تفسير الآيات التي تبدو مناقضة للإيمان بأن المسيح هو الله
يجب أن نعترف في بداية هذا الفصل أن في الكتاب المقدس آيات متناثرة تبدو
للقارئ السطحي أنها مناقضة للإيمان بأن المسيح هو الله، ولكننا نقول في
ذات الوقت أن وجود مثل هذه الآيات هو دليل قاطع على وحي كلمة الله.. فلو أن
الكتاب المقدس من تأليف بشر لما وجدنا فيه آيات مثل هذه الآيات، لكن لأنه
كلمة الله فقد جاءت فيه هذه الآيات لتدفع القارئ إلى البحث والدرس
والمعرفة.
ولقد أكد بطرس الرسول أن في الكتاب المقدس آيات عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين لهلاك أنفسهم فقال: «لِذٰلِكَ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هٰذِهِ، ٱجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ. وَٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصاً، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضاً بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضاً، مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، ٱلَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ» (٢ بط ٣: ١٤ - ١٦). ولذا أوصى بولس الرسول تيموثاوس قائلاً: «ٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلاسْتِقَامَةِ» (٢ تي ٢: ١٥).
ولكي نفهم الآيات العسرة الفهم، فهماً يتفق مع كل الكتاب المقدس علينا أن نتبع نصيحة الرسول فنفصل كلمة الحق بالاستقامة، ويقينا أننا لن نستطيع أن نفسر آية من الآيات المشار إليها، إلا على ضوء قوانين ثابتة وصحيحة للتفسير. فما هي قوانين التفسير الصحيح؟
- إن أول قوانين التفسير الصحيح للآيات العسرة الفهم هو: أن نفسر هذه الآيات بالآيات الموضحة لها من الكتاب المقدس، أي أن نفسر الكتاب المقدس بالكتاب المقدس. كما قال بولس الرسول: «وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، قَارِنِينَ ٱلرُّوحِيَّاتِ بِٱلرُّوحِيَّاتِ» (١ كو ٢: ١٢ و١٣).
- القانون الثاني: أن يكون التفسير موافقاً لكلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة كما قال بولس لتيموثاوس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلصَّحِيحَةَ، وَٱلتَّعْلِيمَ ٱلَّذِي هُوَ حَسَبَ ٱلتَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ، وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي ٱلذِّهْنِ وَعَادِمِي ٱلْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ ٱلتَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ» (١ تي ٦: ٣ - ٥).
- القانون الثالث: هو أن نربط الآيات التي نريد تفسيرها بالآيات السابقة لها واللاحقة بها، وهو ما يسميه علماء التفسير بربط «ال TEXT أي الآية» ، «بال CONTEXT أي القرينة». إن سبب الخطأ في تفسير الكتاب المقدس هو انتزاع الآيات من موضعها، ومحاولة تفسيرها بالعقل البشري بعيداً عن قرينتها، والمناسبة التي قيلت فيها، وهذه الطريقة الخاطئة هي الطريقة التي لجأ إليها الشيطان حين اقتبس كلمات من سفر المزامير محاولاً أن يجرب بها المسيح إذ قال له: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ» (مت ٤: ٦)، وقد أخذ إبليس الكلمات الأخيرة من المزمور الحادي والتسعين عدد ١١ و١٢، وأبعدها عن قرينتها، فأفسد بذلك معناها ومدلولها.
- القانون الرابع: هو تفسير الآيات العسرة الفهم على ضوء الآيات السهلة الفهم.
- القانون الخامس: هو دراسة لغة الآية ذاته. هل هي مجازية أو حرفية؟ هل هي كلمات نطق بها الرب، أو كلمات نطق بها الشيطان أو الإنسان وسجلت في سياق حديث الكتاب؟ إنه على أساس فهمنا الدقيق للغة الآية، وقائلها، نستطيع أن نفهم فهماً صحيحاً الآيات العسرة الفهم.
- القانون السادس: هو دراسة الظروف التاريخية لكتابة الآية. أين كان الكاتب؟ لمن كتب؟ ما هي العادات التي سادت عصره؟ إلى غير هذا من دراسة الظروف التاريخية لكتابة السفر الذي كتبت فيه الآيات.
القانون السابع: هو أنه إن أمكن تفسير حرفي فالبعد عن الحرفي رديء للغاية.. هذه هي القوانين السبعة للتفسير الصحيح للكتاب المقدس، وعلى أساسها سنتقدم لتفسير الآيات التي تبدو مناقضة في ظاهرها للإيمان بأن المسيح هو الله. واضعين هذه الآيات بحسب ترتيب ورودها في الكتاب المقدس.
إنه لا مفر لك من إعلان موقف واضح بإزائه.
قديماً سأل بيلاطس الوالي الروماني هذا السؤال: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟» (مت ٢٧: ٢٢).
ولا بد أن تسأل نفسك هذا السؤال، فقضية المسيح هي قضية كل إنسان، وعلى أساس جوابك وموقفك بإزاء المسيح المصلوب يتحدد مصيرك الأبدي.
«لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يو ٣: ١٧ و١٨).
«لأَنَّكَ إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ» (رو ١٠: ٩).
فليتك تقبل المسيح اليوم مخلصاً شخصياً لنفسك.
وتعترف به أمام الآخرين رباً وفادياً لحياتك.
فتنجو من الغضب الآتي.
ففي هذا الإيمان الوطيد.
مفتاح الرجاء السعيد.
ولقد أكد بطرس الرسول أن في الكتاب المقدس آيات عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين لهلاك أنفسهم فقال: «لِذٰلِكَ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هٰذِهِ، ٱجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ. وَٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصاً، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضاً بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضاً، مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، ٱلَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ» (٢ بط ٣: ١٤ - ١٦). ولذا أوصى بولس الرسول تيموثاوس قائلاً: «ٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلاسْتِقَامَةِ» (٢ تي ٢: ١٥).
ولكي نفهم الآيات العسرة الفهم، فهماً يتفق مع كل الكتاب المقدس علينا أن نتبع نصيحة الرسول فنفصل كلمة الحق بالاستقامة، ويقينا أننا لن نستطيع أن نفسر آية من الآيات المشار إليها، إلا على ضوء قوانين ثابتة وصحيحة للتفسير. فما هي قوانين التفسير الصحيح؟
- إن أول قوانين التفسير الصحيح للآيات العسرة الفهم هو: أن نفسر هذه الآيات بالآيات الموضحة لها من الكتاب المقدس، أي أن نفسر الكتاب المقدس بالكتاب المقدس. كما قال بولس الرسول: «وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، قَارِنِينَ ٱلرُّوحِيَّاتِ بِٱلرُّوحِيَّاتِ» (١ كو ٢: ١٢ و١٣).
- القانون الثاني: أن يكون التفسير موافقاً لكلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة كما قال بولس لتيموثاوس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلصَّحِيحَةَ، وَٱلتَّعْلِيمَ ٱلَّذِي هُوَ حَسَبَ ٱلتَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ، وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي ٱلذِّهْنِ وَعَادِمِي ٱلْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ ٱلتَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ» (١ تي ٦: ٣ - ٥).
- القانون الثالث: هو أن نربط الآيات التي نريد تفسيرها بالآيات السابقة لها واللاحقة بها، وهو ما يسميه علماء التفسير بربط «ال TEXT أي الآية» ، «بال CONTEXT أي القرينة». إن سبب الخطأ في تفسير الكتاب المقدس هو انتزاع الآيات من موضعها، ومحاولة تفسيرها بالعقل البشري بعيداً عن قرينتها، والمناسبة التي قيلت فيها، وهذه الطريقة الخاطئة هي الطريقة التي لجأ إليها الشيطان حين اقتبس كلمات من سفر المزامير محاولاً أن يجرب بها المسيح إذ قال له: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ» (مت ٤: ٦)، وقد أخذ إبليس الكلمات الأخيرة من المزمور الحادي والتسعين عدد ١١ و١٢، وأبعدها عن قرينتها، فأفسد بذلك معناها ومدلولها.
- القانون الرابع: هو تفسير الآيات العسرة الفهم على ضوء الآيات السهلة الفهم.
- القانون الخامس: هو دراسة لغة الآية ذاته. هل هي مجازية أو حرفية؟ هل هي كلمات نطق بها الرب، أو كلمات نطق بها الشيطان أو الإنسان وسجلت في سياق حديث الكتاب؟ إنه على أساس فهمنا الدقيق للغة الآية، وقائلها، نستطيع أن نفهم فهماً صحيحاً الآيات العسرة الفهم.
- القانون السادس: هو دراسة الظروف التاريخية لكتابة الآية. أين كان الكاتب؟ لمن كتب؟ ما هي العادات التي سادت عصره؟ إلى غير هذا من دراسة الظروف التاريخية لكتابة السفر الذي كتبت فيه الآيات.
القانون السابع: هو أنه إن أمكن تفسير حرفي فالبعد عن الحرفي رديء للغاية.. هذه هي القوانين السبعة للتفسير الصحيح للكتاب المقدس، وعلى أساسها سنتقدم لتفسير الآيات التي تبدو مناقضة في ظاهرها للإيمان بأن المسيح هو الله. واضعين هذه الآيات بحسب ترتيب ورودها في الكتاب المقدس.
وأول
مجموعة من الآيات التي تقابلنا في الكتاب المقدس، والتي تبدو في ظاهرها
مناقضة للإيمان بأن المسيح هو الله هي الآيات الموجودة في سفر أمثال، وهذه
هي:
«أَنَا ٱلْحِكْمَةُ أَسْكُنُ
ٱلذَّكَاءَ، وَأَجِدُ مَعْرِفَةَ ٱلتَّدَابِيرِ... لِي ٱلْمَشُورَةُ
وَٱلرَّأْيُ... بِي تَمْلِكُ ٱلْمُلُوكُ... أَنَا أُحِبُّ ٱلَّذِينَ
يُحِبُّونَنِي، وَٱلَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي. عِنْدِي
ٱلْغِنَى وَٱلْكَرَامَةُ. ... اَلرَّبُّ قَنَانِي أَّوَلَ طَرِيقِهِ، مِنْ
قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ ٱلْقِدَمِ. مُنْذُ ٱلأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ
ٱلْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ ٱلأَرْضِ. إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ
أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ ٱلْمِيَاهِ. مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ ٱلْجِبَالُ، قَبْلَ ٱلتِّلاَلِ أُبْدِئْتُ. إِذْ
لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ ٱلأَرْضَ بَعْدُ وَلاَ ٱلْبَرَارِيَّ وَلاَ
أَّوَلَ أَعْفَارِ ٱلْمَسْكُونَةِ. لَمَّا ثَبَّتَ ٱلسَّمَاوَاتِ كُنْتُ
هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ. لَمَّا
أَثْبَتَ ٱلسُّحُبَ مِنْ فَوْقُ. لَمَّا تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ ٱلْغَمْرِ.
لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى ٱلْمِيَاهُ تُخْمَهُ،
لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ ٱلأَرْضِ، كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعاً، وَكُنْتُ كُلَّ
يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِماً قُدَّامَهُ. فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ
أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ» (أم ٨: ١٢ - ٣١).
والآيات تثير في ذهن القارئ الأسئلة الآتية:
ما معنى ما يقوله المسيح عن نفسه باعتباره «الحكمة» «الرب قناني أول طريقه؟»، وما معنى كلماته إذ لم يكن غمر أبدئت؟ فهل لم يكن المسيح موجوداً ثم أبدأه الرب؟ وإلى من يعني هذا أن المسيح ليس أزلياً مع الآب وعلى هذا لا يكون هو ابن الله؟
ولكي نجيب عن هذه الأسئلة يجب أن نستخدم قوانين التفسير الصحيح، فنقرأ الأصحاح كله، بل نقرأ سفر أمثال جميعه لنعرف معنى هذه الآيات.
فالمتكلم الذي يقول: «الرب قناني أو اقتناني أول طريقه» بدأ حديثه بالكلمات «أنا الحكمة.. لي المشورة والرأي.. بي تملك الملوك.. أنا أحب الذين يحبونني.. عندي الغنى والكرامة».
وفي الأصحاح الأول نقرأ عنه الكلمات: «اَلْحِكْمَةُ تُنَادِي فِي ٱلْخَارِجِ. فِي ٱلشَّوَارِعِ تُعْطِي صَوْتَهَا. تَدْعُو فِي رُؤُوسِ ٱلأَسْوَاقِ، فِي مَدَاخِلِ ٱلأَبْوَابِ. فِي ٱلْمَدِينَةِ تُبْدِي كَلاَمَهَا قَائِلَةً: إِلَى مَتَى أَيُّهَا ٱلْجُهَّالُ تُحِبُّونَ ٱلْجَهْلَ، وَٱلْمُسْتَهْزِئُونَ يُسَرُّونَ بِٱلاسْتِهْزَاءِ، وَٱلْحَمْقَى يُبْغِضُونَ ٱلْعِلْمَ؟ اِرْجِعُوا عِنْدَ تَوْبِيخِي. هَئَنَذَا أُفِيضُ لَكُمْ رُوحِي. أُعَلِّمُكُمْ كَلِمَاتِي. لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضُوا تَوْبِيخِي. فَأَنَا أَيْضاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ» (أم ١: ٢٠ - ٢٦).
فمن ذا الذي له المشورة والرأي؟ إلا ذاك الذي تنبأ عنه إشعياء بالكلمات: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (إش ٩: ٦).
ومن هو ذاك الذي يفيض روحه على الراجعين إليه؟ إلى ذاك الذي تكلم عنه بطرس قائلاً: «يَقُولُ ٱللّٰهُ: وَيَكُونُ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ» (أع ٢: ١٧).
فالمتكلم في هذه الآيات يسمي نفسه «الحكمة» ولكنه لا يظهر «كصفة» بل «كشخص» لأنه يعلن عن ذاته بالكلمات «أنا أحب الذين يحبونني» والصفة تحب ولكنها لا تحب، فالمتكلم إذاً هو المسيح الرب «المشير» الذي يسكب من روحه على الراجعين إليه، والمذخر فيه جميع كنوز الحكمة (كو ٢: ٣).
والواقع أن التأمل في هذا الجزء من كلمة الله يرينا الثالوث العظيم بكيفية واضحة.
- فالآب يظهر في الكلمة «الرب».
- والابن يتحدث عن نفسه قائلاً: «منذ الأزل مسحت».
- والروح القدس هو المسحة كما قال بطرس الرسول «يسوع.. كيف مسحه الله بالروح القدس» (أع ١٠: ٣٨).
- فالآيات ترينا في وضوح «المسيح ابن الله» مساوياً للآب، وموجوداً معه منذ الأزل، لأن الحكمة تلازم الله ملازمة أزلية، فأزلية الله وأزلية الحكمة صنوان لا يفترقان.
- كما ترينا وحدانية الآب والابن في اللاهوت، ومعية الابن مع الآب منذ الأزل كما قال يوحنا الرسول: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (يو ١: ١).
أما الكلمات التي نحن بصدد تفسيرها والتي تقول: «الرب قناني أول طريقه.. منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر أبدئت» فإنها تشير بوضوح إلى عمل المسيح الكفاري، وعلاقة هذا العمل «ببني آدم» أي أن النص يعلن عمل المسيح في الزمان وفرحه في مسكونة أرضه ولذته ببني آدم الذين فداهم فقبل أن تقررت الجبال، وقبل أن تصنع الأرض أو أول أتربة المسكونة كان الثالوث الواحد الحكيم قد رتب عمل الفداء العظيم، عن طريق تجسد «الله الابن» في ملء الزمان كما قرر بطرس الرسول بكلماته «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (١ بط ١: ١٨ - ٢٠).
وعلى هذا فإن «الحكم» الذي هو «الله الابن» يقول: الرب قناني أول طريقه.. منذ الأزل مسحت منذ أوائل الأرض.. إذ لم يكن غمر أبدئت معلناً بهذه الكلمات أنه الممسوح من الآب أو المعين منذ الزل للقيام بعمل الفداء فوق الصليب، ولذا فهو يختتم كلماته بالقول «فَٱلآنَ أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ ٱسْمَعُوا لِي - فَطُوبَى لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ طُرُقِي. ٱسْمَعُوا ٱلتَّعْلِيمَ وَكُونُوا حُكَمَاءَ وَلاَ تَرْفُضُوهُ. طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَسْمَعُ لِي سَاهِراً كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ مَصَارِيعِي، حَافِظاً قَوَائِمَ أَبْوَابِي. لأَنَّ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ ٱلْحَيَاةَ وَيَنَالُ رِضًى مِنَ ٱلرَّبِّ، وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ ٱلْمَوْتَ» (أم ٨: ٣٢ - ٣٦). وهذه الكلمات تعلن عن علاقة المسيح بالبشر ودعوته لهم لقبوله مخلصاً، وتحذيرهم من رفضه، وهي تتفق تماماً مع كلماته في العهد الجديد: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ» (يو ١٠: ١٠). «أَمَّا أَعْدَائِي، أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَٱذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» (لو ١٩: ٢٧).
