عمانوئيل الله معنا
في سنة ٩٠٥ عقد في الأزهر اجتماع ضم الشيخ بدر الدين العلائي الحنفي
والشيخ زكريا والشيخ برهان الدين بن أبي شريف، والشيخ إبراهيم المواهبي
الشاذلي وجماعة وصنف الشيخ إبراهيم فيها رسالة هذا فحواها:
«بحث في الاجتماع موضوع معية الله معنا، فقال الشيخ برهان الدين: أن الله معنا بأسمائه وصفاته. لا بذاته، فقال الشيخ إبراهيم بل هو معنا بذاته وصفاته. فقالوا له ما الدليل على ذلك. فقال قوله في القرآن : والله معكم. ومعلوم أن الله علم على الذات. فيجب اعتقاد المعية الذاتية ذوقاً وعقلاً، لثبوتها نقلاً وعقلاً. وقد قال العالمة الغزنوي في شرح عقيدة النسفي، أن قول المعتزلة وجمهور النجارية أن الحق تعالى بكل مكان بعلمه وقدرته وتدبيره دون ذاته باطل. لأنه لا يلزم، أن من علم مكاناً أن يكون في ذلك المكان بالعلم فقط. إلا إن كانت صفاته تنفك عن ذاته. فقالوا له: هل وافقك غير الغزنوي في ذلك: فقال نعم. فقد ذكر شيخ الإسلام ابن اللبان في قوله: ونحن أقرب إليه منكم ولا تبصرون» إن في هذه الآية دليلاً على أقربيته تعالى من عبده قرباً حقيقياً، كما يليق بذاته لتعاليمه عن المكان. إذ لو كان المراد بقربه تعالى من عبده قربه بالعلم، أو بالقدرة، أو بالتدبير مثلاً، لقال: «ولكن لا تعلمون» ولكن قوله «لا تبصرون». دل على أن المراد به القرب الحقيقي «المدرك بالبصر، لو كشف الله عن بصرنا، فإن من المعلوم أن البصر لا يتعلق لإدراكه بالصفات المعنوية. وإنما يتعلق بالحقائق المرئية. قال وكذلك القول في قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وهو يدل أيضاً على ما قلناه، لأن أفعل من قرب، يدل على الاشتراك في اسم القرب. وإن اختلف الكيف، ولا اشتراك بين قرب الصفات وقرب حبل الوريد. لان قرب الصفات معنوي، وقرب حبل الوريد حسي، ففي نسبة أقربيته تعالى إلى الإنسان من حبل الوريد. الذي هو حقيقي، دليل على أن قربه تعالى حقيقي، أي بالذات اللازم لها الصفات.
وقال الشيخ إبراهيم: وبما قررناه لكم، انتفى أن يكون المراد قربه تعالى منا بصفاته دون ذاته. وأن الحق الصريح هو قربه منا بالذات أيضاً، إذ أن الصفات لا تعقل مجردة عن الذات المتعالي كما مر.
فدخل عليهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد المغربي الشاذلي شيخ الجلال السيوطي، فقال: ما جمعكم هنا، فذكروا المسألة فقال: تريدون علم هذا الأمر ذوقاً أو سماعاً، فقالوا: سماعاً: فقال: معية الله أزلية، ليس لها ابتداء. وكانت كل الأشياء ثابتة في علمه أزلاً يقيناً بلا بداية. لأنها متعلقة به تعلقاً يستحيل عليه العدم لاستحالة وجود علمه الواجب وجوده بغير معلوم واستحالة طريان تعلقه بها لم يلزم عليه من حدوث علمه تعالى بعد أن لم يكن، وكما أن معيته تعالى أزلية، كذلك هي أبدية ليس لها انتهاء. فهو تعالى معها بعد حدوثها من العدم عيناً. فأدهش الحاضرين بما قال لهم. فقال لهم: اعتمدوا ما قررته لكم في المعية. اعتمدوه ودعوا ما ينافيه تكونوا منزهين لولاكم حق التنزيه، ومخلصين لعقولكم من شبهات التشبيه. وإن أراد أحدكم أن يعرف هذه المسألة ذوقاً فليسلم قياده لي. أخرجه من ثيابه وظائفه وماله وأولاده وأدخله الخلوة وأمنعه النوم وكل الشهوات. وأنا أضمن له وصوله إلى علم هذه المسألة ذوقاً وكشفاً. قال الشيخ إبراهيم فما تجرأ أحد أن يدخل معه في ذلك العهد، ثم قام الجماعة فقبلوا يده.
