رواية الباكورة الشهية - 5
الفصل الخامس
ولما كان الأجل المعين للاجتماع اجتمع العلماء المذكورون نحو الساعة السابعة في منزل الشيخ على عمر. وبعد أن استقر بهم الجلوس وقف الشيخ علي حسب العادة وافتتح الجلسة بما يأتي:«يا سادتي لا يخفى أنه قد أفشي أمرنا، إذ بلغ ذلك جناب الشيخ ناصر الدين عمر، ولا ارتاب من أن حضرته أبلغ ذلك أيضاً إلى بعض أصحابه وذويه خاصة ابن أخيه الحاج قدور الطيش، لاعتماده عليه في أكثر أموره لزيادة قحته وكثرة هذره التي يعتبرها منه شجاعة وإقداماً، لأنه جاءني منه في هذا الصباح كتاب بيد ولده محيي الدين خطاباً لنا كافة، يتضمن نصحاً وتهديداً. ولا ريب أن من قد بلغه أمرنا وعجل في كشف سرنا هو السيد عبد القادر الفصيح، الذي لم يسر بما قد رآه منا في الجلستين الماضيتين، بل قاوم ذلك بكل تعصب. وليس من المستبعد أن يكون قد طعن فينا طعناً حاداً. واعتذاره عن الحضور هذه المرة يؤكد ذلك وأظن أن ذلك هو المانع الذي أشار إليه بقوله يوجد الآن مانع قوي عن حضوري معكم».
ثم نهض السيد عمر الحارس وقال: «لقد صدق الشيخ ناصر الدين وأجاد بقوله، كما أنه جدير بمن يشرع بمشروع ما أن يقدر العواقب يحسب للخسارة حساباً. كذلك إن كنتم حقاً (لا سمح الله) مصممين على هجر ربوع الدين الإسلامي إلى آخر أقول أنه على الإنسان مراعاة ثلاثة أمور والقيام بها مهما كلفه ذلك من الخسران والتعب (الأول) عدم اكتفائه بما قد ربي ونشأ عليه من الدين والمذهب، وبذل جهده في البحث والتنقيب برغبة وإخلاص فيما يفتحه الله عليه من المسائل الدينية، بالاستناد التام على المولى سبحانه وطلب الهداية والإرشاد من لدنه جل وعلا. (الثاني) ابتغاء مرضاة الله وتفضيل طاعة الخالق على طاعة المخلوق. (الثالث) تجنب الهوى والغرض والتزام حدود الحق والإنصاف. فأخوكم هذا العاجز الحقير قد صممت مذ عرفت العالم أن لا أتبع الهوى ولا أجاري الغرض مهما جرى. أسألك اللهم أن تثبت قلوبنا بمحبة حقك لنتمسك أبداً بعروتك الوثقى عاملين بسرور مرضاتك وإرادتك».
ثم وقف السيد مصطفى الحقاني وقال: «إن ما قد فاه به أخونا السيد عمر هو لقرين الصواب، فإن كنا رجالاً فنعرف الأفضل ونتمسك به، ودع التقادير تجري في أعنتها. على أني موقن بالله أنه لا يهمل المتوكلين عليه. وما يسمح به أحياناً من حلول البلايا على عبيده فهو إما تأديب لهم أو امتحان لإيمانهم، ويؤول ذلك لخيرهم ونيل بركة منه تعالى. فلنتقوّ يا إخوتي بالرب ولنتشجع وهو يفعل ما يشاء. فإن حسن لديكم دعونا نرجع الآن إلى الحديث الذي تركناه في الجلسة السابقة، وبعده ترون في أمر مجاوبة كتاب الشيخ ناصر الدين».
فقال الشيخ فكري: «يا سيد مصطفى، إننا نستغني عن مراجعة الماضي من الحديث أو النظر فيه على نسق ما سلف لأن ذلك يستغرق وقتاً على ما لا اضطرار إليه أيضاً. ولست أظن أن مآله برح من ذهن أحد منا. إنما الواجب الآن النظر في الحكم من جهة تلك الأمور التي وقع عليها البحث، ثم النظر في الحكم من حيثية الدعوى بتحريفه فماذا ترون؟».
