطرب.
في يوم الأحد التالي وأنا في طريقي إلى مدرسة الأحد لاحظت عمّي بين ركّاب الأوتوبيس الذي كنت فيه. وارتعبت ممّا سوف ألاقيه لو أخبر عمّي والدي بذلك. لكنّي حضرت مدرسة الأحد وصرفت وقتاً مع خادم الربّ.
قبل أن ألتقي بأصدقائي المسيحيّين الجدد كنت متعصّباً جداً ضدّ المسيحيّين لأني سمعت مذمّات كثيرة عنهم. لكنّي لما لاحظت أخلاق خادم الربّ وتصرّفاته وأسلوب حياته وموقفه تجاه المسلمين، وجدتُ أن كلّ الانتقادات التي سمعتها عن المسيحيّة باطلة ولا تنطبق عليه. وهذا جعلني أفكّر: هل محبّته أعظم من محبّة المسلمين؟ هل الربّ يسوع المسيح عمل له أكثر ممّا عمل نبيّي لي؟ وهذا جعلني أتحيّر لأني كنت أعتقد أن كلّ شخص غير مسلم بما في ذلك النصارى الذين يؤمنون أنّ الله هو المسيح، كافر يرفضه الله كما يقول القرآن:
«لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُوا ٱللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِٱللهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللهُ عَلَيْهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (سورة المائدة ٥: ٧٢-٧٣).
وتذكّرت أيضاً ما كنت أفكّر فيه من قبل وهو أنّي كعضو في الأمّة الإسلاميّة، قد أسلمت نفسي لله، فأنا أقدس من المسيحيّين. ولكن كلّما زاد شعوري بذنوبي وخطاياي أدركت أنّ خادم الربّ هو الذي أسلم نفسه لله، لأنّ أخلاقه تدلّ على ذلك. وصرت أعلم أن محبّته تصدر من المسيح كما وصفها «قلب باك» وقد جذبتني محبّة المسيح كالمغناطيس. وفكّرت أنه لو كان المسيح سيّدي لأحببته حباً فائقاً. مع ذلك لما كان هذا الفكر يخطر ببالي كنت أرفضه كأنّه فكر شرّير صادر من الشيطان لأني كنت مسلماً.
عدتُ من «مالابورن» بخوف شديد، وكنتُ مستعداً أن أقبل أيّ عقاب يوقعه والدي عليّ، ولكن مضى يومان دون أن يحدث شيء. وفي اليوم الثالث أمسكني والدي بعد المدرسة وألقاني في غابة، وأخذ يضربني بعصاً ضرباً قاسياً، وأوقع بي عقاباً يكاد يكون قاتلاً. وضرب أمّي أيضاً عندما جاءت لإنقاذي. ولم أنجُ إلاّ بنعمة الله وعدت واعترفت مرّة أخرى بإيماني وعقيدتي الإسلاميّة ووعدت أبي أن لا أعود أتّصل بالمسيحيّين فيما بعد. ترى هل كان اعترافي مجرّد تهرّب من عقاب آخر؟
كان صديقي عبد الله قد نشر الأخبار في كلّ المنطقة وصارت حياتي كئيبة، وصار الناس يستهزئون بي وينعتونني بأقذر الأسماء، ويرمونني بالحجارة وبينما كنتُ أرجع من المدرسة كنت أسمعهم يقولون: هذا هو الملعون. هذا هو النصرانيّ! وصار الأقرباء والأصدقاء والمعلّمون يعاملونني بقسوة. وصرت أشعر بحيرة وتعب ووحدة واضطراب. وفي هذه الفترة كان الإنجيل المقدّس رفيقي الدائم. تعوّدتُ أن أذهب إلى الغابة لأقرأه وأدرسه كلّما وجدت فرصة.
ثار الصراع القديم في قلبي مرّة أخرى وأنا أقرأ الإنجيل سرّاً. ووجدت خلافاً في النقط الجوهريّة بين محتوياته وبين عقائدي الإسلاميّة. كم حيّرتني كمسلم وأثارتني كلمات المسيح في الآيات التالية:
«أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنّا ١٤: ٦).
«وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنّا ١٧: ٣).
«إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يوحنّا ١٤: ٢٣).