فأقوال هؤلاء العلماء الأفاضل عن معية الله ظاهرة وفحواها أن حقيقة المعية هي مصاحبة شيء لآخر، سواء كانا واجبين كذات الله مع صفاته، أو جائزين كالإنسان مع مثله، أو واجباً وجائزاً وهو معية الله تعالى لخلقه بذاته وصفاته المفهومة من قول القرآن: «والله معكم» ومن نحو أن الله مع المحسنين أو من قول الكتاب المقدس: «هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا) (متّى ١: ٢٣)، أو من قول المسيح: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متّى ٢٨: ٢٠) وإذا تقرر ذلك، أقول أن حلول اللاهوت في الناسوت جائز، فليس كمعية الواجب للجائز، بل هو أسمى بما لا يقاس. وإنما أوردت المعية لتوضيح هذه المسألة وتقريبها لعقولنا. فإن الإسلام يعترف بمعية الله لخلقه بذاته وصفاته وهو أمر فوق عقل البشر فكيف يحتج عامة المسلمين على اعتقاد المسيحيين بتجسد الكلمة؟
«بحث في الاجتماع موضوع معية الله معنا، فقال الشيخ برهان الدين: أن الله معنا بأسمائه وصفاته. لا بذاته، فقال الشيخ إبراهيم بل هو معنا بذاته وصفاته. فقالوا له ما الدليل على ذلك. فقال قوله في القرآن : والله معكم. ومعلوم أن الله علم على الذات. فيجب اعتقاد المعية الذاتية ذوقاً وعقلاً، لثبوتها نقلاً وعقلاً. وقد قال العالمة الغزنوي في شرح عقيدة النسفي، أن قول المعتزلة وجمهور النجارية أن الحق تعالى بكل مكان بعلمه وقدرته وتدبيره دون ذاته باطل. لأنه لا يلزم، أن من علم مكاناً أن يكون في ذلك المكان بالعلم فقط. إلا إن كانت صفاته تنفك عن ذاته. فقالوا له: هل وافقك غير الغزنوي في ذلك: فقال نعم. فقد ذكر شيخ الإسلام ابن اللبان في قوله: ونحن أقرب إليه منكم ولا تبصرون» إن في هذه الآية دليلاً على أقربيته تعالى من عبده قرباً حقيقياً، كما يليق بذاته لتعاليمه عن المكان. إذ لو كان المراد بقربه تعالى من عبده قربه بالعلم، أو بالقدرة، أو بالتدبير مثلاً، لقال: «ولكن لا تعلمون» ولكن قوله «لا تبصرون». دل على أن المراد به القرب الحقيقي «المدرك بالبصر، لو كشف الله عن بصرنا، فإن من المعلوم أن البصر لا يتعلق لإدراكه بالصفات المعنوية. وإنما يتعلق بالحقائق المرئية. قال وكذلك القول في قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وهو يدل أيضاً على ما قلناه، لأن أفعل من قرب، يدل على الاشتراك في اسم القرب. وإن اختلف الكيف، ولا اشتراك بين قرب الصفات وقرب حبل الوريد. لان قرب الصفات معنوي، وقرب حبل الوريد حسي، ففي نسبة أقربيته تعالى إلى الإنسان من حبل الوريد. الذي هو حقيقي، دليل على أن قربه تعالى حقيقي، أي بالذات اللازم لها الصفات.
وقال الشيخ إبراهيم: وبما قررناه لكم، انتفى أن يكون المراد قربه تعالى منا بصفاته دون ذاته. وأن الحق الصريح هو قربه منا بالذات أيضاً، إذ أن الصفات لا تعقل مجردة عن الذات المتعالي كما مر.
فدخل عليهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد المغربي الشاذلي شيخ الجلال السيوطي، فقال: ما جمعكم هنا، فذكروا المسألة فقال: تريدون علم هذا الأمر ذوقاً أو سماعاً، فقالوا: سماعاً: فقال: معية الله أزلية، ليس لها ابتداء. وكانت كل الأشياء ثابتة في علمه أزلاً يقيناً بلا بداية. لأنها متعلقة به تعلقاً يستحيل عليه العدم لاستحالة وجود علمه الواجب وجوده بغير معلوم واستحالة طريان تعلقه بها لم يلزم عليه من حدوث علمه تعالى بعد أن لم يكن، وكما أن معيته تعالى أزلية، كذلك هي أبدية ليس لها انتهاء. فهو تعالى معها بعد حدوثها من العدم عيناً. فأدهش الحاضرين بما قال لهم. فقال لهم: اعتمدوا ما قررته لكم في المعية. اعتمدوه ودعوا ما ينافيه تكونوا منزهين لولاكم حق التنزيه، ومخلصين لعقولكم من شبهات التشبيه. وإن أراد أحدكم أن يعرف هذه المسألة ذوقاً فليسلم قياده لي. أخرجه من ثيابه وظائفه وماله وأولاده وأدخله الخلوة وأمنعه النوم وكل الشهوات. وأنا أضمن له وصوله إلى علم هذه المسألة ذوقاً وكشفاً. قال الشيخ إبراهيم فما تجرأ أحد أن يدخل معه في ذلك العهد، ثم قام الجماعة فقبلوا يده.
فأقوال هؤلاء العلماء الأفاضل عن معية الله ظاهرة وفحواها أن حقيقة المعية هي مصاحبة شيء لآخر، سواء كانا واجبين كذات الله مع صفاته، أو جائزين كالإنسان مع مثله، أو واجباً وجائزاً وهو معية الله تعالى لخلقه بذاته وصفاته المفهومة من قول القرآن: «والله معكم» ومن نحو أن الله مع المحسنين أو من قول الكتاب المقدس: «هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا) (متّى ١: ٢٣)، أو من قول المسيح: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متّى ٢٨: ٢٠) وإذا تقرر ذلك، أقول أن حلول اللاهوت في الناسوت جائز، فليس كمعية الواجب للجائز، بل هو أسمى بما لا يقاس. وإنما أوردت المعية لتوضيح هذه المسألة وتقريبها لعقولنا. فإن الإسلام يعترف بمعية الله لخلقه بذاته وصفاته وهو أمر فوق عقل البشر فكيف يحتج عامة المسلمين على اعتقاد المسيحيين بتجسد الكلمة؟
ليست هناك تعليقات: