موته وقيامته

كانت الغاية العظمى من نزوله من السماء وإتيانه إلى العالم أن يموت عن البشر مقدماً بذلك كفّارة عن خطاياهم وأن يفتح للتائبين باب الخلاص والسماء قال: «إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ أتى لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متّى ٢٠: ٢٨).
وقال مشيراً إلى صلبه العتيد «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا ٣: ١٤ و١٥).
وتكلم مراراً قبل صلبه عن عزمه أن يسلم ذاته للموت صلباً. وأن يتم بصلبه تلك النبوات القديمة التي تشير إلى ذلك نظير النبوة الآتي ذكرها «ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ». والتي تشير إلى أنه «جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ» (إشعياء ٥٣: ٧ و١٠).
غير أن موته الكفّاري لا ينفصل عن قيامته المجيدة في اليوم الثالث بعد موته وذلك على صورة عجيبة متفردة عن قيامة كل من قام سواه من الموت. فقيامته أثبتت القصد من موته حسبما أوضح ذلك في حياته. فكما تفرد بإنبائه أن يموت صلباً وجعل هذا غايته في نزوله من السماء تفرد أيضاً في قيامته لأن في الأمرين لم يماثله أحد من الرسل أو الأنبياء. 
فمن كوكب موته الكفّاري وقيامته يتلألأ نور حبه غير المتناهي. لأن كل ما سبق من الكواكب لا يجدي البشر الخطاة نفعاً إلا بإضافة هذا الكوكب السادس. فإن نزوله من السماء وسلطانه المطلق وإتمامه النبوات وقبوله السجود وحضوره الدائم من شأنها أن تخيف وتدين وتهلك البشر الخطاة ما لم يرافقها حب يقابلها. والحب العادي المألوف لا ينير العالم المظلم لأنه أشبه بفتيلة مدخنة. ولكن متى اتفقت الشروط السابقة مع شرط الحب الغير المتناهي للبشر الخطاة في شخص صاحب تلك الشروط العظيمة يتخذها وسيلة لتخليص البشر من الخطيئة والهلاك الأبدي يصبح ذلك الشخص صاحب الحق في أن يكون نور العالم.
إن عظمة المسيح ليست هي الركن الأعظم في الإيمان المسيحي. لأن العظمة وحدها لا تنير فإن القمر مثلاً في ليالي المحاق يمر فوق رؤوسنا بعظمته الكاملة لكنه لا ينير، والشمس لا تفقد من عظمتها شيئاً عندما يحتجب نورها ليلاً. فيسوع المسيح نور العالم في صفاته ومثاله وتعاليمه التي يدور محورها وخلاصها على المحبة لله وللقريب حتى للعدو أيضاً.
فنور المحبة حتى عن الأعداء الهالكين يصدر من كوكب موت يسوع المسيح الكفاري ثم قيامته. ولا يمسك هذا الكوكب بيمينه إلا هو.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.