وبما أنه لم يكن عندي أحد يوضح لي هذه الآيات فقد ظللت أقرأ طالباً الإرشاد من الله.

مربوط بالمحبّة

زال الألم وشفيت جروح جسمي، لكن علامات محبّة المسيحيّين وآثار الكتب بقيت في نفسي. شعرت بشيء يدفعني لتجديد هذه العلاقة وقرّرت أن ألتقي مع أصدقائي مرّة أخرى. وإذ بدأت المسير رآني الأقرباء والجيران وخفت من العواقب. في الواقع قرّرت أن أترك المكان. ولمّا وصلت إلى بيت خادم الربّ ذكرت له مشاكلي وأريته آثار الجروح وطلبت منه أن يساعدني حتى أذهب إلى «ميسور» حيث توجد أختي المتزوّجة. وكانت أختي تحبّني، وهي وزوجها سيرحّبان بي ويعاملانني بلطف. لكن خادم الربّ نصحني أن أعود إلى البيت، وأخبرني بأنّني بعد أن أتقدّم في السنّ أستطيع أن أرحل، ولكن يلزم أن أبقى في البيت إلى ذلك الوقت، وأن أعيش بهدوء وأنمو في الإيمان والمحبّة، راجياً أن يمتدّ تأثيري إلى عائلتي وأصدقائي. وقال لي إنّ الله سيبقى مخلّصي وحارسي وصديقي. وكنت في ذلك الوقت في الصفّ السابع.
وحيث أنّ الوقت كان متأخّراً في المساء وكنت أخاف، طلبت أن أبيت تلك الليلة في غرفة القراءة. ومكثت يوماً آخر مع صديقي جورج. وقد عرف بعض الناس إني كنت هناك، فحضروا من منطقتي مع بعض رجال الشرطة ليأخذوني. وطلبوا من جورج أن يسلّمني بل اتّهموه بخطفي. فأجاب جورج «علوي هنا. وقد جاء برغبته، ويمكنكم أن تأخذوه ولكن لا تضربوه مرّة أخرى». ولما جاء بعض المسلمين لمساندة أصدقائهم المسيحيّين في غرفة القراءة حدثت مشاجرة بين المسلمين أنفسهم. وفي أثناء انشغال الجميع بالمنازعة هربت من بابٍ خلفي وذهبت إلى حقل وقفزت إلى ترعة ماء متظاهراً بأني أسبح.
بعد فترة قصيرة جاء بعض المسلمين ووجدوني وأخذوني إلى غرفة قراءة للمسلمين تُدعى «مايلا نادو» وهناك سألوني عدّة أسئلة، وصاحوا عليّ وعاملوني بقسوة. وكانت أمّي في ذلك الوقت تبحث عنّي في مختلف الأماكن حيث كان يسكن أقاربي. وفي هذه اللحظة وجدني شقيق زوج أختي وأنقذني ممّن كانوا قد أمسكوني. وحالما وصلنا إلى البيت أرسل والدي أختي الصغرى لتدعو أعمامي، وحضر في ذلك الوقت جمع كبير احتشدوا أمام منزلنا.
ولما اجتمع كلّ أعمامي سأل والدي كلّ واحد منهم: ماذا نفعل بعلوي؟ لقد بذلنا كلّ جهدنا حتّى نبقيه بعيداً عن المسيحيين ونمنعه من التأثير المسيحيّ. ماذا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك؟ أجاب أوّل واحد من أعمامي إنّه يجب على والدي أن يقتلني بقطع رقبتي. وقال الثاني نفس الشيء، ولكن بصورة أشدّ تأكيداً من الأوّل. وقدّم الثالث رأياً يختلف. اقترح تركي أموت جوعاً. لو قتلوني كما قال عمّي الأوّل والثاني لوُضِعَت العائلة كلّها في السجن. وصرخت أمّي وقالت «اقتلوني أوّلاً قبل أن تقتلوا ابني». هذا جعلني أبكي وأصرخ بمرارة. ولا أستطيع أن أعبّر عن الألم والخوف الذي كان في قلبي وأنا أفكّر بما سيفعلون بي. وقد قبلت الهيئة كلّها رأي عمّي الثالث. وقام واحد من أعمامي يضربني بقسوة إلى أن أوقفه والدي. وربط والدي يديَّ وراء ظهري وبقيت على هذه الحالة ثلاثة أسابيع. وأمر أن يقدَّم لي الطعام مرّة واحدة في اليوم، ولكن كانت أمّي في غيابه تقدّم لي الطعام في أوقات أُخرى.
ذات يوم جاء أبي إليّ مع أخيه الأصغر يرافقهما حدّاد. وطلب منّي عمّي أن أتلو العقيدة الإسلاميّة أمام أبي. فلم يستطع فمي أن ينطق بالكلام، وصاحت أمّي وأخواتي والآخرون بي أن أتلو الشهادتَين فلم أستطع. ولم أدرِ ماذا حدث لي. لماذا لا أستطيع أن أتكلّم. أخيراً انصاع الحدّاد للأمر ووضع قيداً من حديد في رجليّ كلتَيهما وأغلق القيد، وظللت على هذه الصورة مدّة الأسابيع الستّة التالية. وزارني صديقي السابق عبد الله الذي مزّق كتيّبه وسألني لماذا فعلت هذا، وكان يعلم أنّ السبب هو ذلك الكتيّب. أمّا أنا فلم أجبه بكلمة. ولكن فيما كنت مقيّداً تذكّرت كلمات كتاب آخر هو الإنجيل المقدّس وهي:
«لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللّٰهِ فَآمِنُوا بِي» (يوحنّا ١٤: ١).
«وَتَعْرِفُونَ ٱلْحَقَّ وَٱلْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يوحنّا ٨: ٣٢).
ترى وأنا أتطلّع إلى قيودي هل كنت أضحك على نفسي وأنا أذكر كلمات المسيح هذه؟ ربّما تحت مثل هذا الضيق يختبر الإنسان تعزيات المسيح أكثر من أيّ وقت آخر. كان المسيح أقرب إليّ جداً وأنا في هذه الحالة منه وأنا أقرأ هذه الكلمات من الإنجيل سرّاً في الغابة.

الله ينقذني

بعد ستّة أسابيع هربت من البيت بعد أن أفلتّ من القيود بمساعدة خالي. ذات يوم حين لم يكن أحد في البيت كسر خالي القيود وسمح لي بعد ذلك أن أكون حرّاً إذ لم يكن أحد يريد أن يقيّدني مرّة أخرى. وصارت عائلتي وأقاربي يعاملونني بلطف ومكثت أسبوعين في البيت. ولكنّني بدأت أتساءل لماذا أعيش في بيتٍ ووَسَطٍ يخلقان في قلبي خوفاً لا سلاماً؟ عند ذلك قرّرت أن أرحل.
وذات يومٍ بعد تناول طعام الغداء نظرت إلى وجه أمّي فامتلأت عيناي بالدموع، لأنها لم تكن تعلم خُطّتي. وهذا كان وداعي لبيتنا. وقلت لأمّي إنّي ذاهب لآخذ حمّاماً في حمّام السباحة، وتركت البيت (أطلب من الله أن يسامحني عن هذه الكذبة وعن مرّات الكذب الأخرى التي لم يكن من داعٍ أن أرتكبها) ومشيت نحو عشرة أميال إلى محطة السكة الحديدية، حيث أخذت القطار إلى مدينة «كاليكوت» على بعد ثلاثين ميلاً. وهناك صرت أطوف باحثاً عن عمل. وأخيراً وجدت عملاً في مطعم بسيط يقدّم الشاي. لكن حياتي ظلّت غير مستقرّة.
وقد علمت فيما بعد أنّ أصدقائي المسيحيّين كانوا أثناء سجني يهتمّون بي ويشاركونني آلامي. وكانوا يصلّون لأجلي ويحاولون أن يجدوا طريقة بها يساعدونني، ولم يُوفَّقوا. وفي ذلك الوقت كانت الأصوات تُذاع من على مكبّرات الصوت تهاجم أصدقائي بأسمائهم. وقد أمر قادة المسلمين الناس أن يبتعدوا عن مركز الإرساليّة المسيحيّة. وأن يسحبوا أطفالهم من مدرسة الحضانة المسيحيّة. وقد وُضع حرّاس على أبواب مركز الإرساليّة لضمان تنفيذ هذه الأوامر. وسُمِح للمسلمين أن يدخلوا فقط لأخذ العلاج في المستوصف المسيحيّ. ولكن سرعان ما عادت الأمور إلى مجراها الطبيعيّ. وبدأت مكبّرات الصوت تذيع نغمة أخرى: دعونا نكفّ عن إيذاء المسيحيّين، ونوجّه التفاتنا إلى أعمال الله. وبعد بضعة أسابيع انتهى الإزعاج.
وانخرطت في دراسة الكتاب المقدس بالمراسلة، مع أنّ صاحب محلّ الشاي المسلم (الذي كنت أعمل عنده) لم يكن يرغب ذلك. وظللت في العمل مدّة خمسة شهور. ثمّ تركت «كاليكوت» وذهبت إلى بيت أختي في «ميسور». وهناك كتبت خطاباً إلى جورج، وهو أخبر أصدقائي الآخرين. وهذه كانت أوّل أخبار سمعوها بأنّ الله قد أنقذني من قيودي. وقد ختمتُ خطابي بهذه العبارة «أنا الآن بخير، وإنّي دائماً أصلّي الصلاة الربّانيّة».
بعد أن قضيت سنة في «ميسور» مع زوج أختي، و١٨ شهراً أخرى في سفينة تجاريّة في «كليكوت» عدت إلى «مالابورام» وهناك التقيت مرّة أخرى مع جورج وتمتّعْتُ بشركة مع القسّ شلابان وزوجته، وكانوا جميعاً مسرورين جداً أن يروني ورحّبوا بي ترحيباً قلبيّاً حارّاً. ولم أستطع أن أقابل خادم الربّ لأنّه كان قد عاد إلى بلاده. ومن هناك رجعت إلى «ميسور» حيث استخدمني زوج أختي مرّة أخرى لمساعدته في فندقه. وبتوصية منه حصلت على وظيفة في مصلحة التلّغراف (البرق). ولكن لغرض يريده الله اضطرّني مرض في أعلى فخذي أن أترك العمل.
قرّرت أن أعود إلى «ملابار» للعلاج. وكان جورج يعمل في ذلك الوقت في مستشفى الإرساليّة. وقد ساعد على فحصي طبيّاً. وعاد خادم الربّ وقتئذٍ إلى الهند وقد فرح جدّاً إذ رآني، وسأل عن كلّ ما حدث لي وأنا مقيّد بالحديد وفي تنقّلاتي، وأخبرني عن الكثيرين الذين كانوا يصلّون لأجلي. ثمّ قدّم لي توصية إلى خادم آخر للربّ يستطيع أن يساعدني في علاج مرضي وسررتُ جداً بمقابلة هذا الصديق الجديد. وصار فيما بعد واحداً من آبائي الروحيّين كما صارت زوجته أمّاً روحيّة لي. وبمعونة هذا الخادم وأحد الأطبّاء استطعت أن أذهب إلى مستشفى الإرساليّة (س. م. س.) في «فيلور» للعلاج.
ولمّا عدت من المستشفى التحقت بحملة «الهند بكلّ بيت» ومقرّها «ميسور» لمدّة ثلاثة شهور. وبهذه الطريقة استطعت أن أوزّع بعض النبذ وأن أشارك الناس في أخبار المسيح السارّة. فلمّا علمت أختي وزوجها بذلك غضبا جداً ومنعاني من المجيء إلى بيتهما. وساعدني خادم الربّ في السكن في بيت راعٍ مسيحيّ يُدعى القسّ بارامسواران كان يقيم مع عائلته في مدينة «غندليبت». وكان اختباراً عظيماً لي أن أكون معهم، وأن تُتاح لي الفرصة لدرس التعليم المسيحيّ مدّة أربعة شهور. وبعد ذلك التحقت بمشروع تقوم به الكنيسة الإنجيليّة اللوثريّة بالهند لتوزيع الكتب بالسيّارة، وظللت سنة كاملة أقوم بتوزيع المطبوعات المسيحيّة في جنوب الهند. وكان الله يقودني بذلك إلى خدمته.
