ما معنى إن يسوع هو الله

السؤال الأول: ما معنى قولكم إن يسوع هو الله ظهر في الجسد، وإن كان هذا هو اعتقادكم فما حمله على التجسُّد؟

ف. ك. طرابلس - لبنان

- ١ -

(١) إن أول شيء تعلنه لنا الحقيقة أن النفس البشرية لا تستطيع من ذاتها بلوغ الكمال الذي تنشده، لأن ناموس الخطية لها بالمرصاد. وقد كشف الرسول لنا هذه الحقيقة، إذ قال: «إِنَّ ٱلإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ ٱلْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ ٱلشَّرَّ ٱلَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱلسَّاكِنَةُ فِيَّ. إِذاً أَجِدُ ٱلنَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ ٱلْحُسْنَى أَنَّ ٱلشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي. فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ ٱللّٰهِ بِحَسَبِ ٱلإِنْسَانِ ٱلْبَاطِنِ. وَلٰكِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي» (رومية ٧: ١٨ - ٢٣).
(٢) فكلمة الرسول هنا تقدم لنا وصفاً للصراع، القائم في نفس الإنسان بين النعمة والفساد. بين ناموس الله الذي يسر به الإنسان ويريد أن يعمل بموجبه، وبين ناموس الخطية، التي تجذب الإنسان وتسبيه، وتحمله على صنع ما لا يريد. ولكن الرسول الكريم إذ شاء التحرر من ناموس الخطية والموت أطلق صرخته الداوية نحو السماء: «وَيْحِي أَنَا ٱلإِنْسَانُ ٱلشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هٰذَا ٱلْمَوْتِ؟» (رومية ٧: ٢٤) حينئذ تراءى له المنقذ في شخص الكلمة المتجسِّد فتهلل قائلاً: «أَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا!» (رومية ٧: ٢٥).
وهذا السر تكشف قبلاً لرجل الله أيوب، حين عجت عليه المصائب والآلام، غمراً ينادي غمراً. ومن قلب حاجته إلى وسيط بينه وبين الله قال في شكواه: «لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا! لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ. إِذاً أَتَكَلَّمُ وَلاَ أَخَافُهُ. لأَنِّي لَسْتُ هٰكَذَا عِنْدَ نَفْسِي» (أيوب ٩: ٣٣ - ٣٥) فتجسد الأقنوم الثاني لله، كان إذاً حاجة الإنسان الملحة، ليفتديه ويرجعه إلى إلهه ويصالحه معه.
(٣) كل إنسان يعرف من اختباره الشخصي أن الميول الفاسدة ساكنة في جسده، وهو للأسف يطاوعها. وإننا لنذكر القول الرسولي: «ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رومية ٣: ٢٣)... «إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ ٱلْحَقُّ فِينَا» (١ يوحنا ١: ٨) وفي الإسلام إقرار بهذه الحقيقة، كقول القرآن: «وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ» (سورة النحل ١٦: ٦١) ومن هنا يتضح لنا تاريخياً، علاوة على ظهوره فكرياً أن الإنسان الطبيعي لا يمكن أن يبلغ قمة قواه الروحية، حتى يتحد ويقاد بما هو أسمى وأرقى من الإنسان.
(٤) إلى هنا كان البحث محصوراً في توضيح ضعف الإنسان، وعجزه عن السمو إلى الصورة التي كانت لآدم قبل السقوط. ولكن الوقوف عند هذا الحد معناه الخيبة. ونحن لا نستطيع أن نتصور أن خيبة مثل هذه، هي من مقاصد الله القادر على كل شيء. كلا! فالرب صالح وإلى الأبد رحمته. وهو في صلاحه لا يترك الإنسان المخلوق على صورته في حال سيئة كهذه، تؤدي به إلى الهلاك. فإذ قد عجز الإنسان عن إكمال مقصد الله، فالله سيقيض له كائناً آخر يكمله. فمن هو؟ هو كائن من المخلوقات بالغ كمال القداسة؟ أم هو الله نفسه؟
(٥) لنحرص على التمسك بالأمور الراهنة الأكيدة، ولا نحاول التعلل بنظرياتنا، حتى ولو كانت مؤسسة على قواعد لها جذور في بعض الأديان. لأن الاستسلام لها يفضي لا محالة إلى الزيغ عن محجة الصواب. ولنذكر هذه الحقيقة أنه ليس من دين ينكر أنه في الإنسان ميل، لأن يكون له اتصال مباشر بالله. فإلى الله يصلي الناس، ومنه يطلبون العون والهدى. وهو فعلاً يعين ويهدي أقدام المؤمنين في طريق السلام. والأعظم من هذا أننا ندرك جميعاً أن الغرض من الأشياء الرمزية التي يطلق عليها اسم الأمور الغامضة، إنما هو ارتباط النفس التام بالله. هكذا قال رجل الله العلامة أغسطينوس في صلاته: أيها الرب، لقد خلقتنا لنفسك. فلا تطمئن نفوسنا، إلا بالاستراحة في ظلك الإلهي.
إذن لا سبيل للظن أن بين الله والإنسان وسيطاً مخلوقاً، حتى ولو كانت طبيعته فوق الطبيعة البشرية. فالأدلة متوافرة على ما هو نقيض ذلك. إذن إن كان لا بد من بلوغ الخليقة إلى ذلك الكمال، الذي قصده الله لها، وكان لا بد من افتداء الإنسان، تحتم أن يكون هذا كله بعمل الله نفسه. له الحمد والمجد إلى الأبد.
ولإتمام هذا القصد اقتضى أن يكون في اللاهوت أقانيم، ليتم التجسد في اختيار أقنوم منها دون غيره. هكذا صارت المسرة الإلهية، أن يفتدي الرب جنسنا الذي سقط في الخطية وليس له رجاء ولا معين غير الله متجسداً. لأنه وحده قادر على ما يقتضيه الخلاص. فلوازم التجسد هي باعتبار الله أن يتخذ جسداً بواسطة أقنوم من الأقانيم.
هنا لست في معرض الرد على السؤال القائل: أما كان في وسع الله أن يخلّص الساقطين من غير تجسد؟ إلا أنني أؤكد بالاستناد على كلام الله أن التجسد طريق موافق ولائق، وفي غاية المناسبة، وفريد في الحكمة لأجل إتمام المقصود. وإن حدوث التجسد يرجح غاية الترجيح، إن ذلك ضروري لإتمام قصد الله بكماله في عمل الفداء. وإن حال البشر الساقطين، تطلب ذلك وتحتاج إليه.
(٦) وهناك حقيقة يجب أن أذكرها وهي أن الله له المجد إذا شاء أن يبلغ بالخليقة أوج العلى بأن يضمها إلى نفسه بواسطة ما، فإنه يعمل ذلك لا بأمر إلهي خارجي على سبيل كن فكان. بل بحلوله في أسمى درجات خليقته، أو بعبارة أخرى، بظهوره نفسه في صورة إنسان كامل.
(٧) حين نتأمل التعليم الخاص بالفداء، كما جاء في الأسفار المقدسة، نرى أن الوسيط بين الله والناس يجب أن تتوافر فيه الصفات التالية:
  1. أ - أن يكون إنساناً، والرسول أوضح أن سبب اتخاذ الأقنوم الثاني لله، طبيعة البشر لا طبيعة الملائكة، هو أنه أتى ليفدينا، فكان ضرورياً أن يولد تحت الناموس، الذي خالفناه لكي يكمل كل بر. وأن يتألم ويموت ذبيحة، لكي يكفر عن خطايانا. وأن يشترك في حياتنا البشرية، لكي يشعر بضعفاتنا (عبرانيين ٢: ١٤).
  2. ب - أن يكون بدون خطية. فإن الذبيحة التي كانت تقدم على المذبح، كان يجب حسب الناموس أن تكون بلا عيب. بمعنى أنه من المستحيل أن يكون المخلّص من الخطية خاطئاً، لأنه لا يقدر أن يصل إلى الله. ولا يمكن أن يكون مصدراً للقداسة والحياة الأبدية لشعبه، إن لم يكن هو باراً قدوساً. ولذلك وجب أن يكون رئيس كهنتنا قدوساً، بلا شر ولا دنس ومنفصلاً عن الخطية (عبرانيين ٧: ٢٦).
  3. ج - أن يكون إلهاً، لأنه لا يقدر أن ينزع الخطية، إلا دم من هو أعظم من مجرد مخلوق. والمسيح في حال كونه إلهاً، بتقديم نفسه مرة واحدة ذبيحة. أكمل إلى الأبد المقدسين (عبرانيين ٧: ٢٧، ٩: ٢٦). وكذلك لا يقدر إلا شخص إلهي أن يبيد سلطان الشيطان، وينقذ الذين قد سباهم، ولا يقدر على إتمام عمل الفداء العظيم، إلا من هو قادر على كل شيء، وله حكمة ومعرفة غير محدودتين، ليكون رئيس كنيسته ودياناً للجميع. ولا يقدر أن يكون مصدر الحياة الروحية لجميع المفديين، إلا من حل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً.
(٨) فجميع هذه الصفات التي نص الكتاب المقدس على ضروريتها، لتأهيل الوسيط للقيام بالوساطة بين الله والناس، قد اجتمعت في المسيح، حسب مقتضى العمل الذي جاء لإتمامه.
ونتج من ثبوت تلك الصفات للمسيح، أن وساطته التي تشمل كل ما فعل وكل ما زال يفعل لخلاص البشر، هي عمل شخص إلهي. فجميع أعمال المسيح وآلامه في إجراء وساطته، كانت أعمال وآلام شخص إلهي. فالذي صُلب هو رب المجد، والذي سكب نفسه للموت هو الأقنوم الثاني لله.

البينة التاريخية

(٩) إذا التفتنا إلى التاريخ، علمنا منه أنه عاش على هذه الأرض إنسان، كانت حياته مظهراً جلياً تاماً للعنصرين، اللذين يتألف منهما صلاح البشر الكامل. وهما الارتباط الدائم بالله والمحبة المنقطعة النظير لبني جنسه. لقد جال يعظ ويبشر، ويصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. وأطلع الناس على رأي جديد في الله، قائلاً إنه عز وجل يهتم بكل إنسان على حدة، كما يهتم الأب بأولاده، وأن الله يستقبل كل خاطئ تائب، مرحّباً به كما يرحّب الأب بابن تائه ضال عائد إلى أحضانه.
(١٠) و (١١) وعلاوة على ما أبداه من تعاليم المحبة وأعمال الرحمة، دعا إليه جماعة من التلاميذ ليقيموا معه ويتعلموا كلمات فمه وقوة مثاله. فكانوا يوماً بعد يوم، يزدادون نمواً في معرفتهم له وتعمقاً في الوقوف على كنه أفكاره، وتضلعاً من فهم معنى أمثاله الخفية. فارتشفوا من زلال روحه، وتعلموا ثقته وشاركوه في اتصاله بالله. ولكن العالم الشرير اضطرب خوفاً منه. وأولئك الذين أغمضوا عيونهم عن الحق، واتكلوا على برهم الذاتي. ثاروا عليه وساقوه إلى المحاكمة، واتهموه بالتجديف وكسر الناموس، وتمكنوا من إصدار الحكم عليه بالموت. فماذا فعل؟ أبى الدفاع عن نفسه، على شدة ثقته بأنه لم يكن عليه سوى إصدار أمره، فيأتي اثنا عشر جيشاً من الملائكة لإبادة أعدائه. ولكنه لم يشأ أن يستعمل شيئاً مما كان لديه من وسائل النجاة. ولكي يعلن جلياً معنى المحبة - محبة الله - أسلم نفسه إلى النهاية. ولكي يرسخ في عقول الناس شدة هول الخطية وفرط فظاعتها في عيني الله، أذن لها في تعذيب إنسانه الكامل، زهرة الإنسانية نفسها، المنزّه عن كل عيب. ولكي يغلب الشر، تحمل كل غاراته وغزواته حتى الموت، لكي يشارك الإنسان في جميع منازعاته ويمهد له سبيل الغلبة والظفر. وهكذا انتصر.
(١٢) ففي اليوم الثالث قام. وكان قد قال «لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً» (يوحنا ١٠: ١٧ و١٨) وهكذا فعل. فكمل العمل وتم الإعلان الإلهي، إذ بذلت المحبة إلى أقصى درجة منها، وقوة الشر على أشدها كوفحت وغُلبت. وتمت نصرة الخير على الشر.
(١٣) وماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة في تلاميذه، الذين عرفوه حق المعرفة، اقتناعاً تأصل ونما في أثناء معاشرتهم له. لكنه أزهر عندما ظهر لهم بعد قيامته، أنه لم يكن إنساناً ولا كائناً أرقى درجة من الإنسان فقط، بل رأوا فيه صفة الله نفسه. وأنه ادعى أموراً من التجديف أن يدعيها أحد غير الله. وقد ثبت كل ما ادعاه ثبوتاً حقيقياً. وأنه مستحق سجودهم له، وأنه بالحقيقة كان الله عائشاً عيشة إنسان، وفي الوقت نفسه يسود الكون من على عرشه في السماء.
(١٤) وهذا الاختبار لم ينحصر في تلاميذ الرب يسوع، الذين اتصلوا به مباشرة، بل شاع وانتشر على قدم السرعة بين كثيرين غيرهم. لأن التلاميذ بشروا به، مؤيدين بقوة روحه، الذي أرسله ليقوم مقامه.
ثم إن الاقتناع بأن يسوع الناصري، كان إلهاً وإنساناً معاً، لم ينته بموت الذين عرفوه في الجسد، ولماذا؟ لأنه لم يبن على بدعة دينية، ولا على كرازة أو تعليم، بل على اختبار شخصي شعر به المسيحيون في كل العصور، وعلى اقتناع تام بأن يسوع لا يزال حياً، ولا ينفك يرتبط ارتباطاً شخصياً بجميع الذين يطلبونه. وهذا الارتباط لا يقف حاجزاً بينهم وبين الله، بل هو بالحقيقة ارتباط بالله نفسه.
(١٥) وهذا الأقنوم، يسوع المسيح ليس كائناً جامداً غير كامل. بل هو اليوم مالئ العالم كله - هنا وهناك وهنالك، في كل مكان وجهة، يضع يده على الإنسان. ويقول له: «اتبعني» فيخاف الإنسان ويجيبه: إن خدمتك يا سيدي صعبة المراس، وثقيلة الحمل، فلا أستطيعها. لا أقدر أن أقتفي خطواتك، دعني وشأني يا سيد، لأني إنسان خاطئ. فيقول الرب يسوع: استودعني حياتك اجعلها في حفظي. اتكل عليّ وآمن بي. «تكفيك نعمتي» فيلبي الإنسان دعوته، ويصير من أتباعه. واليوم ما زال يسوع في الطريق وينادي: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ... اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ...» (متّى ١١: ٢٨ وإشعياء ٤٥: ٢٢) يسمع النداء كثيرون ويقبلون إليه منجذبين بنعمة شخصيته الإلهية. واليوم هو معروف في إفريقيا السوداء. حيث ينضم الناس أفواجاً إلى جماعته، ويجدون النجاة من سلطة الأرواح الشريرة وسطوة السحرة والعرافين. وفي كل أمة وشعب وطبقة أناس غيّرهم يسوع. وهم يحيون حياة تختلف عما كانت عليه قبلاً، حياة بدأت بالإثم وشهوة الجسد وتعظّم المعيشة. والآن يعيشون كما يحق لإنجيله، في البر وقداسة الحق. وإذا سألتهم عن منشأ هذا التغيير العظيم فيهم، أجابوك: هذا كله حصل بفضل معرفة يسوع المسيح ربنا.
إذن في استطاعتنا القول بملء الثقة إن حياة يسوع الناصري، توّجت عمل الله في الخليقة وبلغت به أوج السمو والكمال. وفيه وصل هذا العمل إلى درجة الإتقان التام. وبه بلغت الحياة والروح قصد الله، وبه أيضاً تأصل كل الذين قبلوه في المحبة، وامتلأوا إلى كل ملء الله. وبتعبير آخر أن النفس البشرية المؤمنة به صارت إلى غاية وجودها العظمى، التي هي الاتحاد بالله نفسه ورفع الخليقة إلى الله خالقها.
(١٦) هذا هو حكم التاريخ وقراره. ولكن من حيث يسوع المسيح، لا يراد بالإنسان الكامل مجرد خلاصة الكون، ومرآة الجوهر الإلهي، والصلة بين الله وخليقته فقط. بل إنما هو الإنسان الكامل، لأنه في الوقت نفسه الإله الكامل، لأنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً (كولوسي ٢: ٩). ولأنه ليس حلقة الاتصال، بل هو اتحاد حقيقي. وليس مرآة الجوهر الإلهي، يتألق ساطعاً بواسطة حياة إنسانية. بل «هُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين ١: ٣) هو «ٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ... كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ١ - ٣). فهو والحالة هذه مستحق أن يأخذ القوة والغنى والحكمة والقدرة والكرامة والمجد والبركة، آمين.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.