قضية مصيرية

إن السؤال الذي طالما ردده الكثيرون عبر السنين هو: هل كان المسيح حقاً هو «الله» ظاهراً في صورة إنسان؟
ولو أن إجابة هذا السؤال اتصلت بمجرد المعرفة العقلية فقط، ولم يكن لها علاقة بالمصير الابدي للإنسان، إذاً لما كان هناك داع للكتابة عن حقيقة المسيح.. أما وأن علاقة الفرد بالمسيح ومعرفته بحقيقته، وقبوله لشخصه، هي في مفهوم الكتاب المقدس الطريق الوحيد لتحديد المصير الأبدي للإنسان، وتغيير اتجاهه الطبيعي، ومنحه الاتزان النفسي، فهذا كله يعطي أهمية كبرى لا تعلوها أهمية أخرى في الحياة البشرية لمعرفة حقيقة المسيح.
ذلك لأن الكتاب المقدس يؤكد بوضوح لا إبهام فيه، أن الذي لا يؤمن بالمسيح باعتباره «ابن الله» والله الظاهر في الجسد لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله.
فتعال معي لنقرأ كلمات الكتاب المقدس الكريم:
«اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱلابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِٱلابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللّٰهِ» (يوحنا ٣: ٣٦).
«وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. وَأَمَّا هٰذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يو ٢٠: ٣٠ و٣١).
«يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال ٤: ١٠ و١٢).
«إِنْ كُنَّا نَقْبَلُ شَهَادَةَ ٱلنَّاسِ فَشَهَادَةُ ٱللّٰهِ أَعْظَمُ، لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ شَهَادَةُ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا عَنِ ٱبْنِهِ. مَنْ يُؤْمِنُ بِٱبْنِ ٱللّٰهِ فَعِنْدَهُ ٱلشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. مَنْ لاَ يُصَدِّقُ ٱللّٰهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا ٱللّٰهُ عَنِ ٱبْنِهِ. وَهٰذِهِ هِيَ ٱلشَّهَادَةُ: أَنَّ ٱللّٰهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ هِيَ فِي ٱبْنِهِ. مَنْ لَهُ ٱلابْنُ فَلَهُ ٱلْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ فَلَيْسَتْ لَهُ ٱلْحَيَاةُ»(١ يو ٥: ٩ - ١٢).
من كل هذه الكلمات الإلهية الواضحة يتبين لنا خطورة القضية التي نحن بصددها.. فهي ليست قضية عقائدية، أو عقلية، ولكنها قضية مصيرية، فالإنسان يستطيع أن يحيا حياته كلها دون أن يعرف شيئاً عن بوذا، أو كنفوشيوس، أو زرادشت، أو غيرهم من زعماء الأديان، ولا يؤثر جهله هذا في مصيره بعد الموت، أما إذا تجاهل المسيح، ولم يتعرف به. ويقبله مخلصاً شخصياً لنفسه فإنه سوف يهلك إلى الأبد في الجحيم كما يؤكد ذلك يوحنا الرسول في إنجيله بالكلمات «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يوحنا ٣: ١٧ و١٨).
وبغير شك إن شخصاً يقرر قبوله أو رفضه المصير الأبدي للإنسان يتحتم أن يكون هو الله، لأن الله وحده هو الذي في يده تقرير مصير الإنسان.
والآن ما هي الأسباب التي تقودنا في يقين إلى «حتمية الإيمان بأن المسيح هو الله؟».
(١) السبب الأول هو الإيمان بالله كما أعلن ذاته في الكتاب المقدس: من الأمور التي يؤكدها الكتاب المقدس أن «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يو ١: ١٨)، وأنه «ٱلَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ ٱلْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (١ تي ٦: ١٦) وفي القديم تاق موسى أن يرى الله فقالَ «أَرِنِي مَجْدَكَ» (خر ٣٣: ١٨) وأجابه الله وقال «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خر ٣٣: ٢٠).
وعلى هذا فليس بين البشر من نقبل ادعاءه لو قال إنه رأى الله، وبالتالي ليس في مقدور أحد أن يخبرنا عن : من هو الله؟ وماذا يشبه الله؟ وما هي سجاياه؟ إلا الله ذاته.
وقد تنازل جلّ شأنه فأعلن ذاته على صفحات الكتاب المقدس وأرانا أنه «إله واحد» في «ثالوث عظيم» وأن وحدانيته ليست وحدانية مجردة، أي لا تتصف بصفة من الصفات، بل هي «وحدانية جامعة» فيها كل ما يلزم لكماله واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود.
ووحدانية الله ظاهرة في الكتاب المقدس في وضوح لا غموض فيه، فتعال معي لنقرأ كلمات الكتاب الكريم.
«إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تث ٦: ٤).
«هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ.. أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي» (إش ٤٤: ٦).
«أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلَهَ سِوَايَ» (إش ٤٥: ٥).
«لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» (مت ٤: ١٠).
«أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ» (يعقوب ٢: ١٩).
كل هذه الآيات تؤكد «وحدانية الله» أما الإعلان عن «وحدانية الله في ثالوث عظيم» فقد جاء تدريجياً في ثنايا العهد القديم، وجاء بألفاظ صريحة لا إبهام فيها على صفحات العهد الجديد.
وهنا قد يخطر ببالنا هذا السؤال: لماذا لم يعلن الله بألفاظ صريحة في العهد القديم عن وحدانيته في ثالوث عظيم؟
ونجيب: إن الله لم يعلن صراحة عن وحدانيته في ثالوث عظيم في العهد القديم لأن الشعب الإسرائيلي الذي أعطاه الله العهد القديم كان قد خرج من مصر الوثنية. وكان في مصر الوثنية أكثر من ثالوث.. كانت هناك مجموعات من الآلهة تتكون كل مجموعة منها من ثلاثة آلهة.. المجموعة الأولى كانت مكونة من: آمون، وخنسو، وموت. والمجموعة الثانية كانت مكونة من: إيزيس، وأوزوريس، وهورس. والمجموعة الثالثة كانت مكونة من: خنوم، وساتيت، وعنقت، فلو أن الله الحكيم أعلن للإسرائيلين الخارجين من مصر عن ذاته في ثالوثه العظيم، لغلبت الأفكار المتوارثة والمنقولة من مصر الوثنية حقيقة الإعلانات الإلهية، ولاعتقد الإسرائيليون بوجود ثلاثة آلهة، ولهذا اقتضت حكمة الله أن يعلن عن وحدانيته في ثالوثه العظيم تدريجياً بقدر ما رأى في حكمته من استعداد الشعب القديم لتقبل الإعلان الكامل عن شخصه الكريم.
ورغم ما عمله الله لإبعاد كل صور التعدد من أذهان الشعب القديم، فإن الشعب الإسرائيلي الخارج من مصر صنعوا عجلاً مسبوكاً وسجدوا له.. وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر، كما نقرأ في سفر الخروج «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبِ ٱنْزِلْ! لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ ٱلَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. زَاغُوا سَرِيعاً عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكاً وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هٰذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» (خر ٣٢: ٧ و٨).
وبغير شك أن وجود عقيدة «الثالوث» في ديانات الهنود، والمصريين والفينيقيين، والصينيين، يؤكد أن مصدر الاعتقاد واحد هو إعلان الله ذاته منذ البدء للإنسان، لكن البشر شوهوا ما وصل إليهم من حق عن الله، واستبدلوه بثالوث من ابتكار عقولهم التي انحرفت عن إعلانات الله، وهذا ما يؤكده بولس الرسول في كلماته: «لأَنَّ غَضَبَ ٱللّٰهِ مُعْلَنٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ ٱلنَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَحْجِزُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ ٱللّٰهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ ٱللّٰهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا ٱللّٰهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلٰهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ، وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلّزَحَّافَاتِ. لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. ٱلَّذِينَ ٱسْتَبْدَلُوا حَقَّ ٱللّٰهِ بِٱلْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا ٱلْمَخْلُوقَ دُونَ ٱلْخَالِقِ، ٱلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ» (رومية ١: ١٨ - ٢٥).