وإذ كنتُ أتوق إلى درس الكتاب المقدّس بشكل أعمق، التحقت بمدرسة كونكورديا اللاهوتيّة في «نيغركويل» لمدّة سنة واحدة وذلك في حزيران (يونيو) سنة ١٩٧٠م. وما كان أعظم فرحي بفرصة دراسة الكتاب المقدّس. وفي مكتبة مدرسة اللاهوت وجدت عدداً كبيراً من الكتب الحسنة عن الإسلام، استطعت عن طريقها أن أتخلّص من الكثير من شكوكي.

كيف وجدتُ النور؟

كرَّسْتُ نفسي عندئذٍ لدراسة شخصيّة المسيح وعمله. فعلتُ ذلك باستعادة الآيات والفصول القرآنيّة التي تشير إلى المسيح ومعرفتي المتزايدة في الكتاب المقدّس.
كنت أبحث عن إيضاح أكثر لعصمة المسيح وسلطانه أن يغفر خطايا الآخرين. وكنت أشكُّ في هذا. وكان من الصعب تجنّب المفارقة بين عصمة المسيح وبين الفصول القرآنيّة التي تشير إلى خطايا الأنبياء الآخرين. خذ مثلاً بنوع خاصّ قول القرآن مخاطباً محمّداً:
«فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ» (سورة غافر ٤٠: ٥٥).
وحيث أنه لا يمكن لأيّ نفس مثقلة أن تحمل وزر نفس أخرى (سورة فاطر ٣٥: ١٨) فكيف يمكن لأيّ نبيّ أن يحمل ثقل شخص آخر؟
لكنّ القرآن يذكر أنّ الملاك جبرائيل قال لمريم:
«إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّا» (سورة مريم ١٩: ١٩).
وهذه الحقيقة يؤيّدها الحديث بقوله: «ما من بني آدم مولود إلاّ مسّه الشيطان حين يولد فيستهلّ صارخاً مِن مسّ الشيطان غير مريم وابنها» (مشكاة المصابيح ١: ٢٧).
والإنجيل يذكر أنّ النقاوة والعصمة هي للربّ يسوع وحده. ويضيف إلى ذلك أنّ المسيح هو الذي يرفع خطايانا.
«كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ ٱلتَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَٱلْخَطِيَّةُ هِيَ ٱلتَّعَدِّي. وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» (١يوحنّا ٣: ٤،٥).
هل كان من الضروريّ أن يكون المسيح يسوع بلا خطيّة لكي يستطيع أن يحمل أثقال الآخرين وخطاياهم؟ مع أنّ القرآن يذكر أنّ المسيح كان نقيّاً معصوماً. لكنّه لا يقدّم مفتاحاً لقصد الله في خلع العصمة على ابن مريم.
ثمّ ينسب القرآن أيضاً إلى المسيح صفات لا ينسبها إلى أيّ نبيّ أو رسول آخر. إذ يذكر أنّه كلمة الله وروح منه:
«يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى ٱللهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِٱللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ ٱنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا ٱللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَى بِٱللهِ وَكِيلاً» (سورة النساء ٤: ١٧١).
ثمّ نرى الملاك جبرائيل يخاطب مريم بقوله:
«قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً» (سورة مريم ١٩: ٢٠ و٢١ وسورة الأنبياء ٢١: ٩١).
وفي كلّ ما قاله القرآن عن المسيح أثبت بكلّ يقين أنّه شخص فذّ فريد. وأعلن علاقته بالله باعتباره كلمة الله وروح منه كما أشاد بنشاطه الخلاّق، ومعجزات شفائه، وإقامته الموتى (سورة آل عمران ٣: ٤٩) وصعوده إلى السماء، ووجوده في السماء اليوم.
وإذ واصلت الدراسة بدأت أدرك أهمية اللقب «ابن الله» بحسب الكتاب المقدّس، واختلافها عن مفاهيم اللقب «ابن الله» بحسب القرآن. فإنّ القرآن ينكر ويرفض أن الله يلد أو يولد بالمعنى الطبيعيّ «لم يلد ولم يولد». والكتاب المقدّس يرفض ذلك الأمر بالمعنى الطبيعيّ. لكنّي بالتدريج قبلت أنّ المسيح يمكن أن يُسمّى ابن الله بالمعنى الروحيّ كما يفسّره الكتاب المقدّس. وبهذه الكيفيّة عينها يُسمّى المسيح كلمة الله. وهنا شكرت القرآن مرّة أخرى لأنّه أعانني على فهم أكمل لمعنى اللقب ابن الله بحسب الكتاب المقدّس، إذ يطبّق على المسيح بصورة فريدة.