عند ذلك وقف السيد إبراهيم وقال: «إن للحق دلائل لا تخفى على النبيه، فبناء على ما تقدم من الأدلة الراهنة والبينات السديدة على سلامة وصحة التوراة من شوائب التحريف والتغيير أقول قد تقرر ورسخ في ذهني كما لا ريب في أذهانكم النقية أن التوراة الموجود الآن هي كتاب الله لا ريب فيه المنزل على أنبياء الله ورسله رشداً وهدى لبني إسرائيل، لم يشبها تغيير ولا تحريف. وبناء عليه كل ما قيل فيها وذكر من الأنباء عن سيدنا المسيح هو حق لا سبيل إلى إنكاره بوجه ما، وما يخال فيها من صعوبة الفهم لا يستلزم رفضها، بل يستلزم البحث عنه في الكتاب بجد وإخلاص، بالاستناد على عون البارئ وإرشاده. فلا يخفى عليكم أن المعادن الثمينة والجواهر الكريمة لا تستخرج من معادنها إلا بإفراغ الجد والجهد، وألا يكون أحمقاً وجاهلاً من يحكم أن لا ذهب في تلك المناجم بناء على صعوبة حفرها. فالأفضل أن نشمر عن ساعد الهمة مجردين الفكرة للبحث في القضايا الدينية والحفر بآلة العقل وأداة البصيرة في هذا المنجم الذهبي، لنستخرج منه بعون الله ما يغنينا ويزين أنفسنا إلى الأبد». ثم طرح الجدول الذي عمله أمام الجماعة وقال: «انظروا سادتي إلى هذا الجدول، استخرجته من التوراة والإنجيل والقرآن، تأملوه جيداً واعجبوا من المطابقة الكلية بين التوراة والإنجيل بخصوص لاهوت سيدنا المسيح وناسوته وصلبه وموته بالجسد فداء عن البشر وقيامته، وكذا بين الكتاب والقرآن بخصوص كيان عيسى المسيح روحياً قبل ولادته من البشر وولادته من عذراء، وسمو طبيعته واقتداره على الأنبياء والمرسلين كافة. والحق أن الكتاب لا يحتاج البتة إلى شهادة كتاب آخر لأن له من الشهادات والبينات ما يكفي لبيان كونه كتاب الله لا ريب فيه، وإنما شهادة القرآن هذه هي مفيدة لمثلنا، ولذلك قد آتيتكم بهذا الجدول لكي تروا فيه على وجه أقرب المطابقة الكائة بين الكتاب والقرآن في أمر ولادة المسيح وموته، وكونه كلمة الله، والمقارنة المعتبرة بينهما مم حيثية نسبة المسيح لله إذ الكتاب يقول عنه انه كلمة الله وابنه وأنه أزلي، والقرآن يقول أنه كلمة الله وروح منه، فترون حضراتكم أنه ليس من اختلاف بينهما إلا من حيثية الصراحة بلاهوته ونوع موته وغايته والفائدة الحاصلة من ذلك. فالكتاب المقدس بنبئ بذلك على طرق شتى وأنواع عديدة، تارة بالتصريح والإفصاح كما قد رأينا في ما مر، وأخرى بالإشارات والكتابات والرموز التي لا تصدق إلا عليه، وقلما يوجد سفر في التوراة إلا ويحوي نبوة إو إشارة إلى المسيح كفادي البشر، وبعض أسفاره مشحونة من هذه الأمور. والإنجيل ما هو إلا خبر أو إشارة عن مجيء هذا الكريم وعمله كما أنبأ أنبياء الله الصالحون. والقرآن مع كونه يرفع المسيح فوق البشر والأنبياء قاطبة بولادته من عذراء ونسبته الغريبة لله وكمال صلاحه