ومن هذه الكلمات المنيرة نرى أن الناس قد عرفوا الله في ثالوثه العظيم، ولكنهم في ظلام عقولهم الغبية الحمقاء أبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بثالوث من ابتكار مخيلاتهم المريضة، وهكذا حل التقليد الزائف الرذيل مكان الجوهر الأزلي الأصيل في عقول البشر الذين طمس قلوبهم الظلام.
لكن حقيقة وحدانية الله الجامعة تبقى واضحة لكل ذي عينين، وها هو الله جل شأنه يعلن على صفحات الكتاب المقدس عن وحدانيته في ثالوث عظيم، متدرجاً في إعلانه بحسب ما رأى من استعداد في البشر لتقبل هذا الحق الثمين.
- وأول إعلان عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في غرة سفر التكوين: فهناك نقرأ الكلمات: «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (تك ١: ١) وفي الأصل العبري جاءت كلمة «خلق» بالمفرد، بينما ورد اسم «الله» بالجمع، إذ تقول الآية في الأصل العبري «في البدء خلق إلوهيم السموات والأرض وكلمة «إلوهيم» هي جمع للاسم العبري «إلوه» أي إله. وتؤكد الصيغة اللفظية للآية «وحدانية الله في ثالوث عظيم» هذا واضح من كلمة «خلق» التي تؤكد «الوحدانية» و «إلوهيم» التي تؤكد وجود الثالوث في هذه الوحدانية.
- الإعلان الثاني عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم خلق الله الإنسان: بعد أن أعد الله الأرض للسكنى. فأنبت فيها النبات وخلق الحيوان، حان وقت خلقه للإنسان فقال جل شأنه: «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦) وأمام ألفاظ هذه الصيغة يدور في الذهن أكثر من سؤال:
مع من كان الله يتحدث حين قال «نعمل»؟
وهل هناك من يعادله حتى يستشيره فيم يعمل، وهو المكتوب عنه: «مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟» (رو ١١: ٣٤)؟!.
وكيف يمكن أن يكون الإنسان على صورة الله وشبهه. والله لا شبيه له كما قال إشعياء النبي: «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟» (إش ٤٠: ١٨).
وما دلالة «النون» في «نعمل» و «النا» في «صورتنا» وفي «كشبهنا»؟
وكيف يمكن أن يكون الإنسان جسداً، ويكون في ذات الوقت على صورة الله مع أننا نقرأ أن: «اَللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يو ٤: ٢٤).
ولا يمكننا أن نجد إجابة شافية عن هذه الأسئلة إلا إذا وضحت أمامنا حقيقة «وحدانية الله الجامعة» ففيها نرى الآب والابن والروح القدس في حديث واحد يبدو في كلمة «نعمل» ونرى الثالوث العظيم يقرر الصورة التي سيخلق عليها الإنسان، وهي ذات الصورة التي كان المسيح سيأتي بها متجسداً، ولقد قيل عن المسيح «الذي هو صورة الله غير المنظور، وهو في ذات الوقت «الله الابن» الذي تجسد في ملء الزمان.
وقد يقول قائل: إن ألفاظ هذه الصيغة لا تعني أكثر من أن الله استخدم «لغة التعظيم» فتكلم كما يتكلم الملك فيقول «نحن.. ملك» لكن القائل بهذا القول يعلن عن جهله بالتاريخ القديم، فالتاريخ القديم يؤكد لنا أنه لم يكن للملوك عادة أن يتكلموا بلغة الجمع أي بلغة التعظيم. ففرعون ملك مصر إذ تحدث إلى يوسف قال له «قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» (تك ٤١: ٤١) ولم يقل «قد جعلناك على كل أرض مصر»، وفي سفر دانيال نقرأ حديث الملك نبوخذ نصر، وقد كان ملكاً جباراً يتمتع بكل جبروت الحكم الأوتوقراطي، ومع ذلك فهو لم يستعمل لغة التعظيم عندما تكلم عن نفسه بل تحدث إلى الكلدانيين قائلاً: «قَدْ خَرَجَ مِنِّي ٱلْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِٱلْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ تُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً» (دا ٢: ٥) ولم يقل الملك العظيم «قد خرج منا القول» فلغة التعظيم ليست هي لغة الكتاب المقدس، ولا كانت لغة تعظيم الملوك في القديم، فالقول بأن الله استخدم في هذه الآية أو غيرها لغة التعظيم مردود من واقع الكتاب المقدس والتاريخ القديم.
- الإعلان الثالث عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم سقوط الإنسان: بعد أن سقط آدم وحواء بعصيانهما الله بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر نقرأ الكلمات: «وَقَالَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ: هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ» (تك ٣: ٢٢). وهنا تظهر الوحدانية في ثالوث إذ تؤكد الكلمات: «وقال الرب الإله» وحدانية الله، وتعلن الكلمات: «قد صار كواحد منا» «الثالوث في الوحدانية» وإلا فما معنى قول الله «هوذا الإنسان قد صار كواحد منا»؟ ومع من كان الله يتحدث بهذا الحديث؟
- الإعلان الرابع عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم بدأ الناس في بناء برج بابل: يرينا سفر التكوين صورة للبشرية بعد الطوفان تتحدث بلسان واحد ولغة واحدة، وتفكر في الاستقلال عن إله السماء، وعن هذا نقرأ الكلمات: «وَقَالُوا: هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِٱلسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا ٱسْماً لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ. فَنَزَلَ ٱلرَّبُّ لِيَنْظُرَ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْبُرْجَ ٱللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ ٱلرَّبُّ: هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهٰذَا ٱبْتِدَاؤُهُمْ بِٱلْعَمَلِ. وَٱلآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ» (تك ١١: ٤ - ٧).
هنا أيضاً نجد «الوحدانية في ثالوث» والثالوث يظهر في الكلمات «هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم» إذاً مع من كان الله يتكلم بهذا الكلام؟
- الإعلان الخامس عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في قصة بلعام وبالاق: فبعد أن بنى «بالاق» «لبلعام» سبعة مذابح وهيأ له سبعة ثيران وسبعة كباش نقرأ الكلمات «فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالاَقَ: قِفْ عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ، فَأَنْطَلِقَ أَنَا لَعَلَّ ٱلرَّبَّ يُوافِي لِلِقَائِي، فَمَهْمَا أَرَانِي أُخْبِرْكَ بِهِ. ثُمَّ ٱنْطَلَقَ إِلَى رَابِيَةٍ. فَوَافَى ٱللّٰهُ بَلْعَامَ» (عد ٢٣: ٣ و٤).
ولم يلعن بلعام شعب الله القديم كما أراد بالاق بل باركه، وهنا نقرأ الكلمات: «فَقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي أَخَذْتُكَ، وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمْ. فَأَجَابَ: أَمَا ٱلَّذِي يَضَعُهُ ٱلرَّبُّ فِي فَمِي أَحْتَرِصُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ بَالاَقُ: هَلُمَّ مَعِي إِلَى مَكَانٍ آخَرَ تَرَاهُ مِنْهُ. إِنَّمَا تَرَى أَقْصَاءَهُ فَقَطْ، وَكُلَّهُ لاَ تَرَى. فَٱلْعَنْهُ لِي مِنْ هُنَاكَ. فَأَخَذَهُ إِلَى حَقْلِ صُوفِيمَ إِلَى رَأْسِ ٱلْفِسْجَةِ، وَبَنَى سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. فَقَالَ لِبَالاَقَ: قِفْ هُنَا عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ وَأَنَا أُوافِي هُنَاكَ فَوَافَى ٱلرَّبُّ بَلْعَامَ وَوَضَعَ كَلاَماً فِي فَمِهِ وَقَالَ: ٱرْجِعْ إِلَى بَالاَقَ وَتَكَلَّمْ هٰكَذَا» (عدد ٢٣: ١١ - ١٦).
وفي هذه المرة الثانية لم يلعن بلعام الشعب وتضايق بالاق «َفقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: لاَ تَلْعَنْهُ لَعْنَةً وَلاَ تُبَارِكْهُ بَرَكَةً... ٱبْنِ لِي هٰهُنَا سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَهَيِّئْ لِي هٰهُنَا سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ. فَفَعَلَ بَالاَقُ كَمَا قَالَ َلْعَامُ، وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ... وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ... فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ ٱللّٰهِ» (عدد ٢٣: ٢٥ - ٣٠ و٢٤: ١ و٢).
ويثبت النص الإلهي ثلاث تسميات للإله الواحد جاءت في هذه العبارات:
«فَوَافَى ٱللّٰهُ بَلْعَامَ» (عدد ٢٣: ٤).
«فَوَافَى ٱلرَّبُّ بَلْعَامَ» (عدد ٢٣: ١٦).
«فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ ٱللّٰهِ» (عدد ٢٤: ٢).
ويسأل المرء أمام هذه الوضوح: ما معنى هذه التسميات الثلاث للإله الواحد؟ أليس الله هو الرب وهو روح الله؟
ونجيب أن النص يظهر الثالوث بصورة أكيدة، ونحن نرى فيه - في نور العهد الجديد - أن «الله» هو «الآب» وأن «الرب» هو «المسيح» وأن «روح الله» هو «الروح القدس»، وهكذا يظهر الله في وحدانيته الجامعة في هذه القصة من سفر العدد.
- الإعلان السادس عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في سفر إشعياء: وأول إعلان جاء في هذا السفر نراه في رؤيا إشعياء المجيدة، التي رأى فيها السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع واعترف أمام قداسة الله بنجاسة شفتيه، ونرى واحداً من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، قد جاء ومس بها فم إشعياء وقال «إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَٱنْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ» (إشعياء ٦: ٧)، وبعد أن تطهر إشعياء من خطيته، وأصبح إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد سجل هذه الكلمات المنيرة:
«ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ ٱلسَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» (إش ٦: ٨).
ويرى القارئ أن «وحدانية الله» تظهر في كلماته التي جاءت بصيغة المفرد «من أرسل» وأن ثالوثه العظيم يظهر في صيغة الجمع «من يذهب من أجلنا»؟
ونأتي إلى إعلان آخر في سفر إشعياء جاء فيه هذه العبارات:
«اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ... أَنَا هُوَ. أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ، وَيَدِي أَسَّسَتِ ٱلأَرْضَ وَيَمِينِي نَشَرَتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. أَنَا أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ مَعاً. اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَٱسْمَعُوا. مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِهَذِهِ؟ قَدْ أَحَبَّهُ ٱلرَّبُّ. يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ، وَيَكُونُ ذِرَاعُهُ عَلَى ٱلْكِلْدَانِيِّينَ. أَنَا أَنَا تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُهُ. أَتَيْتُ بِهِ فَيَنْجَحُ طَرِيقُهُ. تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا هَذَا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ فِي ٱلْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَٱلآنَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ» (إشعياء ٤٨: ١٢ - ١٦).
عجيب هذا الإعلان الإلهي عن «وحدانية الثالوث العظيم» ففيه نجد الخالق يتكلم قائلاً:
«أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر. ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات».
وهذه الكلمات تنطبق تماماً على الرب يسوع المسيح الذي قال عنه يوحنا الرسول: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يو ١: ٣) وقال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي ٱلْبَدْءِ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ، وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ» (عب ١: ١٠).
فالمسيح هو الخالق الذي يده أسست الأرض ويمينه نشرت السموات.
ثم يقول هذا الخالق: «أنا هو» وهي ذات الكلمة التي قالها المسيح لليهود: «لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ... مَتَى رَفَعْتُمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهٰذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي. وَٱلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي ٱلآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ» (يو ٨: ٢٤ و٢٨ و٢٩).
ويتابع هذا الخالق العظيم حديثه قائلاً: «أنا الأول وأنا الآخر» وهي ذات الكلمات التي قالها الرب ليوحنا الرسول في جزيرة بطمس: «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ. ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ» (رؤ ١: ١١).
ثم يقول منذ وجوده: «أنا هناك» وهذا دليل ساطع على أزلية المسيح، الذي عندما سأله اليهود: «لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ، أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ؟» أجابهم قائلاً: «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يو ٨: ٥٧ و٥٨) وعبارة «أنا كائن» تؤكد أزليته.
وأخيراً يتكلم هذا الخالق الأزلي قائلاً: «والآن السيد الرب أرسلني وروحه» ومن يكون السيد الرب الذي أرسله؟
إنه يتحدث عن الله الآب كما قال في إنجيل يوحنا: «لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَٱلآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» (يو ٨: ١٦).
وعن من يقول: «وروحه» إنه يقيناً يتحدث عن الروح القدس الذي اشترك في إرسالية المسيح كما نقرأ في سفر إشعياء: «رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي ٱلْقَلْبِ... لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ» (إش ٦١: ١ و٢) وقد أكد الرب أن هذه الكلمات تمت في شخصه حين جاء إلى العالم ولذا نقرأ في إنجيل لوقا: «وَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ ٱلسِّفْرَ وَجَدَ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ...فَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ ٱلْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لو ٤: ١٦ - ٢١).
في هذا النص يظهر الثالوث العظيم في وضوح وجلاء فنرى:
- الآب مرسلاً للابن لإتمام مقاصده.
- الابن متكلماً عن إرسال الآب والروح القدس له.
- الروح القدس مشتركاً في هذه الإرسالية العظمى.
- الإعلان السابع عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء على صفحات العهد الجديد: فتعال معي لنقرأ هذه الكلمات: «فَلَمَّا ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ ٱلْمَاءِ، وَإِذَا ٱلسَّمَاوَاتُ قَدِ ٱنْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ ٱللّٰهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ » (مت ٣: ١٦ و١٧).
والكلمات ترينا الآب متكلماً من السماء، متحدثاً عن الابن الصاعد من الماء والروح القدس في هيئة جسمية مثل حمامة.
ونأتي الآن إلى إعلان ثان جاء في أمر المسيح الكريم بالكلمات: «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (مت ٢٨: ١٩).
وفي هذا الأمر ملاحظة جديرة بالاعتبار هي أن المسيح لم يقل في أمره «وعمدوهم بأسماء الآب والابن والروح القدس» بل «باسم»، فالله واحد، لكننا نجد في وحدانيته الجامعة الثالوث العظيم.
وأخيراً نكتفي بإعلان ثالث جاء في كلمات بولس الرسول في ختام رسالته الثانية إلى القديسين في كورنثوس إذ قال: «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ» (٢ كو ١٣: ١٤).
وهكذا نرى الله في «وحدانيته الجامعة» معلناً عن ذاته في ثنايا كتابه الكريم.
وإذا وضعنا في أذهاننا أن «الله روح» (يو ٤: ٢٤) وأنه لا شبيه له كما قال إشعياء النبي في سفره: «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ» (إش ٤٠: ١٨) وكما قال داود النبي في المزمور: «لاَ مِثْلَ لَكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ» (مز ٨٦: ٨) استطعنا أن نقبل كيف أن «الآب» هو «الله» وأن «الابن» هو «الله» وأن «الروح القدس» هو «الله» وأن الثالوث إله واحد.
فنحن نقرأ في الكتاب المقدس عن «الآب» أنه الله «وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ أَبُونَا» (١ تسا ٣: ١١)، ونقرأ عن «الابن»، أنه الله «وَأَمَّا عَنْ ٱلابْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ» (عب ١: ٨) ونقرأ عن «الروح القدس» أنه الله «فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ... أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ» (أع ٥: ٣ و٤).
والكتاب المقدس يؤكد لنا أن كل واحد في الثالوث متميز عن الآخر، دون انفصال لأحدهم عن الآخر، وهو أمر يتميز به الله الواحد الذي لا مثيل ولا شبيه له.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.