ولا شكّ أنّه على أساس سورة النساء يرفض المسلمون رواية الكتاب المقدّس عن موت المسيح وقيامته وصعوده.
«وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَفَعَهُ ٱللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللهُ عَزِيزاً حَكِيما» (سورة النساء ٤: ١٥٧-١٥٨).
وفي مواضع أخرى يشير القرآن إلى موت المسيح. لكنّ المفسّرين المسلمين يقدّمون آراء متناقضة عن هذه الآيات، مثلاً خذ الآية المشهورة:
«وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» (سورة مريم ١٩: ٣٣).
وكذلك قوله:
«إِذْ قَالَ ٱللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (سورة آل عمران ٣: ٥٥).
وأيضاً قوله:
«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُوا ٱللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (سورة المائدة ٥: ١١٧).
ترى هل تفسير كلمة «متوفّيك» (سورة آل عمران ٥٥)، و «توفَّيتني» (سورة المائدة ١١٧) كما يقدّمه السيد بخت الله صحيح؟ بعض التفاسير الإسلاميّة المحترمة تترجم الفعل توفّي بمعنى «سبب أن يموت» ممّا يدلّ على أنّ موت المسيح قد سبق صعوده إلى السماء.
على أيّ حال لا تترك قصص الكتاب المقدّس عن وقت موت المسيح أو مكانه أو ظروفه أيّ مجال للتفاسير والتأويلات المختلفة، بل واضح أنّه صُلِب ومات، ودُفِن. وقد تمّ صلبه خارج أسوار أورشليم وحدث هذا في عهد بيلاطس حاكم اليهوديّة. وهذه حقائق تاريخيّة. والكتاب المقدّس يشير إلى موت المسيح مراراً بلغة صريحة لا غموض فيها ولا إبهام. وواضح أيضاً في الكتاب المقدّس الصلة التامّة بين موت المسيح وبين قيامته من الأموات وصعوده، والقصد من وراء هذه الحوادث الثلاث العظمى في حياته.
بذلك أصبحت هذه الآيات وغيرها من القرآن واضحة لي في ضوء تأمّلي في تصوير العهد الجديد للمسيح. فهذه الآيات لا تبيّن فقط علاقة المسيح الخاصّة بالله، بل تشير أيضاً بكلّ تأكيد إلى غرض الله الخاصّ في إرسال المسيح، كلمته، إلى هذا العالم الخاطئ. تذكّرت مرّة أخرى ذلك الكتيّب «قلب باك». واستخلصت من كلّ هذا أن الله قد تكلّم بكلمة الغفران لجميع الخطاة بواسطة الربّ يسوع وحده، وذلك بموته على الصليب وقيامته من الأموات. وكلّ ما استزدتُ من قراءة الكتاب المقدّس تكلّم الكتاب لي وبدّد شكوكي واحداً بعد الآخر.
مع ذلك ظلّ هذا السؤال يحيّر عقلي: ماذا عن مجيء محمّد الذي يقول القرآن إنّ المسيح قد تنبّأ عنه؟
«وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ» (سورة الصف ٦١: ٦).
والاسم «أحمد» مشتقّ في اللغة العربيّة من ذات الأصل الذي منه يشتقّ الاسم «محمّد». هل هذا يعني أنّ المسيح تنبّأ عن مجيء محمّد؟ هذا ما تعلّمته وكنت أعتقد به.
وقد بحثت في الكتاب المقدّس لأرى ما قاله عن محمّد، فلم أجد شيئاً. وسألت أساتذتي نفس السؤال فأجابوا هم أيضاً أنّهم لم يجدوا شيئاً. ولكن لمّا رجعت وتأمّلت في تفسير للقرآن وجدته يقتبس عدّة فصول من الكتاب المقدّس ليؤيّد مفهومه لسورة الصفّ آية ٦ ، والفصل الرئيسيّ هو:
«وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ ٱلآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنّا ١٤: ١٦).
والكلمة اليونانيّة المترجمة في الإنجيل «المعزّي» هي في الأصل «باراكليتوس». وقال مفسّرو القرآن إنّ الكلمة اليونانيّة الأصليّة هي «بركلوتوس» ومعناها «أحمد» وقد حرّفها المسيحيّون إلى «باراكليتوس» لينفوا الإشارة إلى النبيّ محمّد.
وحيث أنّ معرفتي بهذه الكلمة كانت محدودة وقاصرة، وحيث أنّه كان من الصعب عليّ جداً أن أهجر إيماني بمحمّد كنبيّ، فقد وجدت نفسي أعاني مشقّة كبرى. إذ كان محمّد لا يزال يشغل مكانة عظمى في قلبي، وكنت أشعر أنّه أيسر لي أن أهجر أيّ شيء آخر إلاّ ذلك. فسألت أستاذ اللغة اليونانيّة عن معنى هذه الكلمات فأجابني بأنّه لم ترد كلمة «بركلوتوس» قطّ في النسخة اليونانيّة لإنجيل يوحنّا. ثمّ فسّر لي معنى الكلمة الأصليّة «باراكليتوس» وهي وعد المسيح (يوحنّا ١٤: ١٦) الذي تمّ بمجيء الروح القدس (أعمال ٢: ١-١١). الذي يسكن مع شعب الله إلى الأبد كالمعزِّي والمرشد لهم.
وضعتُ مشكلتي أمام الله وطلبت منه أن يمنحني فهماً واضحاً. وذات ليلة صلّيت وآويت إلى فراشي ولكنّي لم أستطع أن أنام. وسمعت صوتاً، أو شعرت كأنّي سمعته يقول لي «قم واقرأ». ظننت أنّ ذلك كان وهماً أو خيالاً لكنّي سمعت الصوت يتكرّر مرّة أخرى ثمّ تكرّر أيضاً. فقمت وفتحت كتابي المقدّس وقرأت عدّة مرّات هذا الفصل:
«إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَٱحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ ٱلآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى ٱلأَبَدِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ ٱلْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ» (يوحنّا ١٤: ١٥-١٧).
وإذ كنت أقرأ هذا الفصل خطرت ببالي أسئلة كثيرة سألتها لنفسي: هل قرأت في القرآن أو الحديث أنّ محمّداً هو روح الحقّ الذي يمكث معك إلى الأبد؟ هل هو المرشد الذي يمكث فيك؟ حينئذٍ أدركت أنّ هذه الكلمات لا تحوي أيّة نبوّة عن أيّ نبيّ آتٍ، ولا يمكن أن تنطبق على أيّ مخلوق بشريّ. فضلاً عن ذلك تذكّرت إتمام هذه النبوّة (أعمال ٢: ١-١١) في أثناء حياة المؤمنين الأوّلين بالمسيح. وملأت عقلي هذه الحقيقة العظمى وتأكّدتُ أنّ المرشد الذي وعد به المسيح هو الروح القدس (روح الله الأزليّ وليس جبرائيل الملاك ولا محمّد).
بعد ذلك اختبرت قوّة الروح القدس في حياتي الخاصّة وبه أتيت إلى المسيح. مجداً لله... آمين.
داومت على قراءة الكتاب المقدّس باجتهاد فوجدت فيه غنى من البركات لم أكن أحلم بها. فإنّ له قوَّة بها يتكلّم للذين يطلبون حقاً أن يحصلوا على إعلان الله وإرشاده. لقد كشف لي حقيقة نفسي وأراني قلبي الخاطئ المذنب وعماي الروحيّ. وأخبرني أن أقدّم كلّ خطاياي وأحمالي إلى الله باسم الربّ يسوع المسيح. فهو الذي جاء إلى العالم يبحث عنّي وهو الذي مات لأجل خطاياي وقام، وهو الذي صعد إلى السماء وسيأتي ثانية. وصرت مقتنعاً أنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله.
لقد قدّم الكتاب المقدّس الحلّ لكلّ المشكلات التي حيّرت قلبي. ولقد أروت مياهه الحيّة نفسي الظامئة. ووجدت فيه ما لم أجده من قبل في كلّ اختباراتي الدينيّة، وقد اقتنعت تمام الاقتناع أنّ الكتاب المقدّس يسجّل بكلّ أمانة وبكلّ دقّة أعمال المسيّا وتعاليمه، وسرّ كلمة الله الأزليّ الآتي إلى العالم في صورة إنسان كما يسجّل موته وقيامته وصعوده ومجيئه الثاني وسائر التعاليم الأخرى التي لم أكن أفهمها من قبل، بل كنت أيضاً أبغضها. وهو يحوي أيضاً رسالة محبّة الله المخلّصة لي ولجميع الناس والتي تقدّم لنا السلام. إن محبّة الله هذه تتركّز في المسيح وموته وقيامته لأجل الخطاة كما يكتب بولس وسائر الرسل في الإنجيل المقدّس:
«فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (١كورنثوس ١٥: ٣و٤).

قرار خطير

في يوم ١٩ تمّوز «يوليو» سنة ١٩٧٠ سلّمتُ حياتي للمسيح، واعترفت بكلّ خطاياي وشكوكي. وارتبطت به وبمحبّته الغافرة عن طريق المعموديّة المقدّسة. كان كلّ جسمي يرتعش وكنتُ أشعر بقوّة إلهيّة تسري فيّ. وكنت راكعاً على ركبتيّ وقمتُ من جثوي إنساناً جديداً متغيّراً يملأني سلام في نفسي وفرح في قلبي ويقين في عقلي. (وإلى اليوم أشهد بأنّه يغمرني نفس هذا السلام والفرح والرجاء واليقين). ومع أنّي لا أملك المعرفة الكاملة لكنّي أؤمن بكل قلبي بأنّ خطاياي قد غُفِرَت ومُحيَت بدم المسيح الثمين، وبأنّي قد نلتُ قوّة لحياة جديدة، حياة تغمرها المحبّة، وبأنّ المسيح نفسه يملك في قلبي.

في خدمته

وسرعان ما أُتيحت لي الفرصة أن ألتحق بفريق يُسمّى «الدعوة العمليّة». وهيّأ لي ذلك مجالاً أن أذهب إلى أنحاء كثيرة في بلاد الهند أنادي بالأخبار السارّة. وظللت أقوم بهذا العمل نحو سنتَين. وفيما كنت أقوم بهذه الخدمة تعلّمتُ أكثر عن معنى التلمذة للمسيح. وأني أشكر الربّ وأصدقائي في «الدعوة العمليّة» الذين منحوني فرصة للعمل معهم والذين ساعدوني خلال وقت ضيقي. وعدتُ فيما بعد إلى مدرسة «كونكورديا» اللاهوتيّة حيث أكملتُ دراساتي اللاهوتيّة عام ١٩٧٥ وقلبي الآن مثقل بأن أقدّم الأخبار السارّة عن نور الله لشعبي حيثما يكونون، لا سيّما في المكان الذي أنا فيه، لعلّهم يقبلون دعوة المسيح التي يقدّمها للجميع حتى يعرفوا خلاص الله العظيم.
«أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنّا ١٤: ٦).
«وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنّا ١٧: ٣).
«أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ» (يوحنّا ٨: ١٢).

الخاتمة

إنّي قَبِلتُ المسيح مخلّصاً شخصيّاً لي لأنّه استطاع أن يغيّر حياتي إلى حياة مملوءة بالسعادة والسلام والرجاء. لقد استطاع أن يمنحني قوّة في ضعفي. وهو الربّ الحيّ الذي يعطيني نعمة حتّى أحيا حياة النصرة في هذا العالم ويمنحني رعويّة أبديّة في السماء. ولو أنّي فقدت عائلتي وممتلكاتي الأرضيّة، فلي يقين أنّي أصبحت عضواً في عائلة الله السماويّة، وأؤمن بما قاله داود النبيّ والملك العظيم:
«إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَٱلرَّبُّ يَضُمُّنِي» (مزمور ٢٧: ١٠).
وفي كلّ متاعبي واضطراباتي وتجاربي، يكفيني أن أتطلّع إلى وجهه. وفي ساعات الوحدة والتعب وخيبة الأمل، أحمده لأجل نعمته. فقد قال الربّ يسوع:
«لَيْسَ أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (يوحنّا ١٥: ١٦).
إنّني لم أختره لكن هو اختارني. به صارت «قصّة باك» تاريخ ك. ك. علوي. لله المجد إلى أبد الآبدين. آمين.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.