إن الكلمات «الرب قناني أول طريقه» ترينا أن الرب يسوع باعتباره الحكمة - كان مع الآب منذ الأزل، وأنه صانع كل الأشُياء كقوله: «كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعاً» (أم ٨: ٣٠) وأن الله لم يبدأ عملاً من أعمال إلا به كما نقرأ في الكلمات: «ٱلْحِكْمَةُ هِيَ ٱلرَّأْسُ» (أم ٤: ٧) «مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ» (مز ١٠٤: ٢٤). «ٱلرَّبُّ بِٱلْحِكْمَةِ أَسَّسَ ٱلأَرْضَ» (أم ٣: ١٩) «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ... كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يو ١: ١ - ٣). «فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كو ١: ١٦). «اَللّٰهُ... كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ ٱلْعَالَمِينَ» (عب ١: ١ و٢).
فالمسيح هو «الحكمة» هو «الله الابن» الذي عنده الغنى والكرامة، والذي من يجده يجد الحياة كما قال يوحنا الرسول: «مَنْ لَهُ ٱلابْنُ فَلَهُ ٱلْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ فَلَيْسَتْ لَهُ ٱلْحَيَاةُ» (١ يو ٥: ١٢). والذي من يخطئ عنه يضر نفسه، وكل مبغضيه يحبون الموت، وإذا لم يكن هو «ابن الله» الذي فيه كانت الحياة، فأي ضرر يصيب الإنسان الذي يخطئ عنه والذي يبغضه؟
إن الآيات التي أوضحنا معناها في هذا المقام تؤكد لاهوت المسيح ولا تناقضه بحال من الأحوال، أما كلمة «أبدئت» التي وردت في النص فسنتركها حتى نأتي إلى تفسير الآية الموجودة في سفر رؤيا يوحنا والتي تقول كلماتها: «هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ، ٱلشَّاهِدُ... بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللّٰهِ» (رؤ ٣: ١٤). فليعد القارئ إلى تفسيرها في موضعها من هذا الكتاب.
والآيات تثير في ذهن القارئ الأسئلة الآتية:
ما معنى ما يقوله المسيح عن نفسه باعتباره «الحكمة» «الرب قناني أول طريقه؟»، وما معنى كلماته إذ لم يكن غمر أبدئت؟ فهل لم يكن المسيح موجوداً ثم أبدأه الرب؟ وإلى من يعني هذا أن المسيح ليس أزلياً مع الآب وعلى هذا لا يكون هو ابن الله؟
ولكي نجيب عن هذه الأسئلة يجب أن نستخدم قوانين التفسير الصحيح، فنقرأ الأصحاح كله، بل نقرأ سفر أمثال جميعه لنعرف معنى هذه الآيات.
فالمتكلم الذي يقول: «الرب قناني أو اقتناني أول طريقه» بدأ حديثه بالكلمات «أنا الحكمة.. لي المشورة والرأي.. بي تملك الملوك.. أنا أحب الذين يحبونني.. عندي الغنى والكرامة».
وفي الأصحاح الأول نقرأ عنه الكلمات: «اَلْحِكْمَةُ تُنَادِي فِي ٱلْخَارِجِ. فِي ٱلشَّوَارِعِ تُعْطِي صَوْتَهَا. تَدْعُو فِي رُؤُوسِ ٱلأَسْوَاقِ، فِي مَدَاخِلِ ٱلأَبْوَابِ. فِي ٱلْمَدِينَةِ تُبْدِي كَلاَمَهَا قَائِلَةً: إِلَى مَتَى أَيُّهَا ٱلْجُهَّالُ تُحِبُّونَ ٱلْجَهْلَ، وَٱلْمُسْتَهْزِئُونَ يُسَرُّونَ بِٱلاسْتِهْزَاءِ، وَٱلْحَمْقَى يُبْغِضُونَ ٱلْعِلْمَ؟ اِرْجِعُوا عِنْدَ تَوْبِيخِي. هَئَنَذَا أُفِيضُ لَكُمْ رُوحِي. أُعَلِّمُكُمْ كَلِمَاتِي. لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضُوا تَوْبِيخِي. فَأَنَا أَيْضاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ» (أم ١: ٢٠ - ٢٦).
فمن ذا الذي له المشورة والرأي؟ إلا ذاك الذي تنبأ عنه إشعياء بالكلمات: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (إش ٩: ٦).
ومن هو ذاك الذي يفيض روحه على الراجعين إليه؟ إلى ذاك الذي تكلم عنه بطرس قائلاً: «يَقُولُ ٱللّٰهُ: وَيَكُونُ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ» (أع ٢: ١٧).
فالمتكلم في هذه الآيات يسمي نفسه «الحكمة» ولكنه لا يظهر «كصفة» بل «كشخص» لأنه يعلن عن ذاته بالكلمات «أنا أحب الذين يحبونني» والصفة تحب ولكنها لا تحب، فالمتكلم إذاً هو المسيح الرب «المشير» الذي يسكب من روحه على الراجعين إليه، والمذخر فيه جميع كنوز الحكمة (كو ٢: ٣).
والواقع أن التأمل في هذا الجزء من كلمة الله يرينا الثالوث العظيم بكيفية واضحة.
- فالآب يظهر في الكلمة «الرب».
- والابن يتحدث عن نفسه قائلاً: «منذ الأزل مسحت».
- والروح القدس هو المسحة كما قال بطرس الرسول «يسوع.. كيف مسحه الله بالروح القدس» (أع ١٠: ٣٨).
- فالآيات ترينا في وضوح «المسيح ابن الله» مساوياً للآب، وموجوداً معه منذ الأزل، لأن الحكمة تلازم الله ملازمة أزلية، فأزلية الله وأزلية الحكمة صنوان لا يفترقان.
- كما ترينا وحدانية الآب والابن في اللاهوت، ومعية الابن مع الآب منذ الأزل كما قال يوحنا الرسول: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (يو ١: ١).
أما الكلمات التي نحن بصدد تفسيرها والتي تقول: «الرب قناني أول طريقه.. منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر أبدئت» فإنها تشير بوضوح إلى عمل المسيح الكفاري، وعلاقة هذا العمل «ببني آدم» أي أن النص يعلن عمل المسيح في الزمان وفرحه في مسكونة أرضه ولذته ببني آدم الذين فداهم فقبل أن تقررت الجبال، وقبل أن تصنع الأرض أو أول أتربة المسكونة كان الثالوث الواحد الحكيم قد رتب عمل الفداء العظيم، عن طريق تجسد «الله الابن» في ملء الزمان كما قرر بطرس الرسول بكلماته «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (١ بط ١: ١٨ - ٢٠).
وعلى هذا فإن «الحكم» الذي هو «الله الابن» يقول: الرب قناني أول طريقه.. منذ الأزل مسحت منذ أوائل الأرض.. إذ لم يكن غمر أبدئت معلناً بهذه الكلمات أنه الممسوح من الآب أو المعين منذ الزل للقيام بعمل الفداء فوق الصليب، ولذا فهو يختتم كلماته بالقول «فَٱلآنَ أَيُّهَا ٱلْبَنُونَ ٱسْمَعُوا لِي - فَطُوبَى لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ طُرُقِي. ٱسْمَعُوا ٱلتَّعْلِيمَ وَكُونُوا حُكَمَاءَ وَلاَ تَرْفُضُوهُ. طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَسْمَعُ لِي سَاهِراً كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ مَصَارِيعِي، حَافِظاً قَوَائِمَ أَبْوَابِي. لأَنَّ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ ٱلْحَيَاةَ وَيَنَالُ رِضًى مِنَ ٱلرَّبِّ، وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ ٱلْمَوْتَ» (أم ٨: ٣٢ - ٣٦). وهذه الكلمات تعلن عن علاقة المسيح بالبشر ودعوته لهم لقبوله مخلصاً، وتحذيرهم من رفضه، وهي تتفق تماماً مع كلماته في العهد الجديد: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ» (يو ١٠: ١٠). «أَمَّا أَعْدَائِي، أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَٱذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» (لو ١٩: ٢٧).
إن الكلمات «الرب قناني أول طريقه» ترينا أن الرب يسوع باعتباره الحكمة - كان مع الآب منذ الأزل، وأنه صانع كل الأشُياء كقوله: «كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعاً» (أم ٨: ٣٠) وأن الله لم يبدأ عملاً من أعمال إلا به كما نقرأ في الكلمات: «ٱلْحِكْمَةُ هِيَ ٱلرَّأْسُ» (أم ٤: ٧) «مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ» (مز ١٠٤: ٢٤). «ٱلرَّبُّ بِٱلْحِكْمَةِ أَسَّسَ ٱلأَرْضَ» (أم ٣: ١٩) «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ... كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يو ١: ١ - ٣). «فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كو ١: ١٦). «اَللّٰهُ... كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ ٱلْعَالَمِينَ» (عب ١: ١ و٢).
فالمسيح هو «الحكمة» هو «الله الابن» الذي عنده الغنى والكرامة، والذي من يجده يجد الحياة كما قال يوحنا الرسول: «مَنْ لَهُ ٱلابْنُ فَلَهُ ٱلْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ فَلَيْسَتْ لَهُ ٱلْحَيَاةُ» (١ يو ٥: ١٢). والذي من يخطئ عنه يضر نفسه، وكل مبغضيه يحبون الموت، وإذا لم يكن هو «ابن الله» الذي فيه كانت الحياة، فأي ضرر يصيب الإنسان الذي يخطئ عنه والذي يبغضه؟
إن الآيات التي أوضحنا معناها في هذا المقام تؤكد لاهوت المسيح ولا تناقضه بحال من الأحوال، أما كلمة «أبدئت» التي وردت في النص فسنتركها حتى نأتي إلى تفسير الآية الموجودة في سفر رؤيا يوحنا والتي تقول كلماتها: «هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ، ٱلشَّاهِدُ... بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللّٰهِ» (رؤ ٣: ١٤). فليعد القارئ إلى تفسيرها في موضعها من هذا الكتاب.
نقرأ في إنجيل متى الكلمات:
«وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى
ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى ٱلرُّوحِ
ٱلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ وَلاَ فِي
ٱلآتِي» (مت ١٢: ٣٢).
وتُظهر هذه الكلمات أمام القراءة السطحية أن لا مساواة بين المسيح والروح القدس، وأن المسيح هو «إنسان» كسائر الناس لأنه يسمي نفسه «ابن الإنسان» ولأنه طالما كرر هذا اللقب في حديثه عن نفسه، بينما لم يقل إنه ابن الله صراحة إلا في موضعين (يو ٩: ٣٥ ويو ١٠: ٣٦).
والسبب الذي من أجله يُغفر لمن يقول كلمة على ابن الإنسان، ولا يغفر لمن يجدف على الروح القدس، ليس هو عدم المساواة بين المسيح والروح القدس، بل هو أن المسيح جاء لخلاص الناس «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لو ١٩: ١٠) و «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ» (يو ٣: ١٧). لذلك طلب المسيح وهو على الصليب الغفران لصالبيه والمجدفين عليه قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لو ٢٣: ٣٤).
ولكن لأن الروح القدس هو الذي يعلن المسيح المخلص للنفس الهالكة كما يقول بولس الرسول: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (١ كو ١٢: ٣). وهو الذي يبكت الخطاة على خطاياهم ويقودهم إلى التوبة الحقيقية كما قال الرب: «وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ» (يو ١٦: ٨)، لذلك فإن من يجدف عليه فلا غفران له إلى الأبد، ويعني التجديف على الروح القدس أن ينسب الإنسان العمل المبارك الذي يعمله الروح القدس إلى الشيطان، ويرفض بعناد توسلات الروح القدس وتبكيته لإرجاعه إلى الرب، وهذا يصل بالإنسان إلى القساوة القلبية تماماً كما حدث مع الفريسيين الذين أسندوا معجزات المسيح إلى «بعلزبول». ورفضوا نداءه لهم بالتوبة والرجوع إلى الله. فأعلن لهم المسيح أنهم أولاد الأفاعي، وأنهم جيل فاسق شرير، رغم حديثهم البراق بالصالحات، في حين أن قلوبهم ملآنة بالشر، ولأن الروح القدس هو العامل في التجديد، وإعلان المسيح المخلص للنفس، فرفض توسلاته عن عناد وإصرار ومعرفة يحرم الإنسان من نتائج عمله، وبالتالي يحرم من الغفران إلى الأبد، كما قال الله في أيام نوح: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي ٱلإِنْسَانِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (تك ٦: ٣).
وأما تسمية المسيح نفسه بأنه «ابن الإنسان» فهو تأكيد لكمال ناسوته، وأنه جاء ليموت بدلاً عن الناس ونائباً عنهم بعتباره «الإنسان الثاني» الذي هو في ذات الوقت «الرب من السماء» (١ كو ١٥: ٤٧)، ولأنه «الرب من السماء» وفي ذات الوقت هو «الإنسان الثاني» فهو غير محدود، وهو خالق كل البشر وكل الوجود، ولذا فإن في موته الكفاية للتكفير عن خطايا العالم كله كما قال يوحنا الرسول: «وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (١ يو ٢: ٢) وعلى هذا فإن آلامه فوق الصليب، لا تقاس بمقياس الزمن الذي قاسى فيه الألم، بل بمقياس شخصه الفريد المجيد، ذلك لأن الإساءة التي توجه إلى شخص حقير تصبح عملاً فظيعاً لو وُجهت بذاتها إلى ملك او رئيس كبير!!
ولو أننا تتبعنا الآيات التي أعلن المسيح فيها عن نفسه أنه «ابن الإنسان» لرأينا فيها إعلانات رائعة عن سر تجسد المسيح، فهو لم يأت إلى العالم بحثاً عن راحة لنفسه «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (مت ٨: ٢٠) ولكنه جاء ليُرفع على الصليب فداء عن الخطاة «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يو ٣: ١٤ و١٥). وجاء ليطلب ويخلص ما قد هلك (لو ١٩: ١٠) وسوف يأتي بقوة ومجد كثير (مرقس ١٣: ٢٦ و٢٧).
ولقب «ابن الإنسان» الذي أطلقه المسيح على نفسه مراراً يؤكد لنا لاهوته مع ناسوته. ويعود بنا إلى ما جاء في سفر دانيال: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى ٱللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ» (دا ٧: ١٣ و١٤). فابن الإنسان هو موضوع عبادة الشعوب وهو صاحب السلطان الأبدي.
وإيماننا بقدرة الله على كل شيء يدفعنا إلى الإيمان بقدرته على التجسد دون حدوث تغيير في لاهوته، تماماً كما نؤمن أن الكهرباء تتجسد في الأسلاك، والمغناطيسية في الحديد دون أن تتغير طبيعة الأسلاك، أو طبيعة الحديد، أو طبيعة الكهرباء.
ولذا فقد أعلن المسيح عن نفسه لنيقوديموس بالكلمات: «إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ ٱلأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ ٱلسَّمَاوِيَّاتِ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلاَّ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (يو ٣: ١٢ و١٣). فابن الإنسان الذي كان يتكلم مع نيقوديموس في الأرض، كان يملأ السماء بلاهوته. فاللقب «ابن الإنسان» الذي نجده في الآية التي نحن بصددها لا يظهر فرقاً بين المسيح والروح القدس في اللاهوت ولا يلقي شبهة على لاهوت ربنا المبارك، بل تؤكد الأجزاء التالية له حقيقة لاهوته فهو أعظم من يونان وسليمان وهو في ذات الوقت «ابن الإنسانية» كلها.
وتُظهر هذه الكلمات أمام القراءة السطحية أن لا مساواة بين المسيح والروح القدس، وأن المسيح هو «إنسان» كسائر الناس لأنه يسمي نفسه «ابن الإنسان» ولأنه طالما كرر هذا اللقب في حديثه عن نفسه، بينما لم يقل إنه ابن الله صراحة إلا في موضعين (يو ٩: ٣٥ ويو ١٠: ٣٦).
والسبب الذي من أجله يُغفر لمن يقول كلمة على ابن الإنسان، ولا يغفر لمن يجدف على الروح القدس، ليس هو عدم المساواة بين المسيح والروح القدس، بل هو أن المسيح جاء لخلاص الناس «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لو ١٩: ١٠) و «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ» (يو ٣: ١٧). لذلك طلب المسيح وهو على الصليب الغفران لصالبيه والمجدفين عليه قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لو ٢٣: ٣٤).
ولكن لأن الروح القدس هو الذي يعلن المسيح المخلص للنفس الهالكة كما يقول بولس الرسول: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (١ كو ١٢: ٣). وهو الذي يبكت الخطاة على خطاياهم ويقودهم إلى التوبة الحقيقية كما قال الرب: «وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ» (يو ١٦: ٨)، لذلك فإن من يجدف عليه فلا غفران له إلى الأبد، ويعني التجديف على الروح القدس أن ينسب الإنسان العمل المبارك الذي يعمله الروح القدس إلى الشيطان، ويرفض بعناد توسلات الروح القدس وتبكيته لإرجاعه إلى الرب، وهذا يصل بالإنسان إلى القساوة القلبية تماماً كما حدث مع الفريسيين الذين أسندوا معجزات المسيح إلى «بعلزبول». ورفضوا نداءه لهم بالتوبة والرجوع إلى الله. فأعلن لهم المسيح أنهم أولاد الأفاعي، وأنهم جيل فاسق شرير، رغم حديثهم البراق بالصالحات، في حين أن قلوبهم ملآنة بالشر، ولأن الروح القدس هو العامل في التجديد، وإعلان المسيح المخلص للنفس، فرفض توسلاته عن عناد وإصرار ومعرفة يحرم الإنسان من نتائج عمله، وبالتالي يحرم من الغفران إلى الأبد، كما قال الله في أيام نوح: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي ٱلإِنْسَانِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (تك ٦: ٣).