وإتيانه بمعجزات، ينكر صريحاً لاهوته وموته بالجسد. فيا سادتي إن التسليم بسلامة الكتاب من التحريف والتغيير يستلزم لا محالة الإيمان بما أنزل الله فيه بدون التفات إلى ما قيل في غيره، وما إنكاره لاهوت المسيح وصلبه عن العالم وموته وقيامته إلا إنكار الكتاب الذي غايته المسيح فادي البشر، وما هي يا ترى غاية القرآن بقوله عن عيسى أنه كلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم؟ لماذا تفرد عيسى بهذا النسب الإلهي والأوصاف الغريبة، إلا أن ذلك من الأدلة الراهنة على سمو هذا الشخص؟ وإذا كان القارئ قد حصل على انتباه عظيم هكذا من مثل هذه الآيات القرآنية الدالة على سمو طبيعة عيسى وغرابته، وضاق ذرعاً عن المعرفة الشافية به إذ لم يرو له غليل لعدم وقوفه على الأسباب والدواعي لذلك، فعليه بالتوراة والإنجيل المدلول عليهما من القرآن والمشهود لهما فيه، فيكشفان له الغطاء عن هذا السر الباهر. هناك يجد المبادئ الأولية التي تأتي بعقل العاقل إلى معرفة المسيح شيئاً فشيئاً، كما يرى من نسق التوراة في أسفارها التاريخية والنبوية والشعرية - هناك يرى الأساسات الراسخة البينة التي وضعها الرحمن لبناء عمل الفداء بشخص ابنه الوحيد - هناك يرى بوضوح وجلاء ما هو من ذاك الذي وُلد من عذراء ودعي كلمة الله ويتحقق أنه ابن الله وإله قدير أزلي أبدي. هناك يرى المقول عنه أنه روح الله جوهر إلهي جوهر الله ذاته. هناك يرى المقول عنه «يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين ابتعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة» إنه هو المسيح ابن الله المبذول من أبيه لأجل خلاص العالم، ومقام من الأموات ومرفوع إلى السماء مطهراً من ضعفه بالجسد. وجاعل الذين اتبعوه أي الذين آمنوا به واتبعوه كمخلّصهم وراعيهم وقائدهم إلى السماء فوق الذين كفروا به إلى يوم القيامة بل إلى الأبد. فها قد وضح لديكم أيها الإخوان ويا ذوي الألباب من مفاوضتنا ومباحثتنا الوافية، ومن هذا الجدول المختص المطروح لديكم سلامة التوراة والإنجيل من شوائب التغيير والتحريف. هما كتاب الله قبلاً والآن وبعد. وعليه فالمسيح ابن مريم هو ابن الله مخلّص البشر كما هو معلن فيه. فلنقبل يا إخوان إلى مسيح الكتاب ولنتمسك به بكل القلب والعزم. والرحمن الذي قد بذل وحيده لأجلنا هو يساعدنا ولا يهملنا» .
وبعد أن جلس أثنى عليه الجميع لأجل هذا الخطاب الوافي الكافي، وقال بعضهم لبعض، بناء على البحث والمفاوضة في الجلستين السالفتين، وعلى ما قد فاه به الآن السيد إبراهيم والجدول الذي نرى أن لا حاجة بعد إلى البحث بشأن صحة الإنجيل، إذ قد اتضح لنا جلياً أنه هو والتوراة كتاب الله الحي، لم يشبه تغيير ولا تحريف. وبعد مفاوضة نحو نصف ساعة اعترف الجميع بإيمانهم بالمسيح فادي البشر.
ثم وقت الشيخ علي وقال: «يا سادتي الأحباء، بما أنه لا يسعنا الوقت للتمتع لذة المفاوضة في هذا الاجتماع، فيلزمنا حسب ما تقرر أن نرسل اليوم جواباً إلى الشيخ ناصر الدين. ولخوفي من عدم تمكننا بعد من اجتماع آخر هذا رأيت أن أخاطبكم لربما الخطاب الاخير في اجتماع مبارك كهذا - إني أحمد المولى سبحانه الذي مكننا من ثلاثة اجتماعات أعدها من أفضل وألذ أوقات حياتي السالفة، بها قد تفاوضنا وتباحثنا ملياً بإخلاص واتفاق تام فيما يختص بالله لخير النفس الثمينة. فيا أحبائي إننا بعد المفاوضة والمناظرات الوافية في اثناء هذه الاجتماعات رأينا ولله الحمد سلامة كتابه العزيز من شوائب التغيير والتحريف، سوى ما وقع سهواً في بعض النسخ والترجمات، من قبيل الضعف الإنساني وتباين المترجمين، وهو كما لا يخفى مما لا يمس قط القضايا الجوهرية فلا يعتد به إذ لا يجعل أدنى نقص أو خلل في غاية الكتاب وقصده. وما يستحق كل اعتبار هو المطابقة المدهشة بين التوراة والإنجيل. مطابقة تجعلهما كتاباً واحداً. وشهادة القرآن لهما وموافقته للإنجيل فيما يختص بالمسيح على نوع لا يبعد كثيراً عن مفاد نص الإنجيل الصريح، فما القرآن بالنظر إلى ذلك إلا كمن يسقي العطشان قطرة من ماء عذب جداً فلا يرويه، بل يهيج فيه العطش أكثر فأكثر، ويعظم اشتياقه إلى ورود الينبوع الذي منه استقى هذا الماء، وله الفضل لدلالة هذا الظامئ على ذلك الينبوع، كتاب الله بقوله: «إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا.. ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على التي هي أحسن.. وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل». فترون حضراتكم أن الإنجيل بينهما المشهود له من كليهما يعلن لنا جلياً مجيء هذا الشخص العجيب والفادي الكريم، طبقاً لما أنبأ عنه أنبياء الله الصالحون. فبهذه الطريقة يجد الإنسان سلاماً حقيقياً مع الله، ويرى اتفاق صفتي العدل والرحمة في الله جل جلاله كما يصرح أحد الإنجيليين بقوله «أن الناموس بموسى أعطي، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا». فإن كنتم يا إخوان قد اعتنقتم حقاً كتاب الله وآمنتم بمسيح الله مخلّص نفوسكم، فتعالوا بكل قلوبكم ونفوسكم واضعين عليه كل رجائكم وهمومكم، وحسبكم بر من الله ربكم أنه أنارنا بنور حقه، وعرفنا بمخلصنا وحياة نفوسنا، ولنتمسك يا أحباء بالحق الذي أعلنته لنا العناية الإلهية لخيرنا وحياتنا، واحمدوه تعالى كل الحمد الذي حرك غيرة محبة ذلك المسيحي التقي حتى أتحفنا بتلك الرسالة المباركة التي أضحت بنعمة الله على إنارتنا ووسيلة اهتدائنا. ليجازه الرب عنا خير الجزاء. وأختم كلامي لكم بهذه الكلمة: جاهدوا يا إخوتي كأبطال أمناء جهاد الإيمان الحسن في سبيل حق الله ضد كل تعليم باطل وغرور دنيوي. سيروا باسم الله في هذه الطريق الصالحة التي فتحتها لكم يمين الله العلي غير مبالين بشيء وإن سمح الله وفرق الناس بيننا وأعدمونا لذة الحرية والاجتماع معاً في الحياة الدنيا، فلا يقدرون أن يفرقوا بيننا في عالم السماء، ومن يزرع بالدموع يحصد بالفرح، وربنا الكريم الذي دعانا إلى ملكوت ابنه وأرشدنا إلى سبيله هو يحفظنا ويثبتنا وهو حسبنا ونعم الوكيل» .
وفي أثناء هذا الخطاب كثيراً ما كانت دموع الشيخ علي تصحب أكثر كلماته، فأثّر ذلك وأي تأثير في قلوب الحاضرين، حتى بكى أكثرهم. وبعد أن فرغ من الكلام وجلس، أثنى عليه الجميع وعاهدوه على التمسك بالإنجيل والمحافظة على حق المسيح حتى الموت، ثم أخذوا يتداولون في أمر مجاوبة الشيخ ناصر الدين. وأخيراً التمسوا من الشيخ علي أن يجاوبه بلسان جميعهم بما يستحسنه، فكتب الجواب وقرأه عليهم وهو:
أيها الأخ المكرم الشيخ ناصر الدين عمر، جزيل الوقار والاحترام.
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نبدي لحضرتكم لقد تشرفنا برسالتكم رقم ١٠ محرم فكل ما أشرتم به صار قرين الأفهام. فأولاً نشكر من كل قلوبنا حبكم لنا وغيرتكم على إخوانكم هؤلاء. وثانياً نقول أن قول حضرتكم أنه قد بان لكم مما فهمتموه وعلمتموه.. أننا انحرّفنا عن المنهج القويم إلى ضلال النصارى الوخيم، وتعجبكم من أننا كيف نقبل الاعتقاد بأن الإله صار إنساناً إلى آخر القول بهذا الشأن، ثم نصحكم لنا أن ننبذ عنا هذه الأوهام، وتنبيهكم إيانا إلى ما سيحل بنا من البلايا وما سنكابده من المتاعب والمشاق إذا تدينا بالنصرانية.. فنجيب على ذلك: حاشا لنا أيها المحترم أن ننحرّف عن المنهج القويم، إنما آثرنا الجد بالبحث فيما يختص بالتوراة والإنجيل، لنرى هل حقاً تغيرا أو تحرّفا أم لا. فبعد فراغ الجهد في ذلك بكل تبصر وتأمل رأينا أيها الأخ أن هذا الكتاب المشهود له من القرآن لم يشبه شيء من ذلك كما كنا نتوهم، بل لم يزل كما كان منذ إنزاله بروحه وغايته وقضاياه. فبناء عليه قد عزمنا بنعمة الله أن نتخذه لنا دستوراً وقانوناً في الإيمان والعمل مؤمنين بما أنزل الله فيه، ولسنا بذلك مبتدعين أو متبعين بدعة ما، إنما نحن متبعون ما أنزل البديع سبحانه في كتابه نوراً وهدى لنا من ربنا. أما كون الكتاب ما تحرّف قط فلذلك أدلة وبراهين لا ترد. إن شئتم تشريفنا فنبسطها لديكم، وبما أنكم تعلمون حفظكم الله أنه يبتغي إطاعة الله أكثر من الناس ومحبته فوق كل شيء، لذلك لا نستطيع أبداً مقاومة الضمير بترك جانبه تعالى وإهمال كلامه حباً بالدنيا والأصحاب. أما على تنبيهكم إيانا إلى ما يرجح أنه سيصيبنا من الاضطهاد والخسران الزمني بسبب تمسكنا بتعليم الكتاب فنقول أن هذا منتظر، وله عندنا حسبان كبير. نعم إننا بشر وليست أجسادنا حجراً لا تحس ولا تتأثر، ولكننا نؤثر رضى الله على رضى الناس وشرف التمسك بحقه تعالى وراحة الضمير بعبادته حسب الكتاب على شرف الدنيا ونعيمها. ويهون علينا الموت بحب الرحمن أكثر من الحياة بغيظه. وبكل أسف قرأنا قولكم أنه ربما حضرتكم أيضاً تنقلبون عدواً لنا، فلماذ يا صاح؟ أما نحن بشر خليقة الله، فهب أننا ضللنا هل ينبغي أن تعادينا وتسعى في أذيتنا، أم تسعى ما أمكن في هدايتنا بالتي هي أحسن؟ إننا من كل القلب نرغب أن ترينا ضلالنا بطريقة الدليل والبرهان، فنضحي بغية الامتنان إذ ليس من الهين مبارحة الأصحاب والأحباب واحتمال ما يعسر على الطبيعة احتماله، فليتكم تتنازلون إلى ذلك، وإلا فإنا لله وإنا إليه راجعون، عليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.
في ١٢ محرم سنة ١٢٧٥
الداعين إخوانكم
علي عمر وأصحابه
فاستحسن الجميع هذا الجواب وغلقوه وأرسلوه بيد خادم الشيخ علي، ثم صلوا إلى الله طالبين عونه على احتمال ما لربما يصيبهم من الإهانات والضيقات بسبب إنجيله. وأن يزيدهم نعمة وفهماً ليستطيعوا أن يشهدوا لحقه على ما ينبغي بدون خوف ولا استحياء، ثم انصرفوا إلى بيوتهم.
ليست هناك تعليقات: