أنواع الذبائح

إن التأمل في كفّارة المسيح يستلزمنا استعراض أنواع الذبائح التي كانت تقدم في العهد القديم، وفقاً للناموس الإلهي الذي أعطي بموسى وهي:
  1. ذبيحة الخطية (لاويين ٩) وهي للتكفير عن الشعب والإتيان به إلى حالة الغفران ونوال النعمة.
  2. ذبيحة الإثم (لاويين ٥) وهي خاصة بالذنوب التي يمكن التعويض عنها.
  3. ذبيحة المحرقة (لاويين ١) وهي ذبيحة تمثل الكمال وهي تشير إلى من خصص نفسه لله تخصيصاً كاملاً.
  4. ذبيحة السلامة (لاويين ٧: ١١ - ١٦) وهي تشير إلى رد ما لله من شكر.
  5. ذبيحة الفصح (خروج ١٢) وقد أمر الرب موسى وهرون والشعب أن يرشوا بدمها على عتبة الباب العليا والقائمتين.
  6. ذبيحة البقرة الحمراء (العدد ١٩) وهي التي كان رمادها يستعمل للتطهير من النجاسات.
  7. ذبيحة الأبرص (لاويين ١٤) وهي الذبيحة التي تتعلق بتطهير الأبرص.
  8. ذبيحة العجلة (تثنية ٢١: ٣) وهي التي كانت تقدم عندما يقتل قتيل ويجهل قاتله.
  9. ذبيحة كبش التكريس (لاويين ٨) وهي التي كانت تقدم عند تكريس أحد اللاويين كاهناً.
واعلم أن هذه الذبائح جميعها كانت مشروطة بخلوها من العيوب. بناء على أنه يحط من قدر الله في أعين الشعب (١ ملوك ٨: ١٣ - ١٤) وبنوع خاص، لأن الذبيحة الخالية من العيب موافقة دون غيرها لأن تكون رمزاً إلى حمل الله يسوع الذي قدم على خشبة الصليب كفّارة لخطايا العالم والذي هو «بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ» (١ بطرس ١: ١٩).

رش دم الذبيحة

إن رش دم الذبيحة في العهد القديم، كان أشرف الطقوس، لكونه إشارة إلى التكفير واختص بالكاهن الذي عين وسيطاً بين الله والشعب أما نضح الدم سبع مرات بعد إدخاله إلى خيمة الاجتماع (لاويين ٨ و١٤) فكان إشارة إلى كمال التكفير لأن الرقم ٧ يدل على الكمال، ومن ذلك قول العهد الجديد عن المؤمنين، أنهم تطهروا من الخطية بسفك دم المسيح العظيم المرموز إليه (عبرانيين ٩، ١ بطرس ١).

ذبيحة المسيح الحقيقية المرموز إليها:

لمس رجال الله قديماً ضعف الإنسان وعجز ناموس موسى عن شفائه من الخطيئة، ففتشوا عن وسيلة غير الذبائح والمحرقات التي قال الرسول أنها «مِنْ جِهَةِ ٱلضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ ٱلَّذِي يَخْدِمُ» (عبرانيين ٩: ٩). والتي لا يمكنها أن تحقق مسرة القدير، فقد جاء في سفر المزامير: «لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى» (مزمور ٥١: ١٦) وجاء في سفر إشعياء: «لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ يَقُولُ ٱلرَّبُّ: ٱتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هَذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي؟ لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. ٱلْبَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي» (إشعياء ١: ١١ - ١٣).
ولكن في غمرة هذا الضلال، أشرقت شمس محبة الله. فأعلن لرجاله الأمناء أنه أعد ذبيحة حاسمة للخلاص بوسيط صلح إلهي، يأتي عند ملء الزمان، ويكمل بقربان نفسه إلى الأبد الذين يؤمنون باسمه (عبرانيين ١٠: ١٤). فإذا بأيوب الذي حلت به التجارب والمحن بأقسى ضروبها، يرى حاجته الماسة إلى تدخل هذا الوسيط بينه وبين الله. فيقول «لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا! لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ» (أيوب ٩: ٣٣ - ٣٤) وها هو إشعياء النبي يراه يعين النبوة، فيسهب في شرح عمله الفدائي، إذ يقول: «مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِّزَاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ» (إشعياء ٥٣: ٨ - ١٢).
وشاول الطرسوسي الفريسي الناموسي، بعد أن أعيته المحاولات لإدراك البر الذي في الناموس، راح يفتش عن هذا الوسيط، الذي تكلم عنه الأنبياء، وينشد عنده الإنقاذ من جسد الخطية والموت، إلى أن أدركه يسوع المسيح على طريق دمشق فعرف فيه وسيط الصلح الإلهي، الذي تجسد ليخلص الخطاة بموته الكفّاري على الصليب. ولم يعتم أن أوحي إليه ليكتب لنا الخبر السار القائل: «وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلّزَمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ» (غلاطية ٤: ٤ - ٥).
في الواقع إن تجسد الكلمة هو محور الكتابة المقدسة لأن أساس الفداء الإلهي، وهو شرط ضروري للمسيح لإتمام وظيفته كفادي. ولهذا كان التجسد موضوعاً لسلسلة من الإعلانات الإلهية عبر الأسفار المقدسة الموحى بها من الله وهذه الإعلانات بدأت بإشارات إلى منقذ يأتي عند ملء الزمان. ليخلص البشر من لعنة الناموس. ويكون بركة عظيمة لجميع الشعوب ثم أخذت الإعلانات توضح أكثر فأكثر كل ما يختص به ابتدأت بذكر نسل المرأة، ثم ذكر نسل إبراهيم ثم سبط يهوذا، ثم بيت داود ثم ولادته من عذراء وجاء في الإعلانات، أنه يكون صاحب صفات إلهية، وأنه يفتدي لنفسه شعباً مختاراً، يكون هو رئيساً لهم وملكاً (إشعياء ٩: ٦).
والعجيب في الأمر، هو أن الإعلانات ذكرت ظروفاً غريبة ودقيقة خاصة به، لا يمكن نسبتها لحذاقة البشر. منها تعيين مكان ولادته بالضبط. فقد جاء في سفر ميخا النبي «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا ٥: ٢). وأنه يكون فقيراً ذليلاً وممجداً معاً: «وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ، رُوحُ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ، رُوحُ ٱلْمَشُورَةِ وَٱلْقُّوَةِ، رُوحُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء ١١: ١ - ٢). وأنه ملك ولكن بدون مجد خارجي، إذ يدخل عاصمته المقدسة راكباً على جحش بدون أبهة الملوك فقد جاء في سفر زكريا النبي: «اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ» (زكريا ٩: ٩). وأنه يكون كاهنا. فقد جاء في سفر المزامير: «أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلأَبَدِ» (مزمور ١١٠: ٤). وهذا يعني أن عمل المسيح الكفّاري هو عمل كهنوتي ترتبت عليه القضايا التالية:
  1. إن كونه كاهناً جعله نائباً عن الخطاة أقامه الله مقامهم، ليعمل عنهم ما لا يستطيعون أن يعملوه لأنفسهم فإذ لم يكن لهم وصول إلى الله بسبب إثمهم ونجاستهم. اقتضى الحب الإلهي إقامة شخص بسلطان إلهي. ليظهر عنهم أمام الله لأجل مصالحته تعالى معهم.
  2. إن هذه المصالحة لا تتم إلا بواسطة كفّارة عن الخطية، لأنه مكتوب: «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عبرانيين ٩: ٢٢).
  3. إن هذه الكفّارة تتم بإقامة ذبيحة مقام الخاطي لتحتمل عنه الموت أجرة للخطية.
  4. إن الكهنة في العهد القديم خدموا على هذه الطريقة التي عينها الله، والتي بها كان المذنب ينال مغفرة خطاياه الطقسية. إلا أن الخطية كما تقدم لم تتلاش فرب مذنب يعود إلى الوقوع في الخطية ثانية بعد التكفير. ويكون عليه أن يقدم ذبيحة أخرى.
  5. فبناء عليه كان كهنوت العهد القديم، المسمى بالكهنوت الهاروني وذبائحه من الأمور الزمنية، فلم تكن إلا رموزاً وظلاً للكاهن الحقيقي والذبيحة الحقيقية الموعود بها منذ البدء.
  6. إن المسيح كاهن حقيقي. لأن فيه كل الصفات اللازمة للكهنوت. فلكونه اتخذ جسد الإنسان، صار نائباً عن الجنس البشري. وبالتالي قدم ذبيحة، وكان قادراً على أن يرثي لشعبه. وقد قام فعلاً بكل ما يستلزمه الكهنوت، وعلى مثال فائق.
  7. إن الذبيحة التي قدمها يسوع رئيس كهنتنا العظيم، لم تكن دم بهائم، بل دم نفسه الكريم.
  8. إنها الذبيحة الواحدة، التي أكملت إلى الأبد المقدسين (عبرانيين ١٠: ١٤).
  9. إن ذبيحة المسيح أبطلت كل الذبائح في ما بعد فلم تبق حاجة إليها.
يتبين مما تقدم أنّ كفّارة المسيح، ليست أمراً مزعوماً، كما طاب لك أن تقول، وإنما هي حقيقة أساسها المشورة الإلهية تجاوباً مع حب الله للإنسان. ولعلك بعد هذا الشرح المسهب تسأل: ولكن ماذا حمل المسيح على التجسد والقيام بعمل الفداء؟
الجواب: إن تجسد الأقنوم الثاني لله وموته لفداء الجنس البشري، لم يكن حادثة اضطرارية، وإنما هو اتساع اختياري، بدليل قول المسيح: «لِهٰذَا يُحِبُّنِي ٱلآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يوحنا ١٠: ١٧ - ١٨). بمعنى أن المسيح لم يكن مجبراً على بذل نفسه، وإنما قدمها تطوعاً، لكي يرفع خطية العالم.
وفي كلمة أخرى، أن الله بدافع من حبه العجيب للبشر قضى بالفداء. فبذل ابنه الوحيد، الذي أتى إلى العالم فصارت الكلمة المكتوبة: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلاَدُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (عبرانيين ٢: ١٤ - ١٥).
ويعلمنا الكتاب المقدس، أن المسيح أخذ الجسد طوعاً ليكون وسيط صلح، بين الله والناس، بدليل قول الوحي: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (٢ كورنثوس ٥: ١٩). ويخبرنا الكتاب العزيز صريحاً أن وسيط الصلح بين الله والناس، يجب أن يتميز بالصفات التالية.
  1. أن يكون إنساناً بدليل قول الكتاب: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا ١: ١٤). وسبب اتخاذ الكلمة طبيعة البشر لا طبيعة الملائكة، هو أنه أتى لفدائنا فكان ضرورياً أن يولد تحت الناموس، الذي خالفناه، لكي يكمل كل بر وأن يشترك في حياتنا البشرية لكي يختبر ضعفاتنا. وأن يتألم ويموت ذبيحة لكي يكفر عن خطايانا.
  2. أن يكون بدون خطية، فإن الذبيحة التي كانت تقدم للتكفير، كان يجب حسب الناموس أن تكون بلا عيب فالوسيط الذي يقدم نفسه لفداء العالم، يجب أن يكون هو نفسه بلا خطية لأنه من المستحيل أن يكون المخلّص من الخطية خاطئاً، لأن الخاطي لا يقدر أن يصل إلى الله، ولا يليق بأن يكون ذبيحة عن الخطايا، ولا مصدراً للقداسة والحياة الأبدية لشعبه. ولذلك وجب أن يكون رئيس كهنتنا الفادي العظيم «قُدُّوساً بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ ٱنْفَصَلَ عَنِ ٱلْخُطَاةِ» (عبرانيين ٧: ٢٦). ومعلوم أن المسيح كان بلا خطية، كما تشهد بذلك الكلمة الرسولية «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (١ بطرس ٢: ٢١ - ٢٢).
  3. إن يكون إلهاً، لأنه لا يقدر دم إنسان أن يبطل الخطية فالمسيح في حال كونه إلهاً أكمل بذبيحة نفسه المقدسين إلى الأبد (عبرانيين ٩: ٢٦). وكذلك لا يستطيع إلا شخص إلهي أن يبيد سلطان إبليس وينقذ الذين قد سباهم ولا يستطيع إتمام العمل الفدائي العظيم. إلا من هو قادر على كل شيء. وله حكمة ومعرفة غير محدودتين، ليكون رئيس كهنة عظيم ودياناً للجميع. ولا يقدر أن يكون مصدر الحياة الروحية لجميع المقدسين، إلا من حل فيه كل ملء اللاهوت (كولوسي ٢: ٩).
فجميع هذه الصفات التي قال الكتاب بضرورتها لتأهيل الوسيط للوساطة بين الله والناس. قد اجتمعت في يسوع المسيح. ونتج من ثبوت تلك الصفات. أن وساطة يسوع المسيح التي تشمل كل ما فعل وما زال يفعل لخلاص البشر، هي عمل شخصي إلهي فجميع أعمال المسيح وآلامه في إجراء وساطته، كانت أعمال وآلام شخص إلهي فالذي صلب هو رب المجد. وهذه الحقيقة تتضح في ما يلي:
  1. إن الكتاب المقدس ينسب كفاية عمله وسلطانه وصدق كلامه وحكمته وقيمة آلامه، إلى كونه «ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (١ تيموثاوس ٣: ١٦).
  2. لأنه لو كان وسيطنا إنساناً فقط لعجز عن فداء الساقطين وعندئذ لا يبقى بعد للإنجيل مجد ولا قدرة ولا كفاية.
  3. إن فداء البشر الساقطين لا يقدر عليه إلا من هو إله وإنسان معاً، فوظيفة المسيح النبوية تستلزم أن يكون له جميع كنوز الحكمة والعلم. ووظيفته الكهنوتية تستلزم أن يكون له شرف ابن الله. ليجعل عمله نافعاً. ولا يقدر سوى شخص إلهي، أن يستعمل الساطان الذي دفع إلى المسيح في السماء وعلى الأرض أن ينقذنا من عبودية الخطية وموت الخطية، أو يقيم الأموات، أو يهب الحياة الأبدية. والحق أننا نحتاج إلى مخلّص «قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ ٱنْفَصَلَ عَنِ ٱلْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ» (عبرانيين ٧: ٢٦).

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.