وأما تسمية المسيح نفسه بأنه «ابن الإنسان» فهو تأكيد لكمال ناسوته، وأنه جاء ليموت بدلاً عن الناس ونائباً عنهم بعتباره «الإنسان الثاني» الذي هو في ذات الوقت «الرب من السماء» (١ كو ١٥: ٤٧)، ولأنه «الرب من السماء» وفي ذات الوقت هو «الإنسان الثاني» فهو غير محدود، وهو خالق كل البشر وكل الوجود، ولذا فإن في موته الكفاية للتكفير عن خطايا العالم كله كما قال يوحنا الرسول: «وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (١ يو ٢: ٢) وعلى هذا فإن آلامه فوق الصليب، لا تقاس بمقياس الزمن الذي قاسى فيه الألم، بل بمقياس شخصه الفريد المجيد، ذلك لأن الإساءة التي توجه إلى شخص حقير تصبح عملاً فظيعاً لو وُجهت بذاتها إلى ملك او رئيس كبير!!
ولو أننا تتبعنا الآيات التي أعلن المسيح فيها عن نفسه أنه «ابن الإنسان» لرأينا فيها إعلانات رائعة عن سر تجسد المسيح، فهو لم يأت إلى العالم بحثاً عن راحة لنفسه «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (مت ٨: ٢٠) ولكنه جاء ليُرفع على الصليب فداء عن الخطاة «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يو ٣: ١٤ و١٥). وجاء ليطلب ويخلص ما قد هلك (لو ١٩: ١٠) وسوف يأتي بقوة ومجد كثير (مرقس ١٣: ٢٦ و٢٧).
ولقب «ابن الإنسان» الذي أطلقه المسيح على نفسه مراراً يؤكد لنا لاهوته مع ناسوته. ويعود بنا إلى ما جاء في سفر دانيال: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى ٱللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ» (دا ٧: ١٣ و١٤). فابن الإنسان هو موضوع عبادة الشعوب وهو صاحب السلطان الأبدي.
وإيماننا بقدرة الله على كل شيء يدفعنا إلى الإيمان بقدرته على التجسد دون حدوث تغيير في لاهوته، تماماً كما نؤمن أن الكهرباء تتجسد في الأسلاك، والمغناطيسية في الحديد دون أن تتغير طبيعة الأسلاك، أو طبيعة الحديد، أو طبيعة الكهرباء.
ولذا فقد أعلن المسيح عن نفسه لنيقوديموس بالكلمات: «إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ ٱلأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ ٱلسَّمَاوِيَّاتِ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلاَّ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (يو ٣: ١٢ و١٣). فابن الإنسان الذي كان يتكلم مع نيقوديموس في الأرض، كان يملأ السماء بلاهوته. فاللقب «ابن الإنسان» الذي نجده في الآية التي نحن بصددها لا يظهر فرقاً بين المسيح والروح القدس في اللاهوت ولا يلقي شبهة على لاهوت ربنا المبارك، بل تؤكد الأجزاء التالية له حقيقة لاهوته فهو أعظم من يونان وسليمان وهو في ذات الوقت «ابن الإنسانية» كلها.
جاء في إنجيل متى:
«وَنَحْوَ ٱلسَّاعَةِ
ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِيلِي إِيلِي،
لَمَا شَبَقْتَنِي (أَيْ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟)»(مت ٢٧: ٤٦).
ويقول غير المؤمنين بلاهوت المسيح من جماعة شهود يهوه وغيرهم من الطوائف العصرية، إذا كان المسيح هو «ابن الله» و «الله الابن» وهو معادل للآب والروح القدس، فكيف ينادي «الله» وهو على الصليب قائلاً: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟».
وإجابة هذا السؤال سهلة إذا وضعنا في أذهاننا الحقائق الكتابية الآتية:
١ - إن المسيح مع كونه ابن الله الأزلي كما قال عنه يوحنا: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (يو ١: ١). وكما قال هو عن نفسه: « قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يو ٨: ٥٨). إلا أنه في ملء الزمان جاء إلى الأرض إنساناً مولوداً من امرأة ليفتدي الإنسان كما قال بولس الرسول: «ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ... ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ. لٰكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ» (في ٢: ٥ - ٨).
وفي هذه الكلمات نجد أن المسيح نزل بتجسده هذه الدرجات:
أ - أخلى نفسه
ب - أخذ صورة عبد
ج - صار في شبه الناس
د - وجد في الهيئة كإنسان
هـ - وضع نفسه
و - أطاع حتى الموت
ز - موت الصليب. أي موت اللعنة كما قال بولس الرسول: «اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ» (غلا ٣: ١٣).
كل هذا يرينا أن المسيح عندما مات على الصليب مات كإنسان، كان بديلاً عن الإنسان «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ» (١ بط ٣: ١٨).
والمسيح «كإنسان».. «ليس فيه خطية» (١يو ٣: ٣٥)، «ولم يعرف خطية» (٢ كو ٥: ٢١)، و «لم يفعل خطية» (١ بط ٢: ٢٢) فهو «البار» بطبيعته الأصلية «يسوع المسيح البار» (١ يو ٢: ١).
ولذا فهو يسأل الله قائلاً: «لماذا تركتني؟» وهو سؤال لا يجسر إنسان مذنب خاطئ أن يوجهه لله، لأنه يعلم أنه يعاقب بسبب خطاياه، أما المسيح فله الحق أن يسأل: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟».
وسؤاله هنا هو سؤال «الإنسان البار» النائب عن «الأثمة الفجار» ولذا فهو لا يخاطب الله بالقول «يا أبتاه» لو ٢٣: ٣٤) كما هي عادته، وكما) هي نسبته وعلاقته، بل يخاطبه بالقول «إلهي إلهي» معلناً أنه وإن كان يحتمل أجرة الخطية كإنسان نائباً عن الإنسانية، إلا أن اتكاله باعتباره الإنسان الكامل، وهو في أحلك اللحظات ما زال على الله (مز ٢٢: ٨)، وقد اقتبس المسيح صرخته من المزمور الثاني والعشرين، وهو المزمور الذي سبق وتنبأ عن تفاصيل الصلب، وكل الحوادث المذكورة فيه قد تمت وقت الصلب بالحرف الواحد مما يؤكد أن المصلوب هو موضوع نبوات الأنبياء، وهو الذي تنبأ داود عن صلبه.
لقد أعلنت الصرخة التي أطلقها المسيح وهو يجتاز أحلك ساعات آلامه «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» إنه البار القدوس الطاهر.. وقد وجهها إلى الله ليلفت بها نظر البشرية الساقطة في مختلف العصور أنه بسبب خطاياها حجب الآب العادل وجهه عن ابنه الحبيب، الذي أرتضى طوعاً أن يصير «عبداً» من أجل «عبيد الخطية» وكأننا نسمع صوت الآب يجيب المسيح الإنسان، الذي أصبح نائباً عن الإنسان «لقد تركتك لأنك تحمل خطايا البشرية.. لأن هذا الترك هو العقاب المفروض على كل خاطئ أثيم، وأنت صرت بديلاً عن البشر فحملت خطاياهم في جسدك.. فكان لا بد أن أحجب وجهي عنك بعد أن صرت ذبيحة خطية» (اقرأ إش ٥٢: ١٣ - ١٥، و٥٣: ١ - ٦، ٢ كو ٥: ٢١، و ٣: ٢١ - ٢٦ و ١بط ٢٢: ٢٤).
إذا لا يجب أن يغيب عن ذهننا أن المسيح مع كونه «ابن الله» هو أيضاً «ابن الإنسان» وأنه عندما مات على الصليب مات نائباً عن الإنسان وبديلاً عنه «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مر ١٠: ٤٥).
وبهذا الاعتبار يصرخ المسيح ابن الإنسان والإنسان الكامل إلى الله الآب العادل قائلاً: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» معلناً بصرخته إتمام النبوات فيه، فلا غرابة إذاً أن يخاطب «ابن الله» الذي صار إنساناً وأخذ مكان الإنسان.. «الله الأب» الذي أوقع عليه عقاب خطية الإنسان، ويصرخ إليه قائلاً: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» إذ ليس في هذه الصرخة أية شبهة تناقض الإيمان بان المسيح هو «الله الابن» بل على العكس نرى أن كل الملابسات التي أحاطت بالمسيح وهو فوق الصليب تعلن عن شخصيته الفريدة ولاهوته المجيد.
ويقول غير المؤمنين بلاهوت المسيح من جماعة شهود يهوه وغيرهم من الطوائف العصرية، إذا كان المسيح هو «ابن الله» و «الله الابن» وهو معادل للآب والروح القدس، فكيف ينادي «الله» وهو على الصليب قائلاً: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟».
وإجابة هذا السؤال سهلة إذا وضعنا في أذهاننا الحقائق الكتابية الآتية:
١ - إن المسيح مع كونه ابن الله الأزلي كما قال عنه يوحنا: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (يو ١: ١). وكما قال هو عن نفسه: « قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يو ٨: ٥٨). إلا أنه في ملء الزمان جاء إلى الأرض إنساناً مولوداً من امرأة ليفتدي الإنسان كما قال بولس الرسول: «ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ... ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ. لٰكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ» (في ٢: ٥ - ٨).
وفي هذه الكلمات نجد أن المسيح نزل بتجسده هذه الدرجات:
أ - أخلى نفسه
ب - أخذ صورة عبد
ج - صار في شبه الناس
د - وجد في الهيئة كإنسان
هـ - وضع نفسه
و - أطاع حتى الموت
ز - موت الصليب. أي موت اللعنة كما قال بولس الرسول: «اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ» (غلا ٣: ١٣).
كل هذا يرينا أن المسيح عندما مات على الصليب مات كإنسان، كان بديلاً عن الإنسان «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ» (١ بط ٣: ١٨).
والمسيح «كإنسان».. «ليس فيه خطية» (١يو ٣: ٣٥)، «ولم يعرف خطية» (٢ كو ٥: ٢١)، و «لم يفعل خطية» (١ بط ٢: ٢٢) فهو «البار» بطبيعته الأصلية «يسوع المسيح البار» (١ يو ٢: ١).
ولذا فهو يسأل الله قائلاً: «لماذا تركتني؟» وهو سؤال لا يجسر إنسان مذنب خاطئ أن يوجهه لله، لأنه يعلم أنه يعاقب بسبب خطاياه، أما المسيح فله الحق أن يسأل: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟».
وسؤاله هنا هو سؤال «الإنسان البار» النائب عن «الأثمة الفجار» ولذا فهو لا يخاطب الله بالقول «يا أبتاه» لو ٢٣: ٣٤) كما هي عادته، وكما) هي نسبته وعلاقته، بل يخاطبه بالقول «إلهي إلهي» معلناً أنه وإن كان يحتمل أجرة الخطية كإنسان نائباً عن الإنسانية، إلا أن اتكاله باعتباره الإنسان الكامل، وهو في أحلك اللحظات ما زال على الله (مز ٢٢: ٨)، وقد اقتبس المسيح صرخته من المزمور الثاني والعشرين، وهو المزمور الذي سبق وتنبأ عن تفاصيل الصلب، وكل الحوادث المذكورة فيه قد تمت وقت الصلب بالحرف الواحد مما يؤكد أن المصلوب هو موضوع نبوات الأنبياء، وهو الذي تنبأ داود عن صلبه.
لقد أعلنت الصرخة التي أطلقها المسيح وهو يجتاز أحلك ساعات آلامه «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» إنه البار القدوس الطاهر.. وقد وجهها إلى الله ليلفت بها نظر البشرية الساقطة في مختلف العصور أنه بسبب خطاياها حجب الآب العادل وجهه عن ابنه الحبيب، الذي أرتضى طوعاً أن يصير «عبداً» من أجل «عبيد الخطية» وكأننا نسمع صوت الآب يجيب المسيح الإنسان، الذي أصبح نائباً عن الإنسان «لقد تركتك لأنك تحمل خطايا البشرية.. لأن هذا الترك هو العقاب المفروض على كل خاطئ أثيم، وأنت صرت بديلاً عن البشر فحملت خطاياهم في جسدك.. فكان لا بد أن أحجب وجهي عنك بعد أن صرت ذبيحة خطية» (اقرأ إش ٥٢: ١٣ - ١٥، و٥٣: ١ - ٦، ٢ كو ٥: ٢١، و ٣: ٢١ - ٢٦ و ١بط ٢٢: ٢٤).
إذا لا يجب أن يغيب عن ذهننا أن المسيح مع كونه «ابن الله» هو أيضاً «ابن الإنسان» وأنه عندما مات على الصليب مات نائباً عن الإنسان وبديلاً عنه «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مر ١٠: ٤٥).
وبهذا الاعتبار يصرخ المسيح ابن الإنسان والإنسان الكامل إلى الله الآب العادل قائلاً: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» معلناً بصرخته إتمام النبوات فيه، فلا غرابة إذاً أن يخاطب «ابن الله» الذي صار إنساناً وأخذ مكان الإنسان.. «الله الأب» الذي أوقع عليه عقاب خطية الإنسان، ويصرخ إليه قائلاً: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» إذ ليس في هذه الصرخة أية شبهة تناقض الإيمان بان المسيح هو «الله الابن» بل على العكس نرى أن كل الملابسات التي أحاطت بالمسيح وهو فوق الصليب تعلن عن شخصيته الفريدة ولاهوته المجيد.
نقرأ في إنجيل مرقس هذه الكلمات:
«وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ
وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ ٱلْمَلاَئِكَةُ
ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَلاَ ٱلابْنُ، إِلاَّ ٱلآبُ» (مر ١٣: ٣٢).
وأمام هذه الآية يبدو أمامنا هذا الاعتراض: إذا كان المسيح هو «ابن الله والله الابن» وهو العالم بكل شيء، أفلا ترينا كلماته هذه عدم معرفته ليوم أو ساعة مجيئه، وهذا يعني أنه ليس عالماً بكل شيء، وبالتالي فليس هو «الله»؟
والأن ما هو التفسير الصحيح لهذه الآية الصريحة؟
أقول أولاً إن الآية في صيغتها الواضحة تضع المسيح في مركز فريد بين خلائقه، فهو يقول: «وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَلاَ ٱلابْنُ، إِلاَّ ٱلآبُ» (مر ١٣: ٣٢).
وهنا نجد الآية تتحدث عن ما يلي:
(أ) البشر عموماً: «وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ» أي أحد من البشر.
(ب) الملائكة الذي في السماء: «فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ».
(ج) الابن: «فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا وَلاَ ٱلابْنُ».
وهنا يقف الابن وحده في مركزه الفريد فلو كان مجرد إنسان فلماذا لم يضع نفسه مع البشر؟ ولماذا أوقف نفسه مع الآب.
إننا إذ نعود إلى قرينة هذه الآية نجد المسيح يقول: «وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُّوَةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاءِ» (مر ١٣: ٢٦ و٢٧). وتعلن الكلمات أن «الملائكة» «ملائكة المسيح» وأنه هو «الآتي بالقوة والمجد».
كيف إذاً لا يعلم المسيح باليوم والساعة؟
هنا لا بد لنا أن نفصل كلمة الحق بالاستقامة (٢ تي ٢: ١٥)، وعندما نقوم بتفصيل العهد الجديد نجد به أربعة أناجيل:
الإنجيل الأول - هو إنجيل متى وهو يتحدث عن «المسيح الملك» ومفتاحه «أين هو المولود ملك اليهود؟» (مت ٢: ٢).
الإنجيل الثاني - هو إنجيل مرقس وهو يتحدث عن «المسيح العبد» ومفتاحه «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مر ١٠: ٤٥).
الإنجيل الثالث - هو إنجيل لوقا وهو يتحدث عن «المسيح الإنسان الكامل» ومفتاحه «إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هٰذَا ٱلإِنْسَانِ» (لو ٢٣: ٤) «بِٱلْحَقِيقَةِ كَانَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ بَارّاً» (لو ٢٣: ٤٧).
الإنجيل الرابع - هو إنجيل يوحنا وهو يتحدث عن «المسيح ابن الله» ومفتاحه «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. وَأَمَّا هٰذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يو ٢٠: ٣٠ و٣١).
والعهد القديم قد تنبأ عن مجيء المسيح في هذه الصور الأربع في رموزه ونبواته.
ففي الرموز في سفر التكوين «نهر فيشون» وهو يرمز إلى «المسيح الملك» كما نقرأ عنه: «اِسْمُ ٱلْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ ٱلْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ ٱلْحَوِيلَةِ حَيْثُ ٱلذَّهَبُ. وَذَهَبُ تِلْكَ ٱلأَرْضِ جَيِّدٌ» (تك ٢: ١١ و١٢).
و «نهر جيحون» وهو يرمز إلى «المسيح العبد» :كما نقرأ عنه «وَٱسْمُ ٱلنَّهْرِ ٱلثَّانِي جِيحُونُ. وَهُوَ ٱلْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ» (تك ٢: ١٣).
و «نهر حداقل» وهو يرمز إلى «المسيح الإنسان الكامل» كما نقرأ عنه «وَٱسْمُ ٱلنَّهْرِ ٱلثَّالِثِ حِدَّاقِلُ. وَهُوَ ٱلْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ» (أي الحكمة (تك ٢: ١٤).
و «نهر الفرات» وهو يرمز إلى «المسيح ابن الله» كما نقرأ عنه «وَٱلنَّهْرُ ٱلرَّابِعُ ٱلْفُرَاتُ» (تك ٢: ١٤).
