أصل يسوع المسيح السماوي

من هذا الكوكب يسطع نور الطهارة التامة في طبيعته. ولا ريب في أنه لا يصلح أن يكون نور العالم إلا من كان تام الطهارة.
وليس من طاهر تماماً بين أهل العالم، فلا يمكن أن يأتي مثل هذا إلا من السماء مركز الطهارة. ولذلك فالنزول من السماء صار شرطاً لازماً في من يقيمه الله مخلّصاً وشفيعاً للبشر. والقلوب الطالبة الخلاص والصلاح تنفتح طبعاً لمخلّص يأتيها من السماء. لأنه وحده يستطيع أن يعلن لها الأمور السماوية على صورة جلية وحقيقية. فالذي يتبع مخلصاً أصله سماوي وطهارته تامة ويشتهي أن يتشبه به يكتسب طهارة بنظره إليه دائماً. فنور طهارة مخلّصه يضيء في ظلام سبيله ويريه حقائق جديدة سماوية. لأن هذا المخلص يهتم أولاً بالطهارة الفكرية في القلب ثم بالدرجة الثانية بالطهارة الفعلية في الظاهر. وقد أوضح ذلك جلياً في وصاياه لتابعيه كما بقوله:
«وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ، فَٱتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ ٱلْمَذْبَحِ، وَٱذْهَبْ أَوَّلاً ٱصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ... وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ ٱلْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَٱقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ ٱلْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَٱقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ... وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا ٱلْبَتَّةَ، لاَ بِٱلسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ ٱللّهِ، وَلاَ بِٱلأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ. وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ... بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذٱلِكَ فَهُوَ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (متّى ٥: ٢٢ - ٢٤ و٢٨ - ٣٧).
«فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (متّى ٥: ٤٨).
فهو الإنسان الوحيد الذي لم يقل إلا وفعل أولاً. وفعل أكثر مما طلب من الآخرين. ففي النظر إليه والإيمان به عون عظيم لكل من يروم لنفسه الطهارة وفقاً لقول الكتاب:
«اِتْبَعُوا ... ٱلْقَدَاسَةَ ٱلَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ ٱلرَّبَّ» (عبرانيين ١٢: ١٤).
ومن المعلوم أن الأمر الجوهري في البصر هو الشخص الذي يرى وليس الجسم الذي يراه. وفي السمع هو السامع وليس المسموع. وفي الكلام هو المتكلم لا كلامه. ففي الدين أيضاً الجوهر هو الشخص المؤمن وليس صورة إيمانه، وليس في هذا الكلام حط في ما للجسم والصوت والكلام وصورة الإيمان من الأهمية والكرامة. بل يقصد منه بيان تعليم المذهب المسيحي المعلن أهمية الارتباط الشخصي القلبي والاتحاد الروحي بين المؤمن الفرد وبين المخلّص العام المقام من الله.
ولهذا الاتحاد تأثير روحي يحوّل صفات المؤمن الحقيقي تحويلاً تدريجياً إلى شبه ذلك المخلّص في الكمالات الأدبية والدينية. وكل من يسمى مسيحياً ولا يظهر فيه ذلك التأثير يبرهن أنه فاقد الارتباط المشار إليه وأن مسيحيته اسمية فقط لا حقيقية.
وهذا النزول من السماء يخوّل يسوع المسيح ليس فقط التفوق على أعظم البشر وأصلحهم بل التفرد عنهم جميعاً. ولا يمكن أن يمسك بيمينه هذا الكوكب الأساسي إلا هو وحده.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.