حتمية الإيمان بأنّ المسيح هو الله


الفصل الأول: حتمية الإيمان بأنّ المسيح هو الله

يجد الباحث في المسيحية عدداً من القضايا الخطيرة وأخطر قضية في المسيحية هي «قضية لاهوت المسيح» ، ونعنى بقولنا «لاهوت المسيح» إيماننا بأن المسيح الذي وُلد من مريم العذارء في بيت لحم اليهودية، وعاش على أرض فلسطين وصُلب فوق موضع الجمجمة الذي يُسمى بالعبرانية جلجثة هو «الله الابن» وهو «ابن الله».
فإذا كان المسيح هو «الله الابن» حقاً، وهو «ابن الله» الذي تجسد في ملء الزمان في صورة إنسان، إذاً فالمسيحية ديانة إلهية صحيحة في مفاهيمها ومبادئها وادعاءاتها وقضاياها، أما إذا كان المسيح مجرد إنسان، أو نبي كسائر الأنبياء، فهذا يعني أن المسيحية ديانة منهارة من أساسها، وبالتالي أنها غير ذات موضوع.
فمع أن المسيحية تختلف عن غيرها من الديانات، بمبادئها، ومثلها، وتعاليمها، وروح الحب والتسامح الذي يتمثل فيها، إلى أنها تنفرد بقولها بأن المسيح مؤسسها هو الإعلان الكامل والكافي للسؤال القديم: من هو الله؟ وما هي سجاياه؟ فالمسيحية تؤكد في وضوح لا غموض فيه أن «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (٢ كو ٥: ١٩).
ويقيناً أننا إذا قلبنا صفحات التاريخ، وأوقفنا أمامنا جميع عمالقة العالم العظام، فإننا لن نجد شخصاً أثار اهتمام الناس، وأزعج ضمائرهم، وألهب تفكيرهم، وهز عقولهم هزاً عنيفاً كشخص المسيح الكريم.
ومنذ فجر المسيحية انقسم البشر في موقفهم تجاه المسيح إلى ثلاثة أفرقة. فريق الذين أحبوه، وفريق الذين حاربوه، وفريق الذين تجاهلوه.
أما الذين أحبوه فهؤلاء هم الذين اقتربوا إليه، ووثقوا تماماً أن آثامهم قد وضعت عليه، فقبلوه مخلصاً شخصياً لهم، فسرت في حياتهم قوته التي غيرتهم، فأفرغوا عند قدميه أحلى ترنيماتهم، وأعذب موسيقاهم، وأجمل أفكارهم فأناروا العالم بالنور الذي استمدوه من شخصه المبارك الكريم.
وأما الذين حاربوه، فلم يستطيعوا أن يواجهوا نوره، فداروا حوله، وافتروا عليه بشتى الأقاويل.
قالوا عنه: إنه ليس ابناً شرعياً لأمه مريم، وأنها قد حملت به سفاحاً من جندي من الجنود الألمان الذين كانوا يحتلون الناصرة إبان حكم الرومان.
وقالوا عنه: إنه في سني اختفائه، وهي السنين التي لم يشأ الوحي أن يكشف له الستار عنها ذهب إلى الهند، وتعلم حكمة الهنود، وأتقن قدرات مهنتهم ومشعوذيهم، ثم عاد إلى فلسطين ليمارس بين بني وطنه ما تعلمه منهم، وصنع معجزاته بقوة هذا السحر الهندي القديم.
وقالوا عنه: إنه مجرد إنسان عبقري عظيم سبق عصره بمثله وتفكيره، وجاء إلى هذا العالم الفسيح كما جاء سائر العباقرة الأفذاذ مثله كمثل سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وكونفوشيوس، على السواء.
وقالوا عنه: إنه تميز بشخصية مغناطسية جبارة، هي سر تأثيره القوي على الذين اتصلوا به، وتحدثوا إليه.
وقالوا عنه: إنه كان يشفي المرضى الذين أتوا إليه بقوة الإيحاء مستخدماً نظرات عينيه، والتأثير السحري لكلماته.
وقالوا عنه: إنه لم يكن إنساناً حقيقياً، وأن جسده البشري لم يكن مثل أجسادنا بل كان مجرد ظهور. والقائلون بهذا الرأي جماعة ظهرت في فجر التاريخ باسم «جماعة دوكيون». (وكلمة «دوكيون» من كملة «دوكي» اليونانية ومعناها «يظهر أو ظهور»). ومثل هذا الاعتقاد ينفي عن المسيح تحمله لآلام الصلب، ويجعل منه مجرد شبح وهمي ظهر على الأرض ثم عاد إلى السماء.
وقالوا عنه: إنه أكثر من إنسان وأقل من إله، وهذا هو قول «آريوس» الذي أنكر في القرون الأولى للمسيحية لاهوت المسيح وأشاع ضلالته الكبرى قائلاً: إن المسيح هو أول شخص خلقه الله.
وقالوا عنه: إنه نبي عظيم، ورسول كريم، جاء في الناس مبشراً ونذيراً ولكنه لم يوجد قط قبل ميلاده، وأن مثله كمثل آدم خلقه الله وقال له كن فكان، وأنه ورث الخطية من امه العذراء.
وأما الذين تجاهلوه فقالوا عنه: «إن العلم قرر منذ عهد طويل أن يسوع المسيح لم يوجد على الإطلاق، وأن الصورة التي رُسمت لمؤسس المسيحية المزعوم ليست سوى أسطورة خرافية، وانعدام شخصية المسيح التاريخية تؤكده حقيقة أولية، وهي أن المؤرخين والكتاب الذين عاشوا في الوقت الذي قيل إن المسيح قد عاش فيه ودعا لشريعته، لم يذكروا أي شيء عنه بالمرة. إن يسوع المسيح لم يكن له وجود إطلاقاً وأنه ليس سوى شخصية خرافية، وأن ما كتبه الرسل في الأناجيل مليء بالأقوال المتعارضة وليس جديراً بأي اعتبار».
وفي وسط ضوضاء هذه الافتراءات والادعاءات، والأقاويل يرتفع صوت المسيحيين الحقيقيين قائلاً: إن المسيح هو «الله الابن» وهو «ابن الله» الكائن منذ الأزل مع الآب والروح القدس، وأنه في ملء الزمان أخذ صورة عبد وصار في شبه الناس، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصيب ليقوم بعمل الفداء العظيم.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.