وقد شاء الوحي أن يخفى عنا وصفه، تماماً كما قال الرب لمنوح «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ ٱسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟» (قض ١٣: ١٨).
وإنه لمن الملذ أن نرى أن هذه الأنهار الأربعة هي «رؤوس» لنهر واحد كما نقرأ «وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ ٱلْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ» (تك ٢: ١٠)، فمع أن النهر واحد، إلا أنه صار أربعة رؤوس، ومع أن المسيح واحد لكنه يظهر في الكتاب المقدس.. «الملك» و «العبد» و «الإنسان الكامل» و «ابن الله».
وحين نعود إلى نبوات العهد القديم نجدها تقدم لنا المسيح في هذه الصور الأربع كذلك.
فزكريا يتنبأ عن المسيح قائلاً: «اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ» (زك ٩: ٩).
وإشعياء يتنبأ عن المسيح قائلاً: «هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً» (إش ٥٢: ١٣) ويشاركه زكريا في النبوة قائلاً: «لأَنِّي هَئَنَذَا آتِي بِعَبْدِي ٱلْغُصْنِ» (زك ٣: ٨).
وزكريا يتنبأ عن المسيح الإنسان الكامل قائلاً: «هُوَذَا ٱلرَّجُلُ «ٱلْغُصْنُ» ٱسْمُهُ» (زك ٦: ١٢).
وإشعياء يتنبأ عن المسيح ابن الله قائلاً «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ» (إش ٩: ٦) ثم يعود قائلاً «هُوَذَا إِلَهُكِ. هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُّوَةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ» (إش ٤٠: ٩ و١٠).
فإذا وضعنا في أذهاننا أن المسيح هو «الملك» و «العبد» و «الإنسان الكامل» و «ابن الله».
وإذا عرفنا أن إنجيل مرقس يتحدث عن المسيح العبد الذي قال عنه سفر إشعياء «هُوَذَا عَبْدِي» (إش ٥٢: ١٣)، وأن المسيح قال بفمه المبارك: «ٱلْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ» (يو ١٥: ١٥). وأنه إذ أخذ «صورة عبد» صار عبداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، فارتضى بخدمة العبيد، وجهل العبيد بما يعمله سيدهم، واحتقار الناس للعبيد، ولذا فهو في إنجيل مرقس الذي يقدم المسيح العبد يعلن جهله باليوم والساعة قائلاً: «وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما.. ولا الابن» يعلن جهله هذا باعتباره «عبداً» مع أنه في نفس الوقت يؤكد أنه «الابن» الذي أخلى نفسه لفداء الإنسان بموته على الصليب.
وأمام هذه الآية يبدو أمامنا هذا الاعتراض: إذا كان المسيح هو «ابن الله والله الابن» وهو العالم بكل شيء، أفلا ترينا كلماته هذه عدم معرفته ليوم أو ساعة مجيئه، وهذا يعني أنه ليس عالماً بكل شيء، وبالتالي فليس هو «الله»؟
والأن ما هو التفسير الصحيح لهذه الآية الصريحة؟
أقول أولاً إن الآية في صيغتها الواضحة تضع المسيح في مركز فريد بين خلائقه، فهو يقول: «وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَلاَ ٱلابْنُ، إِلاَّ ٱلآبُ» (مر ١٣: ٣٢).
وهنا نجد الآية تتحدث عن ما يلي:
(أ) البشر عموماً: «وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ» أي أحد من البشر.
(ب) الملائكة الذي في السماء: «فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ».
(ج) الابن: «فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا وَلاَ ٱلابْنُ».
وهنا يقف الابن وحده في مركزه الفريد فلو كان مجرد إنسان فلماذا لم يضع نفسه مع البشر؟ ولماذا أوقف نفسه مع الآب.
إننا إذ نعود إلى قرينة هذه الآية نجد المسيح يقول: «وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُّوَةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاءِ» (مر ١٣: ٢٦ و٢٧). وتعلن الكلمات أن «الملائكة» «ملائكة المسيح» وأنه هو «الآتي بالقوة والمجد».
كيف إذاً لا يعلم المسيح باليوم والساعة؟
هنا لا بد لنا أن نفصل كلمة الحق بالاستقامة (٢ تي ٢: ١٥)، وعندما نقوم بتفصيل العهد الجديد نجد به أربعة أناجيل:
الإنجيل الأول - هو إنجيل متى وهو يتحدث عن «المسيح الملك» ومفتاحه «أين هو المولود ملك اليهود؟» (مت ٢: ٢).
الإنجيل الثاني - هو إنجيل مرقس وهو يتحدث عن «المسيح العبد» ومفتاحه «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مر ١٠: ٤٥).
الإنجيل الثالث - هو إنجيل لوقا وهو يتحدث عن «المسيح الإنسان الكامل» ومفتاحه «إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هٰذَا ٱلإِنْسَانِ» (لو ٢٣: ٤) «بِٱلْحَقِيقَةِ كَانَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ بَارّاً» (لو ٢٣: ٤٧).
الإنجيل الرابع - هو إنجيل يوحنا وهو يتحدث عن «المسيح ابن الله» ومفتاحه «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. وَأَمَّا هٰذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يو ٢٠: ٣٠ و٣١).
والعهد القديم قد تنبأ عن مجيء المسيح في هذه الصور الأربع في رموزه ونبواته.
ففي الرموز في سفر التكوين «نهر فيشون» وهو يرمز إلى «المسيح الملك» كما نقرأ عنه: «اِسْمُ ٱلْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ ٱلْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ ٱلْحَوِيلَةِ حَيْثُ ٱلذَّهَبُ. وَذَهَبُ تِلْكَ ٱلأَرْضِ جَيِّدٌ» (تك ٢: ١١ و١٢).
و «نهر جيحون» وهو يرمز إلى «المسيح العبد» :كما نقرأ عنه «وَٱسْمُ ٱلنَّهْرِ ٱلثَّانِي جِيحُونُ. وَهُوَ ٱلْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ» (تك ٢: ١٣).
و «نهر حداقل» وهو يرمز إلى «المسيح الإنسان الكامل» كما نقرأ عنه «وَٱسْمُ ٱلنَّهْرِ ٱلثَّالِثِ حِدَّاقِلُ. وَهُوَ ٱلْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ» (أي الحكمة (تك ٢: ١٤).
و «نهر الفرات» وهو يرمز إلى «المسيح ابن الله» كما نقرأ عنه «وَٱلنَّهْرُ ٱلرَّابِعُ ٱلْفُرَاتُ» (تك ٢: ١٤).
وقد شاء الوحي أن يخفى عنا وصفه، تماماً كما قال الرب لمنوح «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ ٱسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟» (قض ١٣: ١٨).
وإنه لمن الملذ أن نرى أن هذه الأنهار الأربعة هي «رؤوس» لنهر واحد كما نقرأ «وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ ٱلْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ» (تك ٢: ١٠)، فمع أن النهر واحد، إلا أنه صار أربعة رؤوس، ومع أن المسيح واحد لكنه يظهر في الكتاب المقدس.. «الملك» و «العبد» و «الإنسان الكامل» و «ابن الله».
وحين نعود إلى نبوات العهد القديم نجدها تقدم لنا المسيح في هذه الصور الأربع كذلك.
فزكريا يتنبأ عن المسيح قائلاً: «اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ» (زك ٩: ٩).
وإشعياء يتنبأ عن المسيح قائلاً: «هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً» (إش ٥٢: ١٣) ويشاركه زكريا في النبوة قائلاً: «لأَنِّي هَئَنَذَا آتِي بِعَبْدِي ٱلْغُصْنِ» (زك ٣: ٨).
وزكريا يتنبأ عن المسيح الإنسان الكامل قائلاً: «هُوَذَا ٱلرَّجُلُ «ٱلْغُصْنُ» ٱسْمُهُ» (زك ٦: ١٢).
وإشعياء يتنبأ عن المسيح ابن الله قائلاً «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ» (إش ٩: ٦) ثم يعود قائلاً «هُوَذَا إِلَهُكِ. هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُّوَةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ» (إش ٤٠: ٩ و١٠).
فإذا وضعنا في أذهاننا أن المسيح هو «الملك» و «العبد» و «الإنسان الكامل» و «ابن الله».
وإذا عرفنا أن إنجيل مرقس يتحدث عن المسيح العبد الذي قال عنه سفر إشعياء «هُوَذَا عَبْدِي» (إش ٥٢: ١٣)، وأن المسيح قال بفمه المبارك: «ٱلْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ» (يو ١٥: ١٥). وأنه إذ أخذ «صورة عبد» صار عبداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، فارتضى بخدمة العبيد، وجهل العبيد بما يعمله سيدهم، واحتقار الناس للعبيد، ولذا فهو في إنجيل مرقس الذي يقدم المسيح العبد يعلن جهله باليوم والساعة قائلاً: «وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما.. ولا الابن» يعلن جهله هذا باعتباره «عبداً» مع أنه في نفس الوقت يؤكد أنه «الابن» الذي أخلى نفسه لفداء الإنسان بموته على الصليب.
نقرأ في إنجيل يوحنا الكلمات:
«لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذٰلِكَ أَعْطَى ٱلابْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ» (يو ٥: ٢٦).
وهنا يقول أحد المعترضين: انظر.. إن الآب هو الذي أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته، وبما أن المعطي هو الآب والمعطَى هو الابن، لذا لا بد أن يكون الآب خالقاً للابن، وواهباً إياه الحياة، وعلى هذا فلا مساواة بين الآب والابن.
ويبدو هذا الاعتراض وجيهأً أمام النظرة السطحية، ولكنه يدل على جهل بالكتاب المقدس وقوانين تفسيره. ففي الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا نقرأ عن المسيح «فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ» (يو ١: ٤). وهذه الكلمات بارتباطها بما سبقها تعلن أن الحياة كانت في المسيح منذ الأزل.
إذاً ما معنى الكلمات: «لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته».
هنا لا بد أن نعود لقوانين التفسير الصحيح فنربط الآية بالقرينة، ثم بالأصحاح كله، والسفر كله.
وأول ما نراه في الآية ذاتها أن هناك مساواة بين الآب والابن فالآب له «حياة في ذاته» والابن له «حياة في ذاته» ثم إذ نبدأ في قراءة الأصحاح نرى أن المسيح يقول لليهود: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يو ٥: ١٧).
وقد فهم اليهود من هذا القول أن المسيح يعادل نفسه بالله «فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يو ٥: ١٨) وإذ نستمر في قراءة الأصحاح نرى فيه.
ولكننا نرى فيه أيضاً أن الآب قد
«أعطى كل الدينونة للابن. وأعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته».
ونسأل بأي اعتبار أعطى الآب «كل الدينونة للابن» وأعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته؟ فنجد الجواب في كلمات المسيح «وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لأَنَّهُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ» (يو ٥: ٢٧).
فعطايا الآب للابن ليست في اعتباره «الأزلي» بل في اعتباره الزمني حين «أخذ صورة عبد وصار في شبه الناس ووجد في الهيئة كإنسان» فالمسيح في اعتباره الأزلي هو «ابن الله» ولكنه في اعتباره الزمني «ابن الإنسان»، وفي هذا الاعتبار ميزه الآب عن البشر جميعاً بأن أعطاه حياة في ذاته، معلناً لنا بهذه الكلمات أن «ابن الإنسان» هو ذاته «ابن الله» وأنه في إنسانيته «له حياة في ذاته» وهذا ما أوضحه المسيح بكلماته: «لِهٰذَا يُحِبُّنِي ٱلآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يو ١٠: ١٧ و١٨). وما أوضحه أيضاً حين قال لليهود «ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ. فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هٰذَا ٱلْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟ وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ» (يو ٢: ١٩ - ٢١). ولو لم يكن له حياة في ذاته ما استطاع أن يقول هذه الكلمات.. فالإعطاء المذكور في آيتنا، يعني إظهار حياة الله الذاتية في الإنسان يسوع المسيح عندما تجسد في الزمان.
وهنا يقول أحد المعترضين: انظر.. إن الآب هو الذي أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته، وبما أن المعطي هو الآب والمعطَى هو الابن، لذا لا بد أن يكون الآب خالقاً للابن، وواهباً إياه الحياة، وعلى هذا فلا مساواة بين الآب والابن.
ويبدو هذا الاعتراض وجيهأً أمام النظرة السطحية، ولكنه يدل على جهل بالكتاب المقدس وقوانين تفسيره. ففي الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا نقرأ عن المسيح «فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ» (يو ١: ٤). وهذه الكلمات بارتباطها بما سبقها تعلن أن الحياة كانت في المسيح منذ الأزل.
إذاً ما معنى الكلمات: «لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته».
هنا لا بد أن نعود لقوانين التفسير الصحيح فنربط الآية بالقرينة، ثم بالأصحاح كله، والسفر كله.
وأول ما نراه في الآية ذاتها أن هناك مساواة بين الآب والابن فالآب له «حياة في ذاته» والابن له «حياة في ذاته» ثم إذ نبدأ في قراءة الأصحاح نرى أن المسيح يقول لليهود: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يو ٥: ١٧).
وقد فهم اليهود من هذا القول أن المسيح يعادل نفسه بالله «فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يو ٥: ١٨) وإذ نستمر في قراءة الأصحاح نرى فيه.
- أن المسيح له نفس قدرة الآب في إحياء من يشاء (يو ٥: ٢١).
- أن المسيح له نفس الكرامة التي للآب (يو ٥: ٢٢ و٢٣).
- أن المسيح له القدرة على إقامة الأموات بالخطايا (يو ٥: ٢٥).
- أن المسيح سيقيم الأموات من قبورهم (يو ٢٥: ٢٨ و٢٩).
ونسأل بأي اعتبار أعطى الآب «كل الدينونة للابن» وأعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته؟ فنجد الجواب في كلمات المسيح «وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لأَنَّهُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ» (يو ٥: ٢٧).
فعطايا الآب للابن ليست في اعتباره «الأزلي» بل في اعتباره الزمني حين «أخذ صورة عبد وصار في شبه الناس ووجد في الهيئة كإنسان» فالمسيح في اعتباره الأزلي هو «ابن الله» ولكنه في اعتباره الزمني «ابن الإنسان»، وفي هذا الاعتبار ميزه الآب عن البشر جميعاً بأن أعطاه حياة في ذاته، معلناً لنا بهذه الكلمات أن «ابن الإنسان» هو ذاته «ابن الله» وأنه في إنسانيته «له حياة في ذاته» وهذا ما أوضحه المسيح بكلماته: «لِهٰذَا يُحِبُّنِي ٱلآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يو ١٠: ١٧ و١٨). وما أوضحه أيضاً حين قال لليهود «ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ. فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هٰذَا ٱلْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟ وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ» (يو ٢: ١٩ - ٢١). ولو لم يكن له حياة في ذاته ما استطاع أن يقول هذه الكلمات.. فالإعطاء المذكور في آيتنا، يعني إظهار حياة الله الذاتية في الإنسان يسوع المسيح عندما تجسد في الزمان.
قال المسيح في إنجيل يوحنا
«أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ.
فَتَنَاوَلَ ٱلْيَهُودُ أَيْضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. فَقَالَ يَسُوعُ:
أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي - بِسَبَبِ
أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟ أَجَابَهُ ٱلْيَهُودُ: لَسْنَا
نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ
وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلٰهاً أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:
أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟
إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ
ٱللّٰهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ ٱلْمَكْتُوبُ، فَٱلَّذِي قَدَّسَهُ
ٱلآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ
تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ إِنِّي ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (يو ١٠: ٣٠ - ٣٦).
ويقول غير المؤمنين بلاهوت المسيح إن هذا النص يرينا أن المسيح شخص إلهي بنفس المركز الذي يقال فيه عن البشر إنهم «آلهة» وذلك بناء على ما قاله بنفسه.
ولكن التأمل في النص يدحض الإدعاء، فالنص يبدأ بالكلمات: «أنا والآب واحد» وهنا تظهر وحدانية الآب والابن، الأمر الذي فهمه اليهود وتناولوا بسببه حجارة ليرجموا المسيح، فلما سألهم لماذا يريدون رجمه قالوا: لأجل تجديف «فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً».
وقد دفع المسيح تهمة التجديف بكلماته «أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة. إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأني قلت أني ابن الله».
وكلمات المسيح مأخوذة من مزمور ٨٢: ٦، وهناك نرى أن الله يتحدث بها إلى القضاة قائلاً لهم اقضوا الذليل واليتيم، والقضاة آلهة باعتبار أنهم يحكمون بين الناس بحسب ناموس الله، ولكن مع مركزهم العظيم فالله يقول لهم «مِثْلَ ٱلنَّاسِ تَمُوتُونَ» (مز ٨٢: ٧).
وقديماً قال الرب لموسى «أَلَيْسَ هَارُونُ ٱللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضاً هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ، فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ ٱلْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ. وَهُوَ يُكَلِّمُ ٱلشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَماً، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلٰهاً» (خر ٤: ١٤ - ١٦). فإلهية موسى هنا بالنسبة لهارون، هي باعتبار أنه مصدر كلمة الله إلى هارون، فموسى هنا كان يتلقى من الله القوة، والكلام، وكان بالنسبة لهارون «إلهاً» يعطيه الكلام الذي ينطق به «هو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً».
هذه هي «الإلهية» التي يمكن أن يصل إليها الإنسان.
أما المسيح فهو «الله الابن» ولذا فهو يقول لليهود إذا كان كتابكم المقدس قد قال عن قضاتكم، وهم بشر يموتون ويسقطون إنهم آلهة، وهذا كلام الله الثابت المتين، وأنتم لم تتهموا آساف كاتب هذا الكلام بالتجديف «فالذي قدسه الآب وارسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله» وكأن المسيح يقول: «أتقولون لي أنا المسيح، الذي كرسني الآب ومسحني لعمل الفداء إني أجدف لأني قلت إني ابن الله».
إذا جاز أن يقال عن قضاتكم وهم خطاة، يناديهم الله قائلاً: «حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْراً وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ ٱلأَشْرَارِ؟» (مز ٨٢: ٢) «إنهم آلهة» فالابن الوحيد المعصوم عن الخطأ، الذي مسحه الآب من الأزل، أتقولون له إنك تجدف لأني قلت أنا «أبن الله»؟؟
وأخيراً يأتي بهم المسيح إلى فصل الخطاب قائلاً: «إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِٱلأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ ٱلآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يو ١٠: ٣٧ و٣٨). وهو بهذه الكلمات يفرق بين إلهية القضاة، وألوهيته هو، فالقضاة وموسى «آلهة» من جانب واحد، أما المسيح فهو «ابن الله الوحيد» الذي قال عنه بولس الرسول «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً» (كو ٢: ٩) هنا لا فرق بين الإلهية والألوهية «Divinity and Deity» بين البشر مهما سما مركزهم سواء كانوا قضاة أو أنبياء. وبين المسيح «ابن الله» فكلمات النص إذاً تؤكد لاهوت المسيح ولا تلقي الشبهة عليه.
ويقول غير المؤمنين بلاهوت المسيح إن هذا النص يرينا أن المسيح شخص إلهي بنفس المركز الذي يقال فيه عن البشر إنهم «آلهة» وذلك بناء على ما قاله بنفسه.
ولكن التأمل في النص يدحض الإدعاء، فالنص يبدأ بالكلمات: «أنا والآب واحد» وهنا تظهر وحدانية الآب والابن، الأمر الذي فهمه اليهود وتناولوا بسببه حجارة ليرجموا المسيح، فلما سألهم لماذا يريدون رجمه قالوا: لأجل تجديف «فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً».
وقد دفع المسيح تهمة التجديف بكلماته «أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة. إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأني قلت أني ابن الله».
وكلمات المسيح مأخوذة من مزمور ٨٢: ٦، وهناك نرى أن الله يتحدث بها إلى القضاة قائلاً لهم اقضوا الذليل واليتيم، والقضاة آلهة باعتبار أنهم يحكمون بين الناس بحسب ناموس الله، ولكن مع مركزهم العظيم فالله يقول لهم «مِثْلَ ٱلنَّاسِ تَمُوتُونَ» (مز ٨٢: ٧).
وقديماً قال الرب لموسى «أَلَيْسَ هَارُونُ ٱللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضاً هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ، فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ ٱلْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ. وَهُوَ يُكَلِّمُ ٱلشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَماً، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلٰهاً» (خر ٤: ١٤ - ١٦). فإلهية موسى هنا بالنسبة لهارون، هي باعتبار أنه مصدر كلمة الله إلى هارون، فموسى هنا كان يتلقى من الله القوة، والكلام، وكان بالنسبة لهارون «إلهاً» يعطيه الكلام الذي ينطق به «هو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً».
هذه هي «الإلهية» التي يمكن أن يصل إليها الإنسان.
أما المسيح فهو «الله الابن» ولذا فهو يقول لليهود إذا كان كتابكم المقدس قد قال عن قضاتكم، وهم بشر يموتون ويسقطون إنهم آلهة، وهذا كلام الله الثابت المتين، وأنتم لم تتهموا آساف كاتب هذا الكلام بالتجديف «فالذي قدسه الآب وارسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله» وكأن المسيح يقول: «أتقولون لي أنا المسيح، الذي كرسني الآب ومسحني لعمل الفداء إني أجدف لأني قلت إني ابن الله».
إذا جاز أن يقال عن قضاتكم وهم خطاة، يناديهم الله قائلاً: «حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْراً وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ ٱلأَشْرَارِ؟» (مز ٨٢: ٢) «إنهم آلهة» فالابن الوحيد المعصوم عن الخطأ، الذي مسحه الآب من الأزل، أتقولون له إنك تجدف لأني قلت أنا «أبن الله»؟؟
وأخيراً يأتي بهم المسيح إلى فصل الخطاب قائلاً: «إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِٱلأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ ٱلآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يو ١٠: ٣٧ و٣٨). وهو بهذه الكلمات يفرق بين إلهية القضاة، وألوهيته هو، فالقضاة وموسى «آلهة» من جانب واحد، أما المسيح فهو «ابن الله الوحيد» الذي قال عنه بولس الرسول «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً» (كو ٢: ٩) هنا لا فرق بين الإلهية والألوهية «Divinity and Deity» بين البشر مهما سما مركزهم سواء كانوا قضاة أو أنبياء. وبين المسيح «ابن الله» فكلمات النص إذاً تؤكد لاهوت المسيح ولا تلقي الشبهة عليه.
نقرأ في إنجيل يوحنا الكلمات
«سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ
لَكُمْ أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي
لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى ٱلآبِ، لأَنَّ أَبِي
أَعْظَمُ مِنِّي» (يو ١٤: ٢٨) و
«شهود يهوه» يقولون: كيف يمكن أن تنادوا بمساواة الابن بالآب وها هو الابن يقول بلسانه
«لأن أبي أعظم مني؟».
وهنا نعود إلى قرينة الكلام مستخدمين قوانين التفسير الصحيح، وسنرى أننا لا يمكن أن نفهم آية من الكتاب المقدس فهماً سليماً بعيداً عن قرينتها، ومقارنتها بالآيات المشابهة لها.
والآن ماذا قال المسيح في حديثه قبل أن يذكر الآية التي نحن بصددها؟ إنه قال «ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» (يو ١٤: ٢٤). والعبارة التي يجب أن ننتبه إليها هي «الآب الذي أرسلني» لأننا نتبين منها أن الصلة الموجودة هنا بين «الآب والابن» هي صلة «المرسِل والمرسَل منه» أي أننا نرى الآب مرسلاً الابن، فمركز الابن هنا هو مركز «الرسول» بالنسبة لمن أرسله، وقد قال المسيح بفمه المبارك: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ» (يو ١٣: ١٦) فالعظمة المنسوبة إلى الآب هنا بالنسبة للابن، هي عظمة «المرسل» بالنسبة «للمرسَل» فالآب هنا يوصف بأنه أعظم من الابن، لأنه هو الذي ارسل الابن (يو ٣: ١٧) والآب لم يتجسد، لكن الابن تجسد، وفي تجسده صار ليس فقط أقل من الآب بل أقل من الملائكة كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِٱلْمَجْدِ وَٱلْكَرَامَةِ» (عب ٢: ٩).
فالمسيح بتجسده أصبح أقل من الآب، بل أقل من الملائكة، وباعتباره «مرسلاً» والآب هو الذي أرسله، وباعتباره قد صار إنساناً وأصبح أقل من الملائكة قال: «لأن أبي أعظم مني».
وهذا لا يمس لاهوته إطلاقاً ولا يمس مساواته بالآب لأنه في ذات الأصحاح يقول: « اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يو ١٤: ٩). ويؤكد وحدانية الثالوث بكلماته: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يو ١٤: ٢٣) وفي سفر رؤيا يوحنا نرى أن «كُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤ ٥: ١٣). ومن هذه الكلمات نتأكد مساواة الآب بالابن في الكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين.
وهكذا إذ نعود إلى إنجيل يوحنا نسمع كلمات المسيح: «أنا والآب واحد» (يو ١٠: ٣٠). ونراه يقدم نفسه عن الآب، دون أن يكون في هذا اختلاساً أو غضاضة فهما واحد في الجوهر، واحد منذ الأزل وإلى الأبد.
وهنا نعود إلى قرينة الكلام مستخدمين قوانين التفسير الصحيح، وسنرى أننا لا يمكن أن نفهم آية من الكتاب المقدس فهماً سليماً بعيداً عن قرينتها، ومقارنتها بالآيات المشابهة لها.
والآن ماذا قال المسيح في حديثه قبل أن يذكر الآية التي نحن بصددها؟ إنه قال «ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» (يو ١٤: ٢٤). والعبارة التي يجب أن ننتبه إليها هي «الآب الذي أرسلني» لأننا نتبين منها أن الصلة الموجودة هنا بين «الآب والابن» هي صلة «المرسِل والمرسَل منه» أي أننا نرى الآب مرسلاً الابن، فمركز الابن هنا هو مركز «الرسول» بالنسبة لمن أرسله، وقد قال المسيح بفمه المبارك: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ» (يو ١٣: ١٦) فالعظمة المنسوبة إلى الآب هنا بالنسبة للابن، هي عظمة «المرسل» بالنسبة «للمرسَل» فالآب هنا يوصف بأنه أعظم من الابن، لأنه هو الذي ارسل الابن (يو ٣: ١٧) والآب لم يتجسد، لكن الابن تجسد، وفي تجسده صار ليس فقط أقل من الآب بل أقل من الملائكة كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِٱلْمَجْدِ وَٱلْكَرَامَةِ» (عب ٢: ٩).
فالمسيح بتجسده أصبح أقل من الآب، بل أقل من الملائكة، وباعتباره «مرسلاً» والآب هو الذي أرسله، وباعتباره قد صار إنساناً وأصبح أقل من الملائكة قال: «لأن أبي أعظم مني».
وهذا لا يمس لاهوته إطلاقاً ولا يمس مساواته بالآب لأنه في ذات الأصحاح يقول: « اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يو ١٤: ٩). ويؤكد وحدانية الثالوث بكلماته: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يو ١٤: ٢٣) وفي سفر رؤيا يوحنا نرى أن «كُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤ ٥: ١٣). ومن هذه الكلمات نتأكد مساواة الآب بالابن في الكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين.
وهكذا إذ نعود إلى إنجيل يوحنا نسمع كلمات المسيح: «أنا والآب واحد» (يو ١٠: ٣٠). ونراه يقدم نفسه عن الآب، دون أن يكون في هذا اختلاساً أو غضاضة فهما واحد في الجوهر، واحد منذ الأزل وإلى الأبد.
نجد في إنجيل يوحنا الكلمات:
«وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ
ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ
وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يو ١٧: ٣).
ويقول شهود يهوه إن هذه الآية تدل على أن الله هو الإله الحقيقي وحده وأن يسوع المسيح مرسل منه ولذا فليس هو «الله الابن».
وإذ نعود إلى الأصحاح التي وردت فيه هذه الآية نجد أن المسيح يخاطب الله بقوله: أيها الآب، ويؤكد في نفس الأصحاح أنه كان موجوداً مع الآب قبل كون العالم «وَٱلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ» (يو ١٧: ٥)، ويؤكد أيضاً وحدانيته مع الآب «لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ» (يو ١٧: ١١) «لِيَكُونَ ٱلْجَمِيعُ وَاحِداً، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ» (يو ١٧: ٢١) بل ويؤكد أن الآب أحبه قبل إنشاء العالم «لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يو ١٧: ٢٤).
كل هذه الآيات تؤكد لنا أزلية المسيح ووحدانيته مع الآب، وفي الآية التي نحن بصددها يعلن لنا المسيح بكلماته أن الحياة الأبدية تتوقف على «معرفة الإله الحقيقي الذي أظهر محبته بإرسال ابنه يسوع المسيح لعمل الفداء العظيم»، وكون الحياة الأبدية شرطها معرفة الإله الحقيقي ويسوع المسيح فهذا برهان على لاهوت المسيح، لأن معرفة الإله المسيح مساوية لمعرفة الإله الحقيقي، فالمسيح هنا موضوع المعرفة بنفس الدرجة التي فيها الآب موضوع هذه المعرفة مما يؤكد لاهوت المسيح بكيفية قاطعة.
وبغير شك أن أحداً لا يمكنه أن يعرف الآب «الإله الحقيقي» إلى عن طريق معرفته لابنه يسوع المسيح «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو ١: ١٨).
وتترجم هذه الآية في اللغة الإنكليزية في الترجمة المعروفة باسم «The Amplified New Testamen» هكذا:
«No man has ever seen God at any time, the only unique Son, WHo is in the bosom of the father He has declared Him, He has revealed Him, brought Him out where He can be seen»
وتعني كلمة «خبّر» في هذه الترجمة أظهر، أعلن، أحضره إلى حيث يمكن أن يُرى فالمسيح هو «الطريق» لمعرفة الإله الحقيقي، كما قال لليهود بفمه المبارك: «لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً» (يو ٨: ١٩). وكما قال لتوما: «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاَّ بِي. لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً. وَمِنَ ٱلآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ. قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: يَا سَيِّدُ، أَرِنَا ٱلآبَ وَكَفَانَا. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هٰذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يو ١٤: ٦ - ٩).
فنوال الحياة الأبدية يتوقف على معرفة الله الحقيقي الذي أعلن ذاته في ابنه يسوع المسيح كما قال يوحنا الرسول: «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلشَّهَادَةُ: أَنَّ ٱللّٰهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ هِيَ فِي ٱبْنِهِ. مَنْ لَهُ ٱلابْنُ فَلَهُ ٱلْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ فَلَيْسَتْ لَهُ ٱلْحَيَاةُ» (١ يو ٥: ١١ و١٢). وهذه المعرفة لا يمكن الوصول إليها بدون المسيح.
فالآية إذاً لا تتعارض مع مساواة الابن بالآب. وبالتالي لا تمس لاهوت المسيح.
ويقول شهود يهوه إن هذه الآية تدل على أن الله هو الإله الحقيقي وحده وأن يسوع المسيح مرسل منه ولذا فليس هو «الله الابن».
وإذ نعود إلى الأصحاح التي وردت فيه هذه الآية نجد أن المسيح يخاطب الله بقوله: أيها الآب، ويؤكد في نفس الأصحاح أنه كان موجوداً مع الآب قبل كون العالم «وَٱلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ» (يو ١٧: ٥)، ويؤكد أيضاً وحدانيته مع الآب «لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ» (يو ١٧: ١١) «لِيَكُونَ ٱلْجَمِيعُ وَاحِداً، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ» (يو ١٧: ٢١) بل ويؤكد أن الآب أحبه قبل إنشاء العالم «لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يو ١٧: ٢٤).
كل هذه الآيات تؤكد لنا أزلية المسيح ووحدانيته مع الآب، وفي الآية التي نحن بصددها يعلن لنا المسيح بكلماته أن الحياة الأبدية تتوقف على «معرفة الإله الحقيقي الذي أظهر محبته بإرسال ابنه يسوع المسيح لعمل الفداء العظيم»، وكون الحياة الأبدية شرطها معرفة الإله الحقيقي ويسوع المسيح فهذا برهان على لاهوت المسيح، لأن معرفة الإله المسيح مساوية لمعرفة الإله الحقيقي، فالمسيح هنا موضوع المعرفة بنفس الدرجة التي فيها الآب موضوع هذه المعرفة مما يؤكد لاهوت المسيح بكيفية قاطعة.
وبغير شك أن أحداً لا يمكنه أن يعرف الآب «الإله الحقيقي» إلى عن طريق معرفته لابنه يسوع المسيح «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو ١: ١٨).
وتترجم هذه الآية في اللغة الإنكليزية في الترجمة المعروفة باسم «The Amplified New Testamen» هكذا:
«No man has ever seen God at any time, the only unique Son, WHo is in the bosom of the father He has declared Him, He has revealed Him, brought Him out where He can be seen»
وتعني كلمة «خبّر» في هذه الترجمة أظهر، أعلن، أحضره إلى حيث يمكن أن يُرى فالمسيح هو «الطريق» لمعرفة الإله الحقيقي، كما قال لليهود بفمه المبارك: «لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً» (يو ٨: ١٩). وكما قال لتوما: «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاَّ بِي. لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً. وَمِنَ ٱلآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ. قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: يَا سَيِّدُ، أَرِنَا ٱلآبَ وَكَفَانَا. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هٰذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يو ١٤: ٦ - ٩).
فنوال الحياة الأبدية يتوقف على معرفة الله الحقيقي الذي أعلن ذاته في ابنه يسوع المسيح كما قال يوحنا الرسول: «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلشَّهَادَةُ: أَنَّ ٱللّٰهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ هِيَ فِي ٱبْنِهِ. مَنْ لَهُ ٱلابْنُ فَلَهُ ٱلْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ فَلَيْسَتْ لَهُ ٱلْحَيَاةُ» (١ يو ٥: ١١ و١٢). وهذه المعرفة لا يمكن الوصول إليها بدون المسيح.
فالآية إذاً لا تتعارض مع مساواة الابن بالآب. وبالتالي لا تمس لاهوت المسيح.
كتب بولس في رسالته إلى كورنثوس:
«وَلٰكِنْ أُرِيدُ أَنْ
تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ ٱلْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ
ٱلْمَرْأَةِ فَهُوَ ٱلرَّجُلُ. وَرَأْسُ ٱلْمَسِيحِ هُوَ ٱللّٰهُ» (١ كو ١١: ٣)
ويقول شهود يهوه وهم يستخدمون هذه الآية : لو كان الله والمسيح واحداً فكيف يكون رأس المسيح هو الله؟
وهنا أنبه إلى ضرورة استخدام قوانين التفسير الصحيح، فنعود إلى القرينة، ونقارن الروحيات بالروحيات.
وبولس الرسول يقول هنا: «إن رأس كل رجل هو المسيح» وهو يعني يقيناً أن الرجل الذي قبل المسيح مخلصاً أصبح المسيح رأسه - أما الرجل الملحد، الشرير، الفاسد، النجس، فالمسيح ليس رأساً له.
ويتابع بولس كلماته قائلاً: «وأما رأس المرأة فهو الرجل» وليس معنى هذا أن كل رجل هو رأس لكل امرأة، ولكن الرجل هو رأس امرأته.. رأس زوجته.. بمعنى أن علاقة الزواج هي التي جعلت الرجل رأساً لزوجته، وهذا واضح من كلمات بولس القائلة «أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ ٱخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ ٱلرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً رَأْسُ ٱلْكَنِيسَةِ» (أف ٥: ٢٢ و٢٣).
وهذا يعني أن المرأة التي قبلت رجلاً ما زوجاً لها، رضيت به في ذات الوقت رأساً لها، وقبلت الخضوع له.
ويستطرد الرسول بولس قائلاً: «ورأس المسيح هو الله» وهذا معناه أن المسيح بقبوله الاختياري أن يكون نائباً عن الإنسان، وأن يخضع لإرادة الله الهادفة إلى موته على الصليب بديلاً عن الإنسان، وأصبح الله هو رأسه كإنسان. كما ترينا الكلمات: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ ٱلابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ ٱلآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهٰذَا يَعْمَلُهُ ٱلابْنُ كَذٰلِكَ» (يو ٥: ١٩). وكما نرى في خضوع المسيح لإرادة الآب في كلماته: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلٰكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ» (لو ٢٢: ٤٢).
ولكن كون الله «هو» رأس المسيح المتجسد، لا يعني أن المسيح ليس واحداً معه، فالعلاقة التي تجعل الرجل رأساً للمرأة هي علاقة الزواج، ويقول الرب عن علاقة الزوجين: «يَكُونُ ٱلاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ ٱثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ» (مت ١٩: ٥ و٦).
فمع أن الرجل هو رأس المرأة، لكنهما واحد وليسا بعد اثنين بشهادة الرب نفسه «إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد».
ومع أن الله هو رأس المسيح، لكنهما واحد كذلك بنفس القياس، قياس قبول المسيح الخضوع لإرادة الآب بالتجسد والطاعة حتى الموت موت الصليب، والقياس هنا مع الفارق العظيم بين الجسديات والإلهيات.
إذاً الآية موضع التفسير صارت واضحة. لأنها ترينا أن العلاقة التي بين الرجل والمرأة في الزواج تجعل الرجل رأساً للمرأة لكنها لا تنفي وحدتهما، والعلاقة بين المسيح المتجسد والله الآب، تجعل الآب رأساً للمسيح ولا تنفي الوحدانية الأزلية بينهما.
إن الوحدة في الزواج لا تنفي رآسة الزوج لزوجته، ورآسة الزوج لزوجته لا تنفي وحدتهما لأن علاقتهما مزدوجة التركيب، فيها وحدة وفيها رآسة، وهكذا عندما تجسد المسيح صارت بينه وبين الآب علاقة مزدوجة فباعتباره «الابن الأزلي» هو واحد مع الآب وباعتباره «ابن الإنسان» صار الله رأسه، وليس في هذه العلاقة ما يلقي شبهة على لاهوت المسح.
ويقول شهود يهوه وهم يستخدمون هذه الآية : لو كان الله والمسيح واحداً فكيف يكون رأس المسيح هو الله؟
وهنا أنبه إلى ضرورة استخدام قوانين التفسير الصحيح، فنعود إلى القرينة، ونقارن الروحيات بالروحيات.
وبولس الرسول يقول هنا: «إن رأس كل رجل هو المسيح» وهو يعني يقيناً أن الرجل الذي قبل المسيح مخلصاً أصبح المسيح رأسه - أما الرجل الملحد، الشرير، الفاسد، النجس، فالمسيح ليس رأساً له.
ويتابع بولس كلماته قائلاً: «وأما رأس المرأة فهو الرجل» وليس معنى هذا أن كل رجل هو رأس لكل امرأة، ولكن الرجل هو رأس امرأته.. رأس زوجته.. بمعنى أن علاقة الزواج هي التي جعلت الرجل رأساً لزوجته، وهذا واضح من كلمات بولس القائلة «أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ ٱخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ ٱلرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً رَأْسُ ٱلْكَنِيسَةِ» (أف ٥: ٢٢ و٢٣).
وهذا يعني أن المرأة التي قبلت رجلاً ما زوجاً لها، رضيت به في ذات الوقت رأساً لها، وقبلت الخضوع له.
ويستطرد الرسول بولس قائلاً: «ورأس المسيح هو الله» وهذا معناه أن المسيح بقبوله الاختياري أن يكون نائباً عن الإنسان، وأن يخضع لإرادة الله الهادفة إلى موته على الصليب بديلاً عن الإنسان، وأصبح الله هو رأسه كإنسان. كما ترينا الكلمات: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ ٱلابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ ٱلآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهٰذَا يَعْمَلُهُ ٱلابْنُ كَذٰلِكَ» (يو ٥: ١٩). وكما نرى في خضوع المسيح لإرادة الآب في كلماته: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلٰكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ» (لو ٢٢: ٤٢).
ولكن كون الله «هو» رأس المسيح المتجسد، لا يعني أن المسيح ليس واحداً معه، فالعلاقة التي تجعل الرجل رأساً للمرأة هي علاقة الزواج، ويقول الرب عن علاقة الزوجين: «يَكُونُ ٱلاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ ٱثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ» (مت ١٩: ٥ و٦).
فمع أن الرجل هو رأس المرأة، لكنهما واحد وليسا بعد اثنين بشهادة الرب نفسه «إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد».
ومع أن الله هو رأس المسيح، لكنهما واحد كذلك بنفس القياس، قياس قبول المسيح الخضوع لإرادة الآب بالتجسد والطاعة حتى الموت موت الصليب، والقياس هنا مع الفارق العظيم بين الجسديات والإلهيات.
إذاً الآية موضع التفسير صارت واضحة. لأنها ترينا أن العلاقة التي بين الرجل والمرأة في الزواج تجعل الرجل رأساً للمرأة لكنها لا تنفي وحدتهما، والعلاقة بين المسيح المتجسد والله الآب، تجعل الآب رأساً للمسيح ولا تنفي الوحدانية الأزلية بينهما.
إن الوحدة في الزواج لا تنفي رآسة الزوج لزوجته، ورآسة الزوج لزوجته لا تنفي وحدتهما لأن علاقتهما مزدوجة التركيب، فيها وحدة وفيها رآسة، وهكذا عندما تجسد المسيح صارت بينه وبين الآب علاقة مزدوجة فباعتباره «الابن الأزلي» هو واحد مع الآب وباعتباره «ابن الإنسان» صار الله رأسه، وليس في هذه العلاقة ما يلقي شبهة على لاهوت المسح.
كتب بولس الرسول هذه الكلمات:
«وَبَعْدَ ذٰلِكَ
ٱلنِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ ٱلْمُلْكَ لِلّٰهِ ٱلآبِ، مَتَى أَبْطَلَ
كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُّوَةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ
يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ ٱلأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. آخِرُ
عَدُّوٍ يُبْطَلُ هُوَ ٱلْمَوْتُ. لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ
قَدَمَيْهِ. وَلٰكِنْ حِينَمَا يَقُولُ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُخْضِعَ
فَوَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ ٱلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ ٱلْكُلَّ. وَمَتَى
أُخْضِعَ لَهُ ٱلْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ ٱلابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ
لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ ٱلْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ ٱللّٰهُ ٱلْكُلَّ فِي
ٱلْكُلِّ» (١ كو ١٥: ٢٤ - ٢٨).
والعصريون من أضداد المسيح يقولون: انظروا «الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل» وهذا يرينا عدم مساواة الابن بالآب، وبالتالي يرينا أن المسيح ليس هو «الله الابن».
ولكي نفهم هذه الآيات يجب أن نطبق قانون التفسير الصحيح «قارنين الروحيات بالروحيات». فمن أين جاءت هذه الآيات؟
إننا نجدها في المزمور الثامن، ولا بد أن نعود إليه لنفهم معناها، فالكتاب المقدس يفسر بالكتاب المقدس، فمن يجهل الكتاب ككل يجهل تفسير آياته، ومن يعرفه في وحدته يستطيع فهم صعوباته.
فتعال معي لنقرأ كلمات المزمور الثامن: «إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، ٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ ٱلَّتِي كَّوَنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ! وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ» (مز ٨: ٣ - ٦).
هنا نجد داود يتأمل عظمة السموات، ويتساءل أمام روعة تكوينها «من هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله. جعلت كل شيء تحت قدميه».
لكن هل حقاً كل شيء تحت قدمي الإنسان؟
لقد كان هذا هو غرض الله حين خلق الإنسان كما نقرأ: «فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ ٱللّٰهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلأُوا ٱلأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ ٱلْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ» (تك ١: ٢٧ و٢٨).
لكن الإنسان فشل في إتمام غرض الله.. ولم يستطع أن يخضع كل ما في الأرض، لقد سلبته الخطية الكثير من سلطانه، ولذا نجده يهرب من الأسد، والحية، والثعبان.. ويصرخ من الفزع حين يرى عقرباً.. بل أن المرأة تصرخ حين ترى فأراً.
لقد فشل الإنسان بسقوطه في إخضاع كل ما على الأرض.
وجاء الرب يسوع.. وأخذ صورة الإنسان.. ليس فقط ليفدي الإنسان، بل لكي يتمم قصد الله في الإنسان، وهو إخضاع كل شيء تحت قدمي الإنسان.
ولنعد الآن إلى الأصحاح الذي أخذنا منه الآيات موضوع تفسيرنا، فهناك نقرأ: «فَإِنَّهُ إِذِ ٱلْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضاً قِيَامَةُ ٱلأَمْوَاتِ» (١ كو ١٥: ٢١).
وهذه الكلمات تتحدث عن «إنسانية» المسيح.. إذ الموت بإنسان هو آدم الأول.. بإنسان أيضاً - وهو آدم الأخير - قيامة الأموات، ثم قرب ختام الأصحاح نقرأ «ٱلإِنْسَانُ ٱلأَوَّلُ مِنَ ٱلأَرْضِ تُرَابِيٌّ. ٱلإِنْسَانُ ٱلثَّانِي ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (١ كو ١٥: ٤٧).
فالأصحاح كله يتحدث عن «ناسوت» الرب يسوع، وفي ذات الوقت يؤكد «لاهوته» فهو الإنسان الثاني وهو الرب من السماء.
الإنسان البشري فقد سيادته بسقوطه، ولكننا نرى داود في المزمور الثامن يؤكد سيادة الإنسان، وهو بهذا التأكيد يشير إلى «ابن الله» الذي سيأخذ صورة الإنسان، ليتمم غرض الله الذي أراده من البداية للإنسان كما نرى ذلك واضحاً في الرسالة إلى العبرانيين (عب ٢: ٥ - ٩).
فالحديث في آيات موضوعنا هو عن «الرب يسوع المسيح» باعتباره ممثلاً للإنسان وبهذا الاعتبار سيُخضع الله الآب كل شيء تحت قدميه.
وتقول الكلمات.. ومتى أخضع له الكل.. من الذي سيخضع له الكل؟ الله الآب سيُخضع للمسيح الإنسان كل شيء.. حتى الموت نفسه لأن «آخر عدو يبطل هو الموت» ومتى أخضع الله الآب كل شيء للمسيح باعتباره رأساً وممثلاً للإنسانية، يأتي المسيح بهذا الاعتبار فيسلم الملك لله الآب، ويخضع له معترفاً بأن القوة التي فيه لم تكن قوة إنسانية بل كانت قوة الله القادر على كل شيء، وكأنه يقول «الآن قد انتهت مهمتي تماماً كإنسان».
فأنا أخذت صورة الإنسان لأفدي الإنسان، وفوق الجلجثة فديت الإنسان.
وأنا أخذت صورة الإنسان لكي تُخضع لي كل شيء على الأرض حتى الوحوش والشيطان، وفي الملك الألفي أخضعت كل شيء تحت قدمي.
وأنا أخذت صورة الإنسان لأبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس. وأنهي سيادة الموت على الإنسان، وقد أنهيت سيادة الموت.
والآن لا ضرورة لبقاء السلطان المعطى لي كإنسان.. لذا فأنا أسلم لك الملك الذي أخضعته تحت قدمي حتى يرى المفديون الثالوث العظيم الآب والابن والروح القدس، الله الأزلي في ملكه الأبدي، ودون توسط المسيح الإنسان.
وهذا الفسير يصبح أكثر وضوحاً حين نعود إلى الرسالة إلى العبرانيين ونقرأ هناك الكلمات: «فَإِنَّهُ لِمَلاَئِكَةٍ لَمْ يُخْضِعِ «ٱلْعَالَمَ ٱلْعَتِيدَ» ٱلَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ. لٰكِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعٍ قَائِلاً: مَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ، أَوِ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَضَعْتَهُ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ. بِمَجْدٍ وَكَرَامَةٍ كَلَّلْتَهُ، وَأَقَمْتَهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. لأَنَّهُ إِذْ أَخْضَعَ ٱلْكُلَّ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ» (عب ٢: ٥ - ٨).
لكن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يستمر قائلاً: «عَلَى أَنَّنَا ٱلآنَ لَسْنَا نَرَى ٱلْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعاً لَهُ» (عب ٢: ٨).
أجل فهناك أشياء كثيرة لم تخضع بعد للمسيح الإنسان.
فالوحوش ما زالت في طبيعتها المفترسة، والموت ما زال يختطف البشر، والخطية ما زالت سائدة في عالم اليوم، فأين خضوع كل شيء إذاً؟ «لسنا نرى الكل بعد مخضعاً له» .
ويستمر كاتب الرسالة إلى العبرانيين قائلاً «وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِٱلْمَجْدِ وَٱلْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ» (عب ٢: ٩)
فالرب يسوع باعتباره نائباً عن الإنسانية، سيُخضع الله تحت قدميه كل ما في الأرض، ليتمم غرض الله في الإنسان «فَيَسْكُنُ ٱلذِّئْبُ مَعَ ٱلْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ ٱلنَّمِرُ مَعَ ٱلْجَدْيِ، وَٱلْعِجْلُ وَٱلشِّبْلُ وَٱلْمُسَمَّنُ مَعاً، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. وَٱلْبَقَرَةُ وَٱلدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعاً، وَٱلأَسَدُ كَٱلْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْناً. وَيَلْعَبُ ٱلرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ ٱلصِّلِّ، وَيَمُدُّ ٱلْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ ٱلأُفْعُوانِ. لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ ٱلأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ ٱلرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي ٱلْمِيَاهُ ٱلْبَحْرَ» (إش ١١: ٦ - ٩).
وبعد أن يخضع «الله الآب» للمسيح الإنسان كل شيء، يسلم المسيح الإنسان الله الآب كل انتصاراته، معترفاً بأن القوة العاملة فيه هي قوة الله الآب وكأنه يقول: «ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (يو ١٤: ١٠) وهكذا يسوع الآب والابن والروح القدس الثالوث العظيم سيادة مطلقة في الأبدية السعيدة دون حاجة لتوسط الإنسان.
فالآيات لا تلقي شبهة على لاهوت المسيح، بل ترينا كمال عمله باعتباره «ابن الإنسان» الذي هو في ذات الوقت «ابن الله».
والعصريون من أضداد المسيح يقولون: انظروا «الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل» وهذا يرينا عدم مساواة الابن بالآب، وبالتالي يرينا أن المسيح ليس هو «الله الابن».
ولكي نفهم هذه الآيات يجب أن نطبق قانون التفسير الصحيح «قارنين الروحيات بالروحيات». فمن أين جاءت هذه الآيات؟
إننا نجدها في المزمور الثامن، ولا بد أن نعود إليه لنفهم معناها، فالكتاب المقدس يفسر بالكتاب المقدس، فمن يجهل الكتاب ككل يجهل تفسير آياته، ومن يعرفه في وحدته يستطيع فهم صعوباته.
فتعال معي لنقرأ كلمات المزمور الثامن: «إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، ٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ ٱلَّتِي كَّوَنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ! وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ» (مز ٨: ٣ - ٦).
هنا نجد داود يتأمل عظمة السموات، ويتساءل أمام روعة تكوينها «من هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله. جعلت كل شيء تحت قدميه».
لكن هل حقاً كل شيء تحت قدمي الإنسان؟
لقد كان هذا هو غرض الله حين خلق الإنسان كما نقرأ: «فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ ٱللّٰهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلأُوا ٱلأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ ٱلْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ» (تك ١: ٢٧ و٢٨).
لكن الإنسان فشل في إتمام غرض الله.. ولم يستطع أن يخضع كل ما في الأرض، لقد سلبته الخطية الكثير من سلطانه، ولذا نجده يهرب من الأسد، والحية، والثعبان.. ويصرخ من الفزع حين يرى عقرباً.. بل أن المرأة تصرخ حين ترى فأراً.
لقد فشل الإنسان بسقوطه في إخضاع كل ما على الأرض.
وجاء الرب يسوع.. وأخذ صورة الإنسان.. ليس فقط ليفدي الإنسان، بل لكي يتمم قصد الله في الإنسان، وهو إخضاع كل شيء تحت قدمي الإنسان.
ولنعد الآن إلى الأصحاح الذي أخذنا منه الآيات موضوع تفسيرنا، فهناك نقرأ: «فَإِنَّهُ إِذِ ٱلْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضاً قِيَامَةُ ٱلأَمْوَاتِ» (١ كو ١٥: ٢١).
وهذه الكلمات تتحدث عن «إنسانية» المسيح.. إذ الموت بإنسان هو آدم الأول.. بإنسان أيضاً - وهو آدم الأخير - قيامة الأموات، ثم قرب ختام الأصحاح نقرأ «ٱلإِنْسَانُ ٱلأَوَّلُ مِنَ ٱلأَرْضِ تُرَابِيٌّ. ٱلإِنْسَانُ ٱلثَّانِي ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (١ كو ١٥: ٤٧).
فالأصحاح كله يتحدث عن «ناسوت» الرب يسوع، وفي ذات الوقت يؤكد «لاهوته» فهو الإنسان الثاني وهو الرب من السماء.
الإنسان البشري فقد سيادته بسقوطه، ولكننا نرى داود في المزمور الثامن يؤكد سيادة الإنسان، وهو بهذا التأكيد يشير إلى «ابن الله» الذي سيأخذ صورة الإنسان، ليتمم غرض الله الذي أراده من البداية للإنسان كما نرى ذلك واضحاً في الرسالة إلى العبرانيين (عب ٢: ٥ - ٩).
فالحديث في آيات موضوعنا هو عن «الرب يسوع المسيح» باعتباره ممثلاً للإنسان وبهذا الاعتبار سيُخضع الله الآب كل شيء تحت قدميه.
وتقول الكلمات.. ومتى أخضع له الكل.. من الذي سيخضع له الكل؟ الله الآب سيُخضع للمسيح الإنسان كل شيء.. حتى الموت نفسه لأن «آخر عدو يبطل هو الموت» ومتى أخضع الله الآب كل شيء للمسيح باعتباره رأساً وممثلاً للإنسانية، يأتي المسيح بهذا الاعتبار فيسلم الملك لله الآب، ويخضع له معترفاً بأن القوة التي فيه لم تكن قوة إنسانية بل كانت قوة الله القادر على كل شيء، وكأنه يقول «الآن قد انتهت مهمتي تماماً كإنسان».
فأنا أخذت صورة الإنسان لأفدي الإنسان، وفوق الجلجثة فديت الإنسان.
وأنا أخذت صورة الإنسان لكي تُخضع لي كل شيء على الأرض حتى الوحوش والشيطان، وفي الملك الألفي أخضعت كل شيء تحت قدمي.
وأنا أخذت صورة الإنسان لأبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس. وأنهي سيادة الموت على الإنسان، وقد أنهيت سيادة الموت.
والآن لا ضرورة لبقاء السلطان المعطى لي كإنسان.. لذا فأنا أسلم لك الملك الذي أخضعته تحت قدمي حتى يرى المفديون الثالوث العظيم الآب والابن والروح القدس، الله الأزلي في ملكه الأبدي، ودون توسط المسيح الإنسان.
وهذا الفسير يصبح أكثر وضوحاً حين نعود إلى الرسالة إلى العبرانيين ونقرأ هناك الكلمات: «فَإِنَّهُ لِمَلاَئِكَةٍ لَمْ يُخْضِعِ «ٱلْعَالَمَ ٱلْعَتِيدَ» ٱلَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ. لٰكِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعٍ قَائِلاً: مَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ، أَوِ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَضَعْتَهُ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ. بِمَجْدٍ وَكَرَامَةٍ كَلَّلْتَهُ، وَأَقَمْتَهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. لأَنَّهُ إِذْ أَخْضَعَ ٱلْكُلَّ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ» (عب ٢: ٥ - ٨).
لكن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يستمر قائلاً: «عَلَى أَنَّنَا ٱلآنَ لَسْنَا نَرَى ٱلْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعاً لَهُ» (عب ٢: ٨).
أجل فهناك أشياء كثيرة لم تخضع بعد للمسيح الإنسان.
فالوحوش ما زالت في طبيعتها المفترسة، والموت ما زال يختطف البشر، والخطية ما زالت سائدة في عالم اليوم، فأين خضوع كل شيء إذاً؟ «لسنا نرى الكل بعد مخضعاً له» .
ويستمر كاتب الرسالة إلى العبرانيين قائلاً «وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِٱلْمَجْدِ وَٱلْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ» (عب ٢: ٩)
فالرب يسوع باعتباره نائباً عن الإنسانية، سيُخضع الله تحت قدميه كل ما في الأرض، ليتمم غرض الله في الإنسان «فَيَسْكُنُ ٱلذِّئْبُ مَعَ ٱلْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ ٱلنَّمِرُ مَعَ ٱلْجَدْيِ، وَٱلْعِجْلُ وَٱلشِّبْلُ وَٱلْمُسَمَّنُ مَعاً، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. وَٱلْبَقَرَةُ وَٱلدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعاً، وَٱلأَسَدُ كَٱلْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْناً. وَيَلْعَبُ ٱلرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ ٱلصِّلِّ، وَيَمُدُّ ٱلْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ ٱلأُفْعُوانِ. لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ ٱلأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ ٱلرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي ٱلْمِيَاهُ ٱلْبَحْرَ» (إش ١١: ٦ - ٩).
وبعد أن يخضع «الله الآب» للمسيح الإنسان كل شيء، يسلم المسيح الإنسان الله الآب كل انتصاراته، معترفاً بأن القوة العاملة فيه هي قوة الله الآب وكأنه يقول: «ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (يو ١٤: ١٠) وهكذا يسوع الآب والابن والروح القدس الثالوث العظيم سيادة مطلقة في الأبدية السعيدة دون حاجة لتوسط الإنسان.
فالآيات لا تلقي شبهة على لاهوت المسيح، بل ترينا كمال عمله باعتباره «ابن الإنسان» الذي هو في ذات الوقت «ابن الله».
نقرأ في الرسالة إلى أهل أفسس الكلمات
«كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلٰهُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَبُو ٱلْمَجْدِ، رُوحَ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ» (أف ١: ١٧).
ويبدو من ظاهر الكلمات أن الله هو «إله المسيح» وهنا يقول شهود يهوه إنه لا يمكن أن يكون المسيح هو الله الابن.
والقارئ الفطن يرى أن رسالة أفسس تتحدث عن «تدبير ملء الأزمنة» وفي هذا التدبير يجمع الله كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض (أفسس ١: ١٠).
والمسيح في هذا التدبير يمثل «الإنسان» الذي أخضع الله تحت قدميه كل شيء (أف ١: ٢٢) وباعتباره «المسيح الإنسان» فالله إلهه كما قاله على الصليب «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» وكما قال لمريم المجدلية: «ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلٰهِي وَإِلٰهِكُمْ» (يو ٢٠: ١٧). وكلمات المسيح هنا تعلن بوضوح أن هناك فرقاً بين أبوة الله له، وأبوته للمؤمنين، ولذا قال «أبي» و «أبيكم» ولم يقل إني أصعد إلى «أبينا» فالمسيح هو ابن الآب منذ الأزل بالحق والمحبة، أما المؤمنون فهم أبناء الله بالتبني.
أما قوله إلهي وإلهكم فنستطيع فهمه لو أدركنا أن المسيح يربط نفسه هنا بتلاميذه بقوله لمريم المجدلية «اذهبي إلى إخوتي» وما دام قد ربط بهم وأصبح نائباً عنهم، فالله في هذا الاعتبار هو «إلهه»، كما هو «إلههم» غير أنه «إلهه» باعتباره الإنسان الكامل الذي سدد كل مطاليب عدالة الله، وأشبع رحمته و «إلههم» باعتبارهم «مكملين فيه» فهو بالنسبة إليهم «إله كل نعمة».
وعلى هذا فإن كلمات بولس «إله ربنا يسوع المسيح» لا تلقي شبهة على لاهوت المسيح. بل تؤكده معلنة أن المسيح هو «ربنا» وهكذا تؤكد رسالة أفسس في كل أجزائها هذا الحق فتعلن أن المسيح هو «الرب» (أفسس ١: ٢)، وأنه «ابن الله» أفسس ١: ٣ و٤: ١٣)، وأنه الذي يحل بالإيمان في القلب (أفسس ٣: ١٧)، ولكنها تقدمه) هنا) كمن سيجمع الله في شخصه كل شيء، ولا شك أن دارس الكتاب المقدس يجب أن يميز بين عمل «الآب» وعمل «الابن» و «عمل الروح القدس» في كل تدبير وخاصة في تدبير النعمة، وبهذا يستطيع أن يفهم كلمات بولس القائلة: «لٰكِنْ لَنَا إِلٰهٌ وَاحِدٌ: ٱلآبُ ٱلَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ» (١ كو ٨: ٦). بل ويقدر أن يفهم كذلك معنى كلماته: «فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱلرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ، ٱلَّذِي يَعْمَلُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ» (١ كو ١٢: ٤ - ٦).
وهي كلمات تعلن في وضوح عن عمل الثالوث العظيم.
ويبدو من ظاهر الكلمات أن الله هو «إله المسيح» وهنا يقول شهود يهوه إنه لا يمكن أن يكون المسيح هو الله الابن.
والقارئ الفطن يرى أن رسالة أفسس تتحدث عن «تدبير ملء الأزمنة» وفي هذا التدبير يجمع الله كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض (أفسس ١: ١٠).
والمسيح في هذا التدبير يمثل «الإنسان» الذي أخضع الله تحت قدميه كل شيء (أف ١: ٢٢) وباعتباره «المسيح الإنسان» فالله إلهه كما قاله على الصليب «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» وكما قال لمريم المجدلية: «ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلٰهِي وَإِلٰهِكُمْ» (يو ٢٠: ١٧). وكلمات المسيح هنا تعلن بوضوح أن هناك فرقاً بين أبوة الله له، وأبوته للمؤمنين، ولذا قال «أبي» و «أبيكم» ولم يقل إني أصعد إلى «أبينا» فالمسيح هو ابن الآب منذ الأزل بالحق والمحبة، أما المؤمنون فهم أبناء الله بالتبني.
أما قوله إلهي وإلهكم فنستطيع فهمه لو أدركنا أن المسيح يربط نفسه هنا بتلاميذه بقوله لمريم المجدلية «اذهبي إلى إخوتي» وما دام قد ربط بهم وأصبح نائباً عنهم، فالله في هذا الاعتبار هو «إلهه»، كما هو «إلههم» غير أنه «إلهه» باعتباره الإنسان الكامل الذي سدد كل مطاليب عدالة الله، وأشبع رحمته و «إلههم» باعتبارهم «مكملين فيه» فهو بالنسبة إليهم «إله كل نعمة».
وعلى هذا فإن كلمات بولس «إله ربنا يسوع المسيح» لا تلقي شبهة على لاهوت المسيح. بل تؤكده معلنة أن المسيح هو «ربنا» وهكذا تؤكد رسالة أفسس في كل أجزائها هذا الحق فتعلن أن المسيح هو «الرب» (أفسس ١: ٢)، وأنه «ابن الله» أفسس ١: ٣ و٤: ١٣)، وأنه الذي يحل بالإيمان في القلب (أفسس ٣: ١٧)، ولكنها تقدمه) هنا) كمن سيجمع الله في شخصه كل شيء، ولا شك أن دارس الكتاب المقدس يجب أن يميز بين عمل «الآب» وعمل «الابن» و «عمل الروح القدس» في كل تدبير وخاصة في تدبير النعمة، وبهذا يستطيع أن يفهم كلمات بولس القائلة: «لٰكِنْ لَنَا إِلٰهٌ وَاحِدٌ: ٱلآبُ ٱلَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ» (١ كو ٨: ٦). بل ويقدر أن يفهم كذلك معنى كلماته: «فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱلرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ، ٱلَّذِي يَعْمَلُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ» (١ كو ١٢: ٤ - ٦).
وهي كلمات تعلن في وضوح عن عمل الثالوث العظيم.
نقرأ في الرسالة إلى أهل فيلبي الكلمات:
« ٱلْمَسِيحِ..ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ» (في ٢: ٦).
ويقول جماعة شهود يهوه إن المسيح: «لم يحسب نفسه معادلاً لله» ولذا فهو ليس ابن الله.
وقرينة الآية تكذب مزاعمهم، وتؤكد لاهوت المسيح. فالمسيح منذ الأزل كان «في صورة الله» ولذا فلم يحسب أنه اختلس مجد الله حين قال إنه ابن الله معادلاً نفسه بالله (اقرأ يوحنا ٥: ١٨). أي أن إعلان المسيح عن نفسه بأنه معادل لله ليس اختلاساً ولا اعتداء على مجد الله، وتؤكد الكلمات اللاحقة بأن المسيح «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (في ٢: ٧ - ١١). فالآيات تعلن أن المسيح الذي تجسد في الزمان هو نفسه ابن الله منذ الأزل.
ويقول جماعة شهود يهوه إن المسيح: «لم يحسب نفسه معادلاً لله» ولذا فهو ليس ابن الله.
وقرينة الآية تكذب مزاعمهم، وتؤكد لاهوت المسيح. فالمسيح منذ الأزل كان «في صورة الله» ولذا فلم يحسب أنه اختلس مجد الله حين قال إنه ابن الله معادلاً نفسه بالله (اقرأ يوحنا ٥: ١٨). أي أن إعلان المسيح عن نفسه بأنه معادل لله ليس اختلاساً ولا اعتداء على مجد الله، وتؤكد الكلمات اللاحقة بأن المسيح «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (في ٢: ٧ - ١١). فالآيات تعلن أن المسيح الذي تجسد في الزمان هو نفسه ابن الله منذ الأزل.
نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين الكلمات:
«أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ
وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ
بِزَيْتِ ٱلابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ» (عب ١: ٩).
والمضادون للإيمان بأن المسيح هو الله الابن يقولون انظر: إن الله هو إله المسيح الذي مسحه بزيت الابتهاج.
وإذ نعود إلى القرينة نرى أن النص يؤكد بيقين لاهوت المسيح وبنوته الأزلية للآب، إذ هناك نقرأ: «وَأَمَّا عَنْ ٱلابْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِزَيْتِ ٱلابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ. وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي ٱلْبَدْءِ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ، وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ» (عب ١: ٨ - ١٠).
وكلمات الرسالة إلى العبرانيين مأخوذة من المزمور الخامس والأربعين، وهو مزمور «المسيح الملك» الذي يخاطبه كاتب المزمور بالكلمات «أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي ٱلْبَشَرِ. ٱنْسَكَبَتِ ٱلنِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذٰلِكَ بَارَكَكَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلأَبَدِ...» ثم يستطرد مخاطباً إياه بالكلمات: «كُرْسِيُّكَ يَا اَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِدُهْنِ ٱلابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ» (مز ٤٥: ٢، ٦ و٧).
فالحديث إذاً عن المسيح «ابن الله» و «الملك الممسوح من الله» فباعتباره ابن الله يخاطبه الآب بالقول: «كُرْسِيُّكَ يَا اَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ»، «وأنت يا رب في البدء أسست الأرض،، وباعتباره الملك الممسوح من الله» في الزمان يخاطبه بالقول: «أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِدُهْنِ ٱلابْتِهَاجِ».
وهنا يجب أن لا يغرب عن بالنا أن المسيح قد مسح بالروح القدس بعدما اعتمد من يوحنا المعمدان في الأردن (لو ٣: ٢١ و٢٢)، وأنه هناك أعلن الآب من السماء بنوته له بالكلمات: «أنت ابني الحبيب بك سررت» (اقرأ أعمال ١: ٣٧ و٣٨). فالمسحة أمر يتصل بعمل المسيح في الزمان، سواء كان هذا العمل يتصل بالفداء، أو بالملك وإخضاع كل شيء، وعلى هذا يكون المسيح قد مسح كإنسان ليتمم المشورات الأزلية وبهذا الاعتبار فالله إلهه، مع أنه في ذات الوقت ابنه الازلي كما نقرأ في بداية الأصحاح: «اَللّٰهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلآبَاءَ بِٱلأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ - ٱلَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ ٱلْعَالَمِينَ» (عب ١: ١ و٢). فالمسيح هو ابن الله الذي سيرث الأرض ومن عليها، وهو وحده الذي يعلن لنا من هو الآب الذي يعلنه لنا الآب (اقرأ لو ١٠: ٢٢ ومت ١١: ٢٧).
والمضادون للإيمان بأن المسيح هو الله الابن يقولون انظر: إن الله هو إله المسيح الذي مسحه بزيت الابتهاج.
وإذ نعود إلى القرينة نرى أن النص يؤكد بيقين لاهوت المسيح وبنوته الأزلية للآب، إذ هناك نقرأ: «وَأَمَّا عَنْ ٱلابْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِزَيْتِ ٱلابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ. وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي ٱلْبَدْءِ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ، وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ» (عب ١: ٨ - ١٠).
وكلمات الرسالة إلى العبرانيين مأخوذة من المزمور الخامس والأربعين، وهو مزمور «المسيح الملك» الذي يخاطبه كاتب المزمور بالكلمات «أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي ٱلْبَشَرِ. ٱنْسَكَبَتِ ٱلنِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذٰلِكَ بَارَكَكَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلأَبَدِ...» ثم يستطرد مخاطباً إياه بالكلمات: «كُرْسِيُّكَ يَا اَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِدُهْنِ ٱلابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ» (مز ٤٥: ٢، ٦ و٧).
فالحديث إذاً عن المسيح «ابن الله» و «الملك الممسوح من الله» فباعتباره ابن الله يخاطبه الآب بالقول: «كُرْسِيُّكَ يَا اَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ»، «وأنت يا رب في البدء أسست الأرض،، وباعتباره الملك الممسوح من الله» في الزمان يخاطبه بالقول: «أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِدُهْنِ ٱلابْتِهَاجِ».
وهنا يجب أن لا يغرب عن بالنا أن المسيح قد مسح بالروح القدس بعدما اعتمد من يوحنا المعمدان في الأردن (لو ٣: ٢١ و٢٢)، وأنه هناك أعلن الآب من السماء بنوته له بالكلمات: «أنت ابني الحبيب بك سررت» (اقرأ أعمال ١: ٣٧ و٣٨). فالمسحة أمر يتصل بعمل المسيح في الزمان، سواء كان هذا العمل يتصل بالفداء، أو بالملك وإخضاع كل شيء، وعلى هذا يكون المسيح قد مسح كإنسان ليتمم المشورات الأزلية وبهذا الاعتبار فالله إلهه، مع أنه في ذات الوقت ابنه الازلي كما نقرأ في بداية الأصحاح: «اَللّٰهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلآبَاءَ بِٱلأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ - ٱلَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ ٱلْعَالَمِينَ» (عب ١: ١ و٢). فالمسيح هو ابن الله الذي سيرث الأرض ومن عليها، وهو وحده الذي يعلن لنا من هو الآب الذي يعلنه لنا الآب (اقرأ لو ١٠: ٢٢ ومت ١١: ٢٧).
في رسالة بولس الرسول إلى كولوسي نقرأ عن المسيح الكلمات
«ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ» (كو ١: ١٥).
ويقول المعترضون: إن الآية تقول إن المسيح هو بكر كل خليقة، والبكر هو الأول، فالمسيح إذاً هو أول مخلوقات الله، وعلى هذا لا يكون هو الله الابن.
وهذا الفهم الخاطئ يتعارض مع سياق الحديث في هذا الأصحاح، فالقرينة تؤكد أن المسيح هو «الخالق» «فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كو ١: ١٦) فكيف يكون المسيح هو الخالق وهو أول المخلوقات في ذات الوقت؟! وما الذي تعنيه عبارة «بكر كل خليقة»؟
إن كلمة البكر في الكتاب المقدس لا تعني دائماً «الأول» فقد قال الله عن الشعب القديم «ابني البكر» (خر ٤: ٢٢)، ويقيناً أن هذا لا يعني أن هذا الشعب هو أول الشعوب، بل يعني أنه «الشعب المحبوب» فالشعب القديم كان محبوباً من الله في ذلك الوقت وقال له الله في سفر ملاخي «أحببتكم قال الرب» (ملا ١: ٢) فالبكر إذاً يعني «المحبوب» والمسيح هو «المحبوب» من الآب كما قال بفمه المبارك: «لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يو ١٧: ٢٤).
والبكر يعني القوة والقدرة كما قال يعقوب لابنه رأوبين «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي قُّوَتِي وَأَّوَلُ قُدْرَتِي» (تك ٤٩: ٣). والمسيح هو قوة الله كما قال بولس الرسول: «فَبِٱلْمَسِيحِ قُّوَةِ ٱللّٰهِ» (١ كو ١: ٢٤).
والبكر هو الشخص الذي له نصيب اثنين في الميراث كما نقرأ: «إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ ٱمْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَٱلأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ، فَوَلَدَتَا لَهُ بَنِينَ، ٱلْمَحْبُوبَةُ وَٱلْمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ ٱلابْنُ ٱلْبِكْرُ لِلْمَكْرُوهَةِ، فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لَهُ، لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَ ٱلْمَحْبُوبَةِ بِكْراً عَلَى ٱبْنِ ٱلْمَكْرُوهَةِ ٱلْبِكْرِ، بَلْ يَعْرِفُ ٱبْنَ ٱلْمَكْرُوهَةِ بِكْراً لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ ٱثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ، لأَنَّهُ هُوَ أَّوَلُ قُدْرَتِهِ. لَهُ حَقُّ ٱلْبَكُورِيَّةِ» (تث ٢١: ١٥ - ١٧) والمسيح هو الذي له حق ووراثة كل شيء كما نقرأ «اَللّٰهُ... كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ - ٱلَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ» (عب ١: ١ - ٢).
والبكر هو أعلى شخص كما قيل: «أَنَا أَيْضاً أَجْعَلُهُ بِكْراً أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ» (مز ٨٩: ٢٧)، والمسيح هو أعلى شخص في الوجود «لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ» (في ٢: ٩).
ولقد قيل عن المسيح إنه بكر بين إخوة كثيرين «لأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رو ٨: ٢٩).
وقيل عنه أنه بكر من الأموات: «ٱلَّذِي هُوَ ٱلْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (كو ١: ١٨). «وَمِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلْبِكْرِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (رؤ ١: ٥).
فعبارة بكر كل خليقة ترينا أن المسيح هو المحبوب من الآب، وأنه قوة الله، وأنه الوارث للأرض ومن عليها، وأنه أعلى من ملوك الأرض، وأنه البكر من الأموات. أي أول من قام من الأموات ولن يموت أيضاً، وأنه المتقدم في كل شيء، وقرينة الآية تؤكد أنه «صورة الله غير المنظور» وأنه الخالق الذي «الكل به وله قد خلق» وفي هذا ما يعلن عن لاهوته بثقة ويقين.
ويقول المعترضون: إن الآية تقول إن المسيح هو بكر كل خليقة، والبكر هو الأول، فالمسيح إذاً هو أول مخلوقات الله، وعلى هذا لا يكون هو الله الابن.
وهذا الفهم الخاطئ يتعارض مع سياق الحديث في هذا الأصحاح، فالقرينة تؤكد أن المسيح هو «الخالق» «فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كو ١: ١٦) فكيف يكون المسيح هو الخالق وهو أول المخلوقات في ذات الوقت؟! وما الذي تعنيه عبارة «بكر كل خليقة»؟
إن كلمة البكر في الكتاب المقدس لا تعني دائماً «الأول» فقد قال الله عن الشعب القديم «ابني البكر» (خر ٤: ٢٢)، ويقيناً أن هذا لا يعني أن هذا الشعب هو أول الشعوب، بل يعني أنه «الشعب المحبوب» فالشعب القديم كان محبوباً من الله في ذلك الوقت وقال له الله في سفر ملاخي «أحببتكم قال الرب» (ملا ١: ٢) فالبكر إذاً يعني «المحبوب» والمسيح هو «المحبوب» من الآب كما قال بفمه المبارك: «لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يو ١٧: ٢٤).
والبكر يعني القوة والقدرة كما قال يعقوب لابنه رأوبين «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي قُّوَتِي وَأَّوَلُ قُدْرَتِي» (تك ٤٩: ٣). والمسيح هو قوة الله كما قال بولس الرسول: «فَبِٱلْمَسِيحِ قُّوَةِ ٱللّٰهِ» (١ كو ١: ٢٤).
والبكر هو الشخص الذي له نصيب اثنين في الميراث كما نقرأ: «إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ ٱمْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَٱلأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ، فَوَلَدَتَا لَهُ بَنِينَ، ٱلْمَحْبُوبَةُ وَٱلْمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ ٱلابْنُ ٱلْبِكْرُ لِلْمَكْرُوهَةِ، فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لَهُ، لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ ٱبْنَ ٱلْمَحْبُوبَةِ بِكْراً عَلَى ٱبْنِ ٱلْمَكْرُوهَةِ ٱلْبِكْرِ، بَلْ يَعْرِفُ ٱبْنَ ٱلْمَكْرُوهَةِ بِكْراً لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ ٱثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ، لأَنَّهُ هُوَ أَّوَلُ قُدْرَتِهِ. لَهُ حَقُّ ٱلْبَكُورِيَّةِ» (تث ٢١: ١٥ - ١٧) والمسيح هو الذي له حق ووراثة كل شيء كما نقرأ «اَللّٰهُ... كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ - ٱلَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ» (عب ١: ١ - ٢).
والبكر هو أعلى شخص كما قيل: «أَنَا أَيْضاً أَجْعَلُهُ بِكْراً أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ» (مز ٨٩: ٢٧)، والمسيح هو أعلى شخص في الوجود «لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ» (في ٢: ٩).
ولقد قيل عن المسيح إنه بكر بين إخوة كثيرين «لأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رو ٨: ٢٩).
وقيل عنه أنه بكر من الأموات: «ٱلَّذِي هُوَ ٱلْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (كو ١: ١٨). «وَمِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلْبِكْرِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (رؤ ١: ٥).
فعبارة بكر كل خليقة ترينا أن المسيح هو المحبوب من الآب، وأنه قوة الله، وأنه الوارث للأرض ومن عليها، وأنه أعلى من ملوك الأرض، وأنه البكر من الأموات. أي أول من قام من الأموات ولن يموت أيضاً، وأنه المتقدم في كل شيء، وقرينة الآية تؤكد أنه «صورة الله غير المنظور» وأنه الخالق الذي «الكل به وله قد خلق» وفي هذا ما يعلن عن لاهوته بثقة ويقين.
هذه هي الآية الأخيرة من الآيات التي تبدو مناقضة للإيمان بأن المسيح هو الله، وفيها نقرأ كلمات المسيح
«وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ
كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ، ٱلشَّاهِدُ
ٱلأَمِينُ ٱلصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللّٰهِ» (رؤ ٣: ١٤).
وأعترف أنها أصعب الآيات في كل العهد الجديد، ولكنني تذللت أمام الرب وصليت إليه قائلاً: «ٱكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ» (مز ١١٩: ١٨). وتنازل الرب بروحه فأرشدني وكشف عن عيني لتفسير هذه الآية كما أرشدني لتفسير ما سبقها من آيات.
والآن ماذا تعني العبارة «بداءة خليقة الله» هل تعني أن المسيح هو أول مخلوق خلقه الله؟
يقيناً: لا. فالمسيح هو الخالق الأزلي الأبدي.
إذاً ما الذي تعنيه هذه الكلمات؟
هنا لا بد لنا من العودة إلى سفر التكوين وهناك نقرأ الكلمات: «وَقَالَ ٱللّٰهُ: نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦).
ولنا أن نسأل: هل لله صورة وشبه حتى يعمل الإنسان على مثالهما؟ وكيف يمكن أن يكون الإنسان جسداً ويكون في ذات الوقت على صورة الله؟ والله روح كما قال المسيح للسامرية: «الله روح» (يو ٤: ٢٤).
فهل للروح وجه وعينان ويدان؟
كيف عمل الله الإنسان على صورته وشبهه وهو روح لا صورة له ولا شبيه؟
هنا نستمع إلى صوت بولس الرسول يقول: «فَإِنَّ ٱلرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ ٱللّٰهِ وَمَجْدَهُ» (١ كو ١١: ٧).
الرجل صورة الله ومجده. كيف يمكن أن يكون هذا؟ والله لا صورة له ولا شبيه؟
وكيف نوفق بين هذه الآيات؟
لقد كشف الله عن عينيّ فرأيت هذا الحق الواضح الجميل.
إن الله ليس له صورة مادية فهو روح.. ولكنه عمل الإنسان على الصورة التي كان ابنه مزمعاً أن يتجسد فيها في ملء الزمان وعلى هذا يكون المسيح في صورته الإنسانية هو بداءة خليقة الله.
بمعنى أنه كان في فكر الله قبل أن يخلق الإنسان، بل قبل تأسيس العالم، أن يتجسد المسيح في الصورة التي عمل الله على شبهها الإنسان. وهكذا خلق الله الإنسان على الصورة التي كان سيتجسد المسيح بها، فأصبح المسيح الإنسان بهذا الاعتبار هو «بداءة خليقة الله». ويوضح بطرس الرسول هذا الحق في كلماته «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (١ بط ١: ١٨ - ٢٠). فالصورة الإنسانية التي كانت في فكر الثالوث العظيم عن المسيح حين يتجسد، هي الصورة التي خلق عليها الإنسان البشري، وعلى هذا يكون شكل جسد المسيح هو «بداءة خليقة الله» ويساعدنا هذا التفسير أن نفهم معنى الكلمات «وَقَالَ ٱللّٰهُ نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦). ففيها نرى «وحدانية الثالوث منذ الأزل» وتجسد «ابن الله» في «ملء الزمان».
فالذي قال: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، هو الله، والذي خلق الإنسان هو المسيح خلقه على الصورة التي كان سيتجسد بها في ملء الزمان من مريم العذراء، فالمسيح إذاً هو الله والإنسان في آن معاً، هو الخالق لكل ما في السماء، وما على الأرض بل لكل ما يحويه العالم الواسع العريض.
والآن بعد أن ظهر لك شخص المسيح الكريم بمجده وبهائه. وبعد أن رأيته في كمال لاهوته. فما الذي ستفعله؟وأعترف أنها أصعب الآيات في كل العهد الجديد، ولكنني تذللت أمام الرب وصليت إليه قائلاً: «ٱكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ» (مز ١١٩: ١٨). وتنازل الرب بروحه فأرشدني وكشف عن عيني لتفسير هذه الآية كما أرشدني لتفسير ما سبقها من آيات.
والآن ماذا تعني العبارة «بداءة خليقة الله» هل تعني أن المسيح هو أول مخلوق خلقه الله؟
يقيناً: لا. فالمسيح هو الخالق الأزلي الأبدي.
إذاً ما الذي تعنيه هذه الكلمات؟
هنا لا بد لنا من العودة إلى سفر التكوين وهناك نقرأ الكلمات: «وَقَالَ ٱللّٰهُ: نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦).
ولنا أن نسأل: هل لله صورة وشبه حتى يعمل الإنسان على مثالهما؟ وكيف يمكن أن يكون الإنسان جسداً ويكون في ذات الوقت على صورة الله؟ والله روح كما قال المسيح للسامرية: «الله روح» (يو ٤: ٢٤).
فهل للروح وجه وعينان ويدان؟
كيف عمل الله الإنسان على صورته وشبهه وهو روح لا صورة له ولا شبيه؟
هنا نستمع إلى صوت بولس الرسول يقول: «فَإِنَّ ٱلرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ ٱللّٰهِ وَمَجْدَهُ» (١ كو ١١: ٧).
الرجل صورة الله ومجده. كيف يمكن أن يكون هذا؟ والله لا صورة له ولا شبيه؟
وكيف نوفق بين هذه الآيات؟
لقد كشف الله عن عينيّ فرأيت هذا الحق الواضح الجميل.
إن الله ليس له صورة مادية فهو روح.. ولكنه عمل الإنسان على الصورة التي كان ابنه مزمعاً أن يتجسد فيها في ملء الزمان وعلى هذا يكون المسيح في صورته الإنسانية هو بداءة خليقة الله.
بمعنى أنه كان في فكر الله قبل أن يخلق الإنسان، بل قبل تأسيس العالم، أن يتجسد المسيح في الصورة التي عمل الله على شبهها الإنسان. وهكذا خلق الله الإنسان على الصورة التي كان سيتجسد المسيح بها، فأصبح المسيح الإنسان بهذا الاعتبار هو «بداءة خليقة الله». ويوضح بطرس الرسول هذا الحق في كلماته «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (١ بط ١: ١٨ - ٢٠). فالصورة الإنسانية التي كانت في فكر الثالوث العظيم عن المسيح حين يتجسد، هي الصورة التي خلق عليها الإنسان البشري، وعلى هذا يكون شكل جسد المسيح هو «بداءة خليقة الله» ويساعدنا هذا التفسير أن نفهم معنى الكلمات «وَقَالَ ٱللّٰهُ نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦). ففيها نرى «وحدانية الثالوث منذ الأزل» وتجسد «ابن الله» في «ملء الزمان».
فالذي قال: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، هو الله، والذي خلق الإنسان هو المسيح خلقه على الصورة التي كان سيتجسد بها في ملء الزمان من مريم العذراء، فالمسيح إذاً هو الله والإنسان في آن معاً، هو الخالق لكل ما في السماء، وما على الأرض بل لكل ما يحويه العالم الواسع العريض.
إنه لا مفر لك من إعلان موقف واضح بإزائه.
قديماً سأل بيلاطس الوالي الروماني هذا السؤال: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟» (مت ٢٧: ٢٢).
ولا بد أن تسأل نفسك هذا السؤال، فقضية المسيح هي قضية كل إنسان، وعلى أساس جوابك وموقفك بإزاء المسيح المصلوب يتحدد مصيرك الأبدي.
«لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يو ٣: ١٧ و١٨).
«لأَنَّكَ إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ» (رو ١٠: ٩).
فليتك تقبل المسيح اليوم مخلصاً شخصياً لنفسك.
وتعترف به أمام الآخرين رباً وفادياً لحياتك.
فتنجو من الغضب الآتي.
ففي هذا الإيمان الوطيد.
مفتاح الرجاء السعيد.
ليست هناك